ولم تكن ألعابنا التي كنا نقطع بها أوقات فراغنا كثيرة، فقد كانت محدودة مثل القلينة و الدوامة و لعبة كرة القدم و كرة السلة و التيلة. وأذكر تلك الحادثة التي كانت السبب في دخولي المستشفى لأول مرة لعلاج جرح في رأسي، كان السبب فيها زميل صومالي طويل القامة، قفز فجأة ليلتقط الكرة في نفس اللحظة التي قفزت فيها، فتصادم رأسينا وسالت الدماء من رأسي بسبب كبر حجم رأس الصومالي، فأسرع بي أصدقائي إلى مستشفى الإرسالية الأمريكي لعلاجي.
وبسبب لعبة كرة القدم، ضربني عمي أحمد والد زوجتي عائشة لأول مرة.
كنا قد تعودنا أن نلعب هذه اللعبة طوال فترة بعد الظهر في الساحة المجاورة لبيتنا الكبير و شاء سوء حظي أن أركل الكرة عدة مرات، و في كل مرة كانت الكرة تضرب نافذة عمي أحمد، و فوجئت به خارجاً و الغضب يتطاير من عينيه متجهاً نحوي بعد أن علم أنني صاحب هذه الضربات و أعطاني علقة ساخنة بسبب ما سببته من إزعاج لنومه.
أنتقلت في سن الثانية عشر إلى مدرسة الإرسالية الأمريكية المعروفة بإسم ((المشن))، كان مدير المدرسة في ذلك الوقت أجنبياً يدعي المستر هيكن،وكانت المدرسة تقع على أرض يملكها والدي بالقرب من بيت مصطفى عبداللطيف ،ولم تكن تلك المدرسة تزيد عن فصلين كليهما في الدور الأرضي، وكان مديرها المستر هيكن يقوم بتدريس الصف الثاني.أما الصف الأول فقد كان مدرسه أستاذ بحريني يدعي نصيف وكان للطلبة المبتدئين، لذا كنت أحد تلاميذه في السنة الأولى، ثم انتقلت في السنة الثانية إلى فصل المستر ((هيكن)).
ورغم حداثة دراستي للغة الانجليزية إلا إنني كنت أميل إليها كثيراً و آتحدث بها دون خجل أن أقع في الأخطاءاللغوية لإنني كنت مصمماً على إجادتها، وقد تمكنت من هذه اللغة فعلاً مع مرور الزمن و أصبحت أتحدث بها بطلاقة تامة.
قضيت في هذه المدرسة سنتين، كانت الحياة في تلك الفترة من عهد البحرين بسيطة الشوارع خالية إلا من بعض السيارات، و المباني لا تزيد عن دور أو دورين و المدنية لم تتغلغل في عروق المدينة مثلما نراها الآن.
و لازلت أضحك عندما أتذكر هذه الحادثة الطريفة التي وقعت لي مع صديق سوري دعوته يومياَ إلى ركوب الخيل معي.أنطلقنا معاً ولم نكن ندري أن خيولنا ستغدر بنا و ستعود وحدها، لإننا التفتنا حولنا نبحث عن الحصانين بعد أن نزلنا عن ظهريهما فلم نجدههما، فقد عادا وحدهما إلى البيت بعد أن أنشغلنا أنا و زميلي في مناقشة بيننا.
و بسبب حبي لركوب الخيل منحني والدي حصاناً جميلاً أهداه إياه المغفور له الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين في ذلك العهد، وكنت أعتز به كثيراً و أرتدي ملابس الفروسية المكونة من بتطلون و قميص لآمتطيه، وكان منظري غريباً بها بسبب عدم ارتداء العرب في الخليج هذه الملابس في تلك الأيام، وبقيت أمارس هذه الهواية مدة ثلاثين عاماً إلى جانب هوايتي الاخرى وهي لعبة التنس التي ألعبها حتى اليوم لإحافظ بها على لياقتي البدنية.
كانت المنطقة التي أمارس عليها رياضة ركوب الخيل تقع على شارع الشيخ عيسى حيث كانت خالية من العمران و لم يكن يوجد بها في تلك الفترة من تاريخ البحرين إلا القلعة القائمة حتى الآن، حيث كانت أيضاً في تلك الفترة مركزاً لقوات الشرطة، وكان يلي القلعة بيت الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين، وكان مؤلفاً من طابقين و
يسكنه صيفاً، أما بيته الرسمي فقد كان في الصخير بالمنطقة الواقعة أمام جبل الدخان. وكانت هذه الأراضي الخالية في المنامة يملكها السادة عبدالعزيز و عبدالرحمن و عبدالله و حسن القصيبي، وقد اشتراها هؤلاء من شخص يدعى محمد عبدالوهاب بمبلغ لم يتجاوز أربعين ألف روبية ، لكنهم اضطروا فيما بعد إلى بيعها لعدة مشترين بسبب انحطاط اللؤلؤ و تدهور أحوال كثير من تجاره.
وكان كبار تجار اللؤلؤ في البحرين أنذاك ، هم منصور العريض و الحاج عبدالرحمن القصيبي ويوسف كانو ووالدي خليل المؤيد وجاسم محمد الشيراوي إلى جانب آل الزياني وعائلة مطر و بوهندي و الخاطر و المسلم و االرواس و العلوي و الصائغ و غيرهم، حيث كانوا يبيعون محصول اللؤلؤ البحريني إلى تجار الهند المعروفين في مجال التعامل في تجارة اللؤلؤ، أثناء حضورهم البحرين لشرائه أثناء مواسم جمعه.
ولأضرب بعض الأمثلة حول أسعار المشتريات في تلك الفترة، لتعكس لنا ضعف الوضع الاقتصادي في الخليج . كان كيس السكر لا يزيد سعره عن (( ٦ ربيات))، و كيس الأرز الكبير (( الخيشة)) لم يكن يتجاوز سعره(( خمس روبيات))، أما رواتب الخدم فقد كانت حوالي(( نصف روبية)) في اليوم الواحد.
وكان دخل دائرة الجمارك في عهد الشيخ عيسى بن علي في اليوم الواحد ( ألف روبية) وكنت بصحبة والدي يوماً عندما شاهدت مدير الجمارك وكان هندي الجنسية و يدعى ((هريداس))، وهو يسلم حاكم البحرين مبلغ الألف روبية لينفقها الشيخ عيسى بن علي الخليفة على تصريف أمور الدولة.