دارت نظرات نورة في أنحاء بيتها الفخم .. الإحساس بالوحدة منذ أن توفى زوجها إثر نوبة قلبية مفاجئة يشعرها بالاختناق .. الهدوء والسكون حولها يولدان لديها إحساس بالخوف والرهبة من المستقبل.
كيف ستقضي ما تبقى من سنوات عمرها ؟ لقد بلغت منذ أيام الخامسة والخمسين من عمرها .. أولادها مشغولون عنها بحياتهم الخاصة.
ابنتها الكبرى هدى أصبحت مهندسة .. وتعمل مع زوجها الذي تعرفت عليه في سنوات دراستها .. وشاركته أحلامه في تأسيس مكتباً في حقل الهندسة المعمارية.. أصبح معروفاً اليوم ..لديها ولدين ويعيشان حياة زوجية سعيدة
أما ابنتها ليلى .. المعروفة منذ صغرها بطموحها .. فقد أنهت دراسة الحقوق ..وتزوجت قبل أن تؤسس مكتباً لتمارس من خلاله مهنة المحاماة ..وتحقق من خلاله أمنيتها في أن تكون محامية وتحقق به أمنيتها في أن تكون محامية ناجحة .. ووجدت نفسها بدلا من ذلك .. زوجة وسيدة منزل فقط لزوج غني من عائلة ثرية ويرفض عملها كمحامية .
هكذا تبعثرت أحلام أبنتها على عتبة عناد زوجها , وإصراره على أن لا تعمل زوجته في أي مهنة خارج بيته .. حاولت جهدها أن تناقشه ليبدل هذا التفكير الرجعي .. إلا أنه كان يرفض .. والسبب أنه لا يعترف بعمل المرأة .. ولا بأهمية أن تبني مستقبل خاص بها كإنسانه لها عقل يفكر وينتج .. يكفي في نظره أن يقوم بهذه المهمة الرجل .. وقد قام بها عماد على أفضل وجه .. فهو ثرياً أباً عن جد .. ووجد الأبواب مفتوحه أمام ذكائه وتخصصه الدراسي في إدارة الأعمال .. لكي يحصل على المزيد من الثراء والنجاح كرجل أعمال. .
لقد وفر لزوجته منزل فاخر وملابس أنيقة ومجوهرات تحسدها عليها الكثيرات .. لكنها لا تشعر بالسعادة. .
منذ عدة أشهر فوجئت نورة بابنتها ليلى وهي تبكي أمامها بحرقة .. و تحدثها عن الفراغ والملل اللذان يحيطان حياتها بسبب أنانية زوجها .. خصوصاً وإنه مشغول دائماً بعمله ورحلاته التجارية
قالت لها بنبرة يائسة تحمل الكثير من المرارة
"ماذا أفعل يا أمي بماله ومجوهراته .. وهو مشغول عنى دائماً .. أريد أن أعمل .. أتمنى أن أصبح محامية .. عقلي يكاد يتجمد .. نادراً ما أجد أحداً يقرأ حولي .. أحاديث النساء مملة وفارغة .. أريد أن أشعر بحيويتي كإنسانة تستغل عقلها وذكائها لتصبح محامية ناجحة ."
أثار حديث ليلى ذكريات نوره .. كانت تتمنى دائماً بعد أن تزوجت أن يكون لها حياة خاصة بها .. تحقق بها طموحها في إدارة الأعمال وهو مجال تخصصها .. لكنها لم تحصل على ما تريد في شبابها لعدم قبول زوجها بعمل المرأة .. كانت ضعيفة ولم تدرك في ذلك الوقت ما سينتظرها من فراغ وملل لو رحل عنها زوجها .. هي معجبة اليوم بإصرار ابنتها ليلى أن تحقق طموحها وقررت أن تساعدها بأن تتكلم مع أحمد حول هذا الموضوع .. إلا أنها أيضاً تجد نفسها مرغمة على تهدئة ابنتها حتى لا تتضرر حياتها الزوجية..
فقالت لها :
لكنك أخترت زوجك .. وعليك القبول به كما هو" "
"ولماذا أقبل به كما هو ..؟ لماذا لا يفكر في مشاعري مثلما أفكر في مشاعره ..؟ لقد أحببته يا أمي .. لكنه أناني لا يفكر إلا بنفسه ونجاحه .. أما أنا فلا شيء بالنسبة له .. لا عقل ولا طموح .. أنا زوجة فقط وأم قليل من التفاهم والاحترام لمشاعري .. وسنصبح سعداء.
ماذا يمكن لنوره أن تفعل لأبنائها ..؟
إنها لا تستطيع أن تتجاهل همومهم .. يخطأ من يعتقد أن الأم ستجد الراحة عندما يكبر أبناؤها ويستقلون بحياتهم .. إنها تجد نفسها الآن تحمل همومهم أكثر من ذي قبل .. وتحاول قدر الامكان أن تمنحهم الراحة والسعادة دون أن تتدخل في حياتهم الخاصة. ...
اتصلت نورة في اليوم التالي بأحمد وطلبت منه أن يأتي لزيارتها وعندما سألها عن سبب رغبتها في لقائه .. قالت له
"ستعلم به عندما نلتقي"
وإلى الحلقة القادمة
"ستعلم به عندما نلتقي"
وجاء أحمد .. وكان يبدو عليه الهم والقلق .. وأخبرها برغبة ليلى في العمل وممانعته خوفاً من انشغالها عن البيت وابنيهما . ...
عندئذ.. وجدت نورة الفرصة مناسبة لتخبره عن طباع ابنتها .. وطموحها وأحلامها منذ كانت في المرحلة الثانوية في أن تصبح محامية معروفة وواصلت حديثها معه قائلة
"أعلم أنك لن تعيش سعيداً مع ليلى إذا لم تسمح لها بالعمل كمحامية .. كانت هنا بالأمس .. وبكت أمامي بحرقة .. هي تعتقد أن من حقها عليك أن تراعي شعورها .. وتدعها تعمل في المهنة التي أحبتها وتخصصت فيها مادامت لن تهمل بيتها وأولادها .. سعاد عنيدة يا أحمد .. ولا تهمها مظاهر الرفاهية .. يهمها أن تشعر بالإشباع النفسي وأن تحقق رغبتها في أن تكون محامية."
وحمدت الله عندما أبدى تجاوباً لكلامها قائلاً
"أنا أعيش في جحيم يا أمي منذ فترة طويلة .. وبدأ ذلك النقاش الحاد بيننا ينخر في علاقتنا .. ويضايق أبنائنا .. أظن أن من الأفضل أن أقبل بالواقع .. لكني لا أريدها أن تنشغل بالعمل عن البيت والأبناء"
قالت نورة
"دعها تعمل حالياً لدى وزارة العدل .. وعندما يكبر أبنائها تستطيع أن تؤسس المكتب الذي طالما حلمت به" .
إلى الحلقة القادمة