كنت طفلاً مرحاً ضاحكاً الأمر الذي قربني كثيراً من والدي، فكان يحنو علي و يدللني، وقد تنبأ لي منذ ذلك الوقت بأني سوف أصبح في يوم من الأيام من كبار رجال الأعمال في البحرين، وبالطبع كان هذا الكلام من والدي يسعدني كثيراً، خصوصاً عندما أدخل يدي بعد نهاية كل يوم إلى جيبي فأجد أن رأسمالي قد ازداد بسبب توفيري للفائدة التي أجنيها من بيعي لبضاعتي.
كان ذهني مشغولاً منذ طفولتي بالبحث عن الوسائل التي تضيف المزيد من المال إلى ثروتي الصغيرة ،كنت أنجح دائماً في المدرسة بدرجة مقبول لأنني لم أكن أميل إلى الدراسة، بعكس أخي ((عبدالرحمن ))الذي كان طالباً متفوقاً و ترتيبه لا يقل عن المرتبة الثالثة في الصف.
من الحوادث الطريفة التي أذكرها أثناء الدراسة ، حادثة لي مع الأستاذ ((محمد الحبال ))مدرس الجغرافيا.
كنت قد ذهبت في ذلك اليوم إلي المدرسة ولم أكن ملماً بدرسي في هذه المادة.
و عندما سألني المدرس سؤالاً لم أعرف إجابته، أهانني بكلمات لاذعة.
ولأنني كنت معتزاً بشخصيتي منذ طفولتي شعرت بالغضب و قررت أن أنتقم منه للإهانة التي لحقت بي
أتيت بقشر من الموز في اليوم التالي، وانتظرت إلى وقت الفسحة، وعندما رأيت المدرس هابطاً درجات السلم تعمدت رمي قشر الموز على خامس درجة من أسفل السلم وداس الأستاذ ((محمد الحبال)) على القشر فتزحلق إلى نهاية الدرج و أنا أضحك عليه من مخبئي
لكنني شعرت فيما بعد بتأنيب الضمير، وذهبت إلى الأستاذ في اليوم الثالث، ولم أقل له أنني تعمدت رمي قشر الموز ،وإنما ادعيت أنه سقط مني سهواً فتزحلق هو عليه.
وضحك الأستاذ من اعترافي لأنه علم بأني تعمدت رمي قشر الموز بسبب إهانته لي حيث فضحت نفسي عندما قلت له:
"أعدك يا أستاذ أنني لن أكرر هذا العمل مرة أخرى بشرط أن لا تهينني أمام الطلاب".
وتغيرت معاملة الأستاذ الحبال لي منذ تلك الحادثة فقد أصبح عطوفاً علي ،ربما لأنه خشى من مقلب آخر قد أعده له.
وأذكر أيضاً من الحوادث التي مرت علي في طفولتي هذه الحادثة التي توضح مدى اهتمام أبي بي .
كنا قد تسببنا في تعطيل الدراسة بعض الوقت بسبب مشاجرة نشبت بيننا نحن الطلبة الأربعة، ((أحمد كانو و ابراهيم المعتز و عبدالرحمن تقي و أنا))، وطلبنا ((الأستاذ داوود)) لكي يحاسبنا علي ما فعلنا، وسألنا عن الطالب الذي تسبب في هذه المشاجرة، فقلت له بأنه عبدالرحمن تقي، لكن عبدالرحمن ادعى
أنني أنا المتسبب وشعرت بالظلم لأنني كنت صادقاً فيما ذكرت، ولم يصدقني الأستاذ بل فوجئت به يقول لي أنه سيعاقبني صباح الغد لأنني تسببت في تعطيل الدراسة علي بقية الطلبة،
وتعمدت أن أرتدي في اليوم التالي بالطو شتائي سميك حيث كان الجو بارداً حينذاك لكي لا توجعني عصا الأستاذ.
وبالفعل توالت الضربات بالعصا على فخذي و أنا لا أشعر بالألم منها، لكن أبي لم يسكت عن ظلمي، فرفع تقريراً غاضباً على ضرب إبنه إلي مدير المعارف الأستاذ فايق أدهم.
و أصبحت منذ تلك الحادثة طالباً معروفاً بين الطلبة بسبب تعاطف أبي معي ووقوفه إلى جانبي .
كانت الدراسة في تلك الفترة متواضعة، ولا يزيد عدد المواد الدراسية في المرحلة الابتدائية عن خمس مواد أدبية واجتماعية و دينية.
وكان مدرس اللغة العربية يدعي(( كمال المهزع)) و مدرس الدين كان اسمه ((عبدالعزيز بوبشيت)).
أما مدرس القرآن فقد كان يدعي الأستاذ(( داوود ))وكان يتمتع بصوت رخيم .ومدرس الجغرافيا و التاريخ كما ذكرت كان الأستاذ ((محمد الحبال)).
أما الأستاذ(( حلمي رمضان)) فقد كان مدرس اللغة الانجليزية و مدير المدرسة في الوقت نفسه.