آخبار عاجل

الأغنيات ما هي سوى قصة حب خالدة ورحلة عمر بين طرفين يجهلها الجمهور.. بقلم : أحمد المرشد

10 - 08 - 2019 2:08 350

بعد التحية والسلام والتهنئة بيوم عرفات أفضل أيام العام عند المولى عز وجل، أعود اليوم مجددًا إلى الكلمة، فالكلمة هي البداية والمنتهى، وبعد أن بدأنا بالأغاني الوطنية التي لا تزال الشعوب ترددها حتى يومنا هذا، نجدد اليوم العهد ونكتب عن حكايات وقصص الأغاني التي تداعب عقولنا وقلوبنا ومشاعرنا وأحاسيسنا، فكثير من الأغنيات التي نسمعها لم تكن مجرد رحلة تعاون عشوائية بين مؤلف ومطرب وملحن، وربما كانت بداية الرحلة مؤلمة أو حزينة أو شاقة أو ذكرى أليمة مر بها أحد أطراف الرحلة، ليشارك الثلاثي في إخراج هذه الرحلة في صورة أغنية للجمهور ليتمايل مع اللحن والطرب ولكنه لا يعلم شيئًا عن آلامها. فكثير من الأغنيات ما هي سوي قصة أو حكاية حب خالدة، لتكون «آهة» المطرب والمطربة تجسيدًا حيًا لتلك الذكرى سواء أليمة أو سعيدة، فعظمة الأغنية ما هي سوى لكلمات عبّرت عن حالة الموقف الذي تدور في فلكه الأغنية والقصيدة لتعيش خالدة في الذاكرة بجرحها وألمها وشجنها ولكنها تظل جميلة، خفيفة على الأذن الموسيقية حتى لو احترقت القلوب والصدور بسماعها من فرط لوعة وجمال وأحاسيس كلماتها والنغمة اللحنية لموسيقاها.. فالأغنية هنا هي قصة تربط الماضي بالحاضر، لتسطر كلماتها وإيقاعها حينئذ ميراثًا متجددًا للأجيال، فبعد أن كانت تجسيدًا حيًا لذكرى في الماضي تعود لتحمل نفس الذكريات من آهات ودموع لنا، خاصة إذا كانت الأغنية أو الأغاني قصة حملت كلمات مؤثرة اغرورقت معها العيون بالدموع والقلب بالآهات والجسد بالتمايل.

الحكايات والقصص كثيرة ولا تقتصر على مطرب ومطربة، بل ربما كانت من نصيب الجميع بما فيهم المؤلفون والملحنون، أو حتى قصة شخص قريب من هذا الثالوث، ونبدأ بسيدة الغناء العربي أم كلثوم التي أرهقت شاعرها المفضّل أحمد رامي الذي أحبها وتعذب بغرامها، ولكنه عاش بحبه بعيدًا عن النجمة العالية في السماء حتى لا تنطفئ إذا تزوجها أو اقترنت بقصة حب معه. ومن أروع ما كتب رامي لأم كلثوم أغنية «هجرتك» فهي حالة من الوجد والغرام والحب العذري من طرف واحد، تنتهي بقرار الهجران بسياق وجداني رائع معتمدًا على تذكيرنا بعنصر النسيان ليرتاح من حبه الذي أرهقه، فيقول في «هجرتك» شاكيًا حاله لنا وعلى لسان حبيبته:

«هجرتك يمكن أنسى هواك وودّع قلبك القاسي

وقلت أقدر في يوم أسلاك وأفضّى من الهوى كاسي

لقيت روحي في عزّ جفاك بفكّر فيك ونا ناسي».

وبينما يتحرق قلب رامي حبًا نراه يواصل رحلة الهجران ليقسو على نفسه ولكن بلا جدوى، فالحب تقدم به ليجري في دمه:

«غصبْت روحي على الهجران وأنت هواك يجري في دمّي

وفضلْت أفكّر في النسيان لمّا بقى النسيان همّي!».

الحال العاطفية التي بلغها رامي جعلته مترنحًا بين اليقين والحيرة حتى أنه أصبح يعيش هائمًا لدرجة أنه يخاطب روحه أن تنسى النسيان، وهي حالة نادرة من الوجد لم يصل إليها غيره ليبالغ في تصويرها بكلمات قليلة، ولكنها غاية في التعبير يقول فيها:

«وصبحت بين عقلي وقلبي تـايــه حـيــران

أقول لروحي من غُلْبى أنـسـى الـنسـيان!».

وبين الهجر والهجران كان لقاء رامي مع أم كلثوم ليعبّر عن حبه مرة أخرى في «حيرت قلبي معاك»، لتكون واحدة من أكثر من 136 عملاً غنائيًا كتبها رامي ليعبر خلالها عن مدى حبه لأم كلثوم، ومنها أيضًا «الصب تفضحه عيونه»، لتتنوع الأعمال ما بين الحب والخصام والهجر والغيرة والشكوى مجسدة في أغنية «يا اللي انحرمت الحنان»، لتشكل أشعار رامي نصف ما غنت أم كلثوم تقريبًا من أغانٍ، وأما النصف الآخر فإن رامي هو من راجعها وربما عدل في بعض كلماتها لتناسب صوتها وأداءها. ويعترف رامي بأن أشعاره توهجت بعذوبة صوت أم كلثوم، حتى أنه توقف عن كتابة الشعر بعد وفاتها مباشرة في فبراير 1975، وظل على موقفه إلى أن فارق الحياة في يونيو1981.

ورغم حالة الحب الكبير التي ربطت رامي بأم كلثوم من طرف واحد، إلا أنه لم يطلب منها الزواج مطلقًا، ليعترف لابنه بأنه لو تزوجها سيكون الزواج سببًا في اعتزالها الغناء لأنه رجل شرقي، ولن يسمح لها بالغناء، ولم يكن يستطيع وقتها أن يكتب في إحدى أغانيه «سهران لوحدي أناجي طيفك الساري»، وكذلك لن يضيف لمكتبتنا الغنائية أغنية «يا مسهرني» ببدايتها «ما خطرتش على بالك يوم تسأل عني يا مسهرني».

ومن رامي وأم كلثوم إلى قصة حب أخرى عرفت حينذاك بأنها ملتهبة، بطلاها بليغ حمدي ووردة، فبليغ كتب بأشواقه الحارة كلمات أغنية «بودعك» من باريس حيث كانت منفاه الإجباري من واقعة مؤلمة مر بها بمصر عقب انتحار فنانة مغربية من شرفة منزله بعد نهاية سهرة ضمت بعض الفنانين وغيرهم في شقته، فاضطر للهروب إلى فرنسا للإقامة هناك، وحينها تدهورت صحته بعيدًا عن حبه الأكبر -وردة- فأرسل يودعها بأغنية «بودعك». ومن فرط ولع بليغ بحبه الوحيد رغم كثرة الشائعات عن غرامياته المتكررة، خرجت من قلبه كلمات موحية تعبر عن هذا الحب الكبير فبدأ الأغنية بكلمة «بودعك» وتقول:

«بودعك بودعك وبودع الدنيا معك جرحتني قتلتني غفرت لك قسوتك بودعك من غير سلام ولا ملام ولا كلمة مني تجرحك أنا.. أنا.. أنا أجرحك بسم الآلام ارحل قوام حبي الكبير ح يحرسك في سكتك.

بودعك.. ودع مُحبًا ودعك قبل الأوان بودعك.. كلمني مشتاق أسمعك من زمان بودعك.. بشوق للمسة من يدك لمسة وداعما أبخلك بكرهك لأ.. بعشقك يا عمري راح وجه الرياحيا قلب دافي بعشرتك أنا رحلتك وأنا الزمان رغم الجراح حبي الكبير ح يحرسك بسكتك.

واستنناك أنا والليالي بشوق ولهفة لصوت خطاك استنناك بخوف يساوي فرحة لقاكويا ريتك غلطت ليلتها وجيت الكل أفتكره وأنت نسيت كتبت لك زي الليلة دي في يوم ميلادي غنوه لك تفكرك بموعدك أسمعك غنوتك سنة حلوة يا سعيد ودموعي في العيد وأنا عمري ما نسيت لك في الغربة عيد بودعك بصمت مُر أنا ضيف ومَر عطشان سقيته محبتك ما أكرهك».

ويأتي الدور الآن على قصة حب وعشق أخرى بطلاها عبدالحليم حافظ وسعاد حسني، وجميع النقاد المصريين تقريبًا اتفقوا على وجود هذا الحب الجارف الذي جمع بين قلبي نجمي الطرب والتمثيل في أوج شهرتهما، ورغم اتفاق الجميع على هذا الحب فقد اختلفوا على قصة زواج حليم وسعاد، واستند هنا لشهادة الكاتب الصحفي مصطفي أمين التي أثق بها بأن النجمين لم يتزوجا وهذا هو سر الحب الكبير، فالزواج في حياة الفنانين يطفئ حالة الحب المتوهجة التي تجمع بين كل نجمين لحين الزواج الذي يخلق غيرة الزوج على زوجته والعكس. وتنطبق قصة حب حليم وسعاد علي قصيدة «قارئة الفنجان» للمبدع نزار قباني وكتبها بناء على توصية من سعاد حسني بعد اطلاعه على سر حبها لحليم، وقد أفضت سعاد لنزار قباني بقصة حبها لشاب في بداية عملها بالفن ووثقت به جدًا وهو الذي كان يخدعها من أجل تسهيل عملية تجنيدها عميلة في المخابرات المصرية ليكون دورها الإيقاع بأي شخص يريد الصاق أي تهمة له، وتم ابتزاز سعاد حسني ببعض الصور التي التقطت لها خلسة مع هذا الشاب، حتى علم عبدالحليم بهذه القصة التي لم تكن لسعاد أي دخل بها وإنما كانت هي نفسها مخدوعة، ثم كتب نزار قباني «قارئة الفنجان» بعد أن قص حليم لصديقه نزار تفسير ضاربة الودع مرجانة وتنبؤاتها لمسار الحب بينه وبين سعاد والتي أبدع القول في منتصفها:

«بحياتك يا ولدي امرأةٌ عيناها سبحان المعبود فمها مرسومٌ كالعنقود ضحكتها موسيقى وورود لكن سماءك ممطرةٌ وطريقك مسدودٌ.. مسدود فحبيبة قلبك.. يا ولدي نائمةٌ في قصرٍ مرصود والقصر كبيرٌ يا ولدي وكلابٌ تحرسه.. وجنود وأميرة قلبك نائمةٌ من يدخل حجرتها مفقود من يطلب يدها.. من يدنو من سور حديقتها مفقود من حاول فك ضفائرها.. يا ولدي.. مفقودٌ.. مفقود».

أدركت سعاد حسني صعوبة زواجها من حليم فقررت الابتعاد عنه حماية له من بطش السلطة، وقد طلب حليم من نزار حذف بعض الكلمات الصعبة التي قد تودي به وسعاد الى المجهول كجملة «فحبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصر مرصود والقصر كبير يا ولدي وكلاب تحرسه وجنود» وتم الاكتفاء بـ«فحبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصر مرصود». وتكشف سعاد حسني سر استفزاز بعض الجمهور لحليم في بداية حفله لغناء «قارئة الفنجان» إذ حضر بعض الأشخاص المأجورون للتشويش والصفير لإزعاج حليم وهو يغني القصيدة الصعبة، ما جعله ينفعل بشدة في آخر حفل له على الهواء في عيد ربيع عام 1976 بعد إطلاق هؤلاء هتافات لا تليق بجو المسرح والحفل الذي ينتظره الجمهور من العام للعام.. وقد لاقت الأغنية نجاحًا كبيرًا خاصة أن حليم أداها بأحاسيس مرهفة يقينًا منه أنها تجسد قصة حبه وسعاد حسني، وارتفع إحساسه مع المقطع الآتي:

«بصرت.. ونجمت كثيرًا لكني.. لم أقرأ أبدًا فنجانًا يشبه فنجانك لم أعرف أبدًا يا ولدي أحزانًا تشبه أحزانك مقدورك.. أن تمشي أبدًا في الحب.. على حد الخنجر وتظل وحيدًا كالأصداف وتظل حزينًا كالصفصاف مقدورك أن تمضي أبدًا في بحر الحب بغير قلوع وتحب ملايين المرات وترجع كالملك المخلوع».

لقد بدأنا بأم كلثوم وبها نختم بـ«ياليلة العيد» بمناسبة عيد الأضحي المبارك، وتعد من أجمل أغاني العيد بكلماتها العذبة التي تبث الأمل والفرحة:

«يا ليلة العيد أنستينا وجددت الأمل فينا يا ليلة العيد

هلالك هلل عينينا فرحنا له وغنينا

وقلنا السعد حا يجينا على قدومك يا ليلة العيد

جمعت الأنس ع الخلان ودار الكأس ع الندمان

وغنى الطير على الأغصان

يحيي الفجر ليلة العيد

حبيبي مركبه تجرى وروحي بالنسيم تسرى

قولوا له يا جميل بدري حرام النوم في ليلة العيد

يا نور العين يا غالى يا شاغل مهجتي وبالى

تعال اعطف على حالي وهني القلب ليلة العيد».

قبل الأخير..

وبمناسبة وقفة عرفات اليوم وعيد الأضحى غدًا..أتقدم الى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين ولشعب البحرين الوفي العزيز، والأمتين العربية والإسلامية بأرق التهاني والأماني بالخير والعزة والرفعة.

جعل الله فجر أيام العيد نورًا، وظهرها سرورًا، وعصرها استبشارًا، ومغربها وعشائها غفرانًا، وجعل لكم دعوة لا ترد، ووهبكم رزقًا لا يعد، وفتح لكم بابًا في الجنة لا يسد.. مبارك العيد وتقبل الله منا ومنكم.

 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved