لم يكن قد تجاوزت الثانية من عمري عندما فقدت والدتي عام (١٩٢٠م). لكن حنان زوجة أبي الأولى عائشة أحمد بهزاد عوضني عن فقدان أمي عائشة حسن ابراهيم إذا أصبحت أماً ثانية لي أحبتني واهتمت بي كثيراً، و عاملتني كإبن من أبنائها الأربعة، وكنت لها إبناً محباً ووفياً حتى آخر يوم في حياتها.
كنا أنا و أخي عبدالرحمن نسكن غرفة واحدة في الطابق الأول من بيت الهائلة الكبير الواقع في فريق الفاضل بالمنامة. وعندما يحين فصل الصيف كنا ننام مع أمنا عائشة على السطح المفتوح الذي تطل عليه هذه الغرفة..
انت علاقتي بأخي عبدالرحمن قوية منذ الصغر، وبالرغم من اختلاف شخصياتنا، إلا أن ذلك لم يمنع من نمو و تطور صداقتنا،لازلت أذكر كيف كانت تمر علينا الساعات في غرفتنا ونحن نتحدث حول كل ما يمر بنا خلال اليوم او عن مشاريعنا و أحلامنا.لقد ظلت المحبة في نفسي قوية نحو أخي طوال سنوات حياتي رغم أي اختلاف في الرأي بيننا، لإنني لا يمكن أن أنسى محبته واهتمامه بي في مراحل حياتي المختلفة.
بدأت أولى خطواتي الدراسية مع أخي عبدالرحمن بمدرسة الهداية الخليفية، وكانت تقع في ذلك الوقت وسط المنامة بالقرب من بيت حسن مديفع وسلمان
كيكسو.
كنت في السادسة من عمري عندما شعرت بميلي إلى جمع المال، وأذكر أني قررت في تلك السن المبكرة أن أجمع أول رأسمال لدي، فكنت أنفق ((آنة ))واحدة من ((آنتين)) كنت أحصل عليهما من ((والدي خليل)) كمصروف يومي، كما كنت أجمع (( الآنتين)) اللتين كان يمنحني إياهم ((جدي إبراهيم ))كل يوم. أي أنني كنت أنفق((آنة)) واحدة فقط من أربع ((آنات)). سرت على هذا المنوال في التوفير حتى بلغت ثروتي الصغيرة وأنا في سن العاشرة ((مائة و خمسين روبية))وبدأت في تلك السن الصغيرة أنفذ بفطرتي أولى عملياتي التجارية
فماذا فعلت؟
قلت لنفسي في ذلك اليوم وأنا عائد من المدرسة:
(( لماذا لا أستفيد من الدراهم التي اجتمعت لدي في حصالتي))
وخطرت في بالي فكرة ، سعيت إلى تنفيذها.
كنت أمر كل يوم أنا ذاهب إلى المدرسة و عائد منها بدكان شخص يدعى ((عبدالله اليماني))، كان هذا الرجل يبيع على أطفال الحي الفول السوداني و أنواعاً من الحلوى. أذكر أنني آشتريت منه بآنة حلاوة و بآنة أخرى فول سوداني كحجة أتذرع بها لكي أطرح عليه بعض أسئلتي.
سألته:
(( لماذا تبيعنا الحلوى و الفول السوداني؟)).
أجابني:
((لكى أحصل علي روبية أو روبيتين كل يوم أنفقها على أسرتي)).
عدت أسأله:
(( وكيف يمكنك الحصول على هذا المبلغ عندما تشتري الحلوى و الفول السوداني من السوق ثم تبيعه علينا؟)).
قال:
(( أشتري بضاعتي ثم أضع عليها الفائدة التي أريدها ثم أبيعها و أحصل بذلك على المبلغ الذي ذكرته لك. لكن قل لي لماذا تسأل كل هذه الأسئلة)).
أجبته:
((فقط لكى أعرف)).
وهز رأسه في دهشة. وعاد إلى ممارسة عمله.
خرجت وقد علقت بذهني تلك الفكرة و شعرت برغبة شديدة في تطبيقها بنفسي.
وبدأت منذ ذلك الوقت أمارس بفطرتي البسيطة مهنة أحببتها من أعماق نفسي ورغبت أن أحقق بها أحلامي و طموحي في النجاح و الثراء.
ذهبت في اليوم التالي إلى دكان((على بن ابراهيم ))( والد(( إبراهيم علي كانو)) المذيع البحريني المعروف..إذ كان أحد تجار الحلويات في ذلك الوقت، واشتريت منه علبة حلوى و علبة من الشوكولاتة، واتجهت بعدها إلى دكان شخص يدعي حسين علي كاظم، واشتريت منه فول سوداني(( بروبيتين))وحب الفساد أي بذر البطيخ ((بروبيتين))، و جمعت كل ما لدى ووضعته على بساط صغير بالقرب من بيتنا بالمنامة وبدأت أبيع ما لدي على إخوتي و أبناء أعمامي و بقية الجيران.
كنت سعيداً وأنا أرى الإقبال من الأطفال على بضاعتي، و تزداد سعادتي عندما أنهي كل ما لدي، وأعد ما اجتمع لدي من مال و أضعه في حصالتي، ثم أذهب
للعب الكرة مع زملائي.