وجاء أحمد .. في اليوم التالي وكان يبدو عليه الهم والقلق .. وأخبرها برغبة ليلى في العمل كمحامية وممانعته لها ...
خوفاً من أن تهمل بعملها بيتها وأولادها.
عندئذ.. وجدت نورة الفرصة مناسبة لتخبره عن شخصية ابنتها ليلى الطموحة وأحلامها منذ كانت في المرحلة الثانوية في أن تصبح محامية معروفة ،وواصلت حديثها معه قائلة:
"أعلم أنك لن تعيش سعيداً مع ليلى إذا لم تسمح لها بالعمل كمحامية .. كانت هنا بالأمس .. وبكت أمامي بحرقة .. هي تعتقد أن من حقها عليك أن تراعي شعورها .. وتدعها تعمل في المهنة التي أحبتها وتخصصت فيها مادامت لن تهمل بيتها وأولادها .. ليلى عنيدة يا أحمد ومثقفة وطموحة .. لا تهمها مظاهر الرفاهية . يهمها أن تكون محامية ناجحة.. وأنا واثقة أنها لن تهمل دورها كأم وزوجة" ..
وحمدت الله عندما أبدى تجاوباً لكلامها قائلاً :
"أنا أعيش في جحيم يا أمي منذ فترة طويلة .. وبدأ ذلك النقاش الحاد بيننا ينخر في علاقتنا الزوجية .. ويضايق أبناؤنا .. أظن أن من الأفضل أن أقبل برغبتها وأتمنى أن لا تنشغل بعملها عن أولادها وبيتها"
قالت نورة :
"دعها تعمل حالياً لدى وزارة العدل .. وعندما يكبر أبنائها تستطيع أن تؤسس المكتب الذي طالما حلمت به"
نهض أحمد .. وقبل رأس حماته .. كم هو معجب بشخصيتها الحنونة الرزينة .. تمنى لو أن ليلى أخذت عنها بعض هدوئها وقدرتها على أن تعبر عن أفكارها دون انفعال ..
وبدأت ليلى عملها منذ شهرين في وزارة العدل كمحامية .. كانت
سعيدة ومليئة بالحيوية .. عندما زارتها مع زوجها في الاجتماع العائلي
الأسبوعي .. وبدأ الارتياح واضحاً على ملامح أحمد
وقالت لها ابنتها فيما بعد وهي تشرب معها الشاي في حديقة بيتها الواسعة :
"أعلم أنه سيتغير يا أمي مع الوقت .. وسأحقق أحلامي عندما يكبر أبنائي" .
وصلت نورة في تلك الليلة شاكرة ربها على أن سعيها قد تحقق وعادت السعادة ترفرف على حياة ابنتها ليلى من جديد
جلست نورة على الكرسي الرمادي المريح الذي اعتادت الاستلقاء عليه في غرفة نومها الفاخرة المطلة على حديقة البيت الواسعة .. ونظرت إلى السماء من النافذة .. ورحلت بأفكارها إلى الماضي .
لقد رحل محمود إلى الأبد في يوم مأسوي مظلم .. لم يستطع قلبه المرهق أن يتحمل أزمة قلبية حادة .. راودته من قبل ثلاث مرات .. طلب منه الطبيب أن لا يرهق نفسه في العمل ,, لكنه لم يأبه بنصائحه .. وواصل نشاطه التجاري المكثف ..
لقد أتعبها طموحه وحرمها منه .. حتى أولاده لم يتمتعوا بتواجده بينهم .. يشاركهم أحاديثهم واهتماماتهم .. كان عذره دائماً أنه مشغول بعمله ورحلاته التجارية .. كان يوعدها أنه سيرتاح عندما يحقق أحلامه ويصبح ثرياً ..وكانت هي تأمل ان يصل هذا اليوم , لكي تسعد بأيامها الباقية معه بعد أن يكبر أبنائها لكن الموت خطفه في لمحة عين بين أحضانها .. لا زالت تذكر ذلك اليوم الأسود عندما جاء مرهقاً من العمل .. وقال لها أنه يشعر بالتعب والانهاك .. ودخل غرفته لينام مبكراً .. وفي منتصف الليل نهض وهو يلهث والعرق يتصبب من جبينه .. كان يشعر بألم في صدره ر وكان يريد أن يتنفس .. لكن الهواء كان شحيحاً .. وعندما أسرعت هي إلى الهاتف لتطلب سيارة الاسعاف .. كان هو يلفظ أنفاسه الأخيرة .
رحل عنها وهي في أمس الحاجة إليه
لقد أصبحت اليوم امرأة ثرية وحيدة .. بعد أن تزوج أبنائها الثلاثة ..هدى وليلى ومحمد الواحد وراء الآخر في ثلاث سنوات.. بعد رحيل والدهم .. تذكر أن أهم ما لفت أنتباهها إلى زوجها محمود .. وسامته وطموحه عندما جاء يخطبها , كانت سعيدة لأنها ستكون زوجة لهذا الرجل ... وكان من الممكن أن تكون حياتهم كاملة لولا انشغاله الدائم بعمله كرجل أعمال .. لو أنه سمح لها بالعمل معه أو في أي شركة أخرى .. أغلب الرجال أنانيون لا يفكرون أن من حق الزوجة أن تشبع
طموحها مثل الرجل .. كان محمود من هذا النوع من الرجال .. ولم تكن هي قوية بشكل كاف يجعلها تثور على وضعها .. وأكتفت بدور الزوجة والام فترة زواجها .. وبحياة كان زوجها محورها .. حفلاته وسفراته ونجاحاته في أعماله التجارية وتربية أبنائها .. ولا أحدمن حولها كان يهتم بما تريد أن تحققه من عمل يمنحها الاشباع النفسي ..
في البداية . وقفت الى جانبه ليحقق أحلامه .. لكنه أستغرق في طموحه ونسى حقوقها كزوجة عليه.
حتى استنفذت كل قدرتها على التحمل والصبر وبدأت تتعب , حاولت تغييره .. لكنه يأبى أن يتغير.. ابتعد عنها وعن أبنائها بسبب هذا الطموح ..كان ..
عليه أن يعطي لكل جانب من حياته حقه .. حتى يسعدان كزوجين.. ويقوم بواجبه كأب نحو أبنائه ..كانت نورة تقوم بهذا الدور كله ولم يهتم قط في الاقتراب منهم وتحسس مشاعرهم أو مشاكلهم أو مشاركتهم هواياتهم .. ترك هذه المسؤولية على عاتقها .. حتى أصبحت قريبة منهم بحكم تواجدها الدائم معهم وكان هو بعيد جداً عنهم بسبب انشغاله المتواصل بعمله .. كان همه في الحياة أن يصبح ثرياً . ثم يتفرغ بعد ذلك للراحة والتمتع بحياته الزوجية وأبنائه .. وكأن الزمن سيتوقف حتى ينتهي من تحقيق أحلامه .. لكن العمر كان يمضي .. وكان يسحب معه رحيق صحته ..التي بدأت تتدهور بسبب إرهاق العمل .. حتى سقط يوماً بسبب نوبة قلبية .. ورحل عنها في ذلك اليوم المشؤم تاركاً وراءه المال والزوجة والأبناء .. وبقيت هي وحيدة تجتر أيامها المملة وحدها .. حتى شهادتها في إدارة الأعمال التي حصلت عليها عندما أرسلها والدها إلى إنجلترا للدراسة بسبب إيمانه بضرورة تعليم المرأة مثلما فعل القليلون من لآباء في ذلك الوقت لم تستخدمها أبداً لأن زوجها كان يؤمن بضرورة تفرغ الزوجة لبيتها