كانت شوارع البحرين هادئة في تلك الأيام إذ لم يكن يسير عليها إلا سبع سيارات كان المغفور الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين يملك الأولى منها، أما الثانية فكان يملكها والدي خليل المؤيد بن ابراهيم الذي أصبح إسمه فيما بعد خليل إبراهيم المؤيد، و الثالثة كانت في حوزة الشيخ عبدالرحمن الزياني ، و الرابعة كان يملكها شخص يدعي محمد علي زينل، أما الخامسة فقد اشتراها الخال يوسف كانو، و السادسة كانت للمرحوم خليل إبراهيم كانو، وبعد ذلك بسنتين اشترى تاجر اللؤلؤ المعروف أنذاك يوسف عبدالله محمود السيارة السابعة.
وأذكر هذه الحادثة النادرة في ذلك الوقت بسبب قلة عدد السيارات.
كان والدي رحمه الله يعتز بسيارته كثيراً وقد قرر في ذلك الصباح أن يخرج بها من كراجه وصادف خروجه اعتزام يوسف عبدالله محمود الخروج هو الآخر بسيارته من كراجه المواجه لكراج والدي ،فاصطدمت السيارتان وشب شجار بينهما بسبب ندرة السيارات واعتزاز كل منهما بسيارته .
وأنهاه والدي رحمه الله بقوله " لم تختر من بين كل الأوقات إلا هذا الوقت لإخراج سيارتك".
كنت قد بلغت التاسعة عشرة من عمري عندما تركت المدرسة و قررت أن
أمارس مهنة التجارة ورغم أني لم أكن أميل إلى تجارة الؤلؤ لأنني كنت أعتقد أنها لن تحقق لي النجاح و الثراء الذي أتطلع إليه في عالم التجارة، إلا إنني مارستها لمدة ثلاث سنوات تعلمت خلالها أوزان اللؤلؤالبحريني و أصنافه المتنوعة، وقمت برحلات بحرية مع والدي كانت تسمى (( الطواشة)) وهى رحلات لا تزيد في مدتها عن أسبوعين أو ثلاثة يقضيها التاجر في شراء اللؤلؤ من تجاره أثناء عملية جلبه من أعماق البحار بواسطة رجال الغوص.
وكان والدي قد رأي مع شقيقه عمي أحمد بعد وفاة والدهما إبراهيم عام ١٩٢٨م أن تظل تجارة الأخشاب محصورة بينهما، وقد تطلب ذلك بالطبع أن يستدخلا ثمن الأخشاب من أخوتهم الورثة بمبلغ قدره ٢٤٠٠٠ روبية. أربع و عشرون ألف روبية ..وكان ذلك السعرمتناسباً في ذلك الوقت مع أسعار السوق، وأصبحت بذلك تجارة الأخشاب مقسمه كالآتي. ثلثان للوالد خليل، وثلث للعم أحمد.
ثم وهب والدي الثلثين لإخي عبدالرحمن ولي،ووهب عمي أحمد نصيب الثلث المخصص له إلى ولده مؤيد.
وبقى الوضع كما هو حتى عام ١٩٤٨م عندما رغب إبن عمي مؤيد أحمد في الإنفصال عن تجارة الأخشاب، ليبدأ تجارة الأدوات المكتبية و القرطاسية، إلى جانب شرائه لمطبعة حملت إسمه فترة من الزمن ،ثم باعها للسيد عيسى الزيرة لتصبح معروفة اليوم تحت إسم المطبعة الشرقية.. وواصلنا أنا وأخي عبدالرحمن عملنا في تجارة الأخشاب حسب رغبة والدنا خليل وكما أعتقد فإن والدي خليل
كان حكيماً عندما جعل التجارة حصراً على أبنائه الذكور، لإنه اشترط عليهم مقابل ذلك أن يقوموا من خلال عملهم في تجارة الأخشاب بالإنفاق على العائلة التي كانت تضم أسر الأخوان الثلاثة خليل وأحمد ومحمد و زوجاتهم وأبنائهم.
،رغم أني كنت شريكاً مع أخي عبدالرحمن في تجارة الأخشاب إلا إني لم آشترك في إدارتها لإني اخترت متابعة مصالح والدي خليل في تجارة اللؤلؤ ،وبعد عدة سنوات انفصلت عن والدي وبدأت أمارس تجارة خاصة بي برأسمال كنت قد جمعته بنفسي و تطورت تجارتي بمرور السنوات إلى أن أصبحت اليوم معروفة بإسم (( مؤسسة يوسف خليل المؤيد و أولاده)).