بيع اللؤلؤ في الهند
في عام١٩٣٨ أقترح علي والدي أن أذهب إلى مدينة بومباي برفقة أخي عبدالرحمن لنقوم ببيع كمية من اللؤلؤ بلغت قيمتها ٤٠،٠٠٠ روبية أربعون ألف روبية وأوصانا أن نسير على الطريق المستقيم مثلما ينصح الآباء أبناءهم في مرحلة شبابهم.
وصلنا إلى بومباي وأقمنا في فندق يسمى (( أورينت)) بسوق كرفورد، وكنا قد اخترنا هذه المنطقة لإنها كانت مركز تجارة اللؤلؤ في بومباي وللأسف كانت هذه التجارة كاسدة في تلك الفترة حتى أننا وجدنا مصاعب كثيرة في بيع ما أرسله معنا والدي على مروجي تجارة اللؤلؤ في هذه المدينة، وبعد أن عرض علينا عدد منهم عدة مبالغ لم نقبل بها، تمكنا من بيع ما لدينا من لؤلؤ على أحد التجار بمبلغ ٤٤،٠٠٠ روبية (( أربعة و أربعين ألف روبية )) وفي أثناء تلك الرحلة حدث لنا موقف سأذكره هنا ليعلم من خلاله أبنائي وقراء كتابي كيف يضحي المرء أحياناً برغباته الخاصة في سبيل مصلحته العامة.
أتفقنا أنا وأخي عبدالرحمن أن نزور فندق تاج محل)في آبولوبندر ببومباي .كان هذه الفندق ولا يزال من أفخم الفنادق في الهند.
دخلنا قاعة الفندق بلباسنا العربي لنسأل موظف الاستقبال عن إجرة السكن في
هذا الأوتيل، فقال لنا أنها لا تتجاوز ٣٠ روبية"الروبية مائة فلس "في اليوم وذهب معنا أحد الخدم لنرى معه الغرف، وبالطبع لم نكن نهدف من سؤالنا السكن في هذا الفندق الفخم لإنه كان في ذلك الوقت يتجاوز مقدرتنا المادية، وأنما كان هدفنا حضور حفلة موسيقية كانت مقامة في قاعة الطعام بالفندق. وعندما سألنا موظف الإستقبال:
"كيف يمكننا حضور هذه الحفلة؟"
قال لنا إننا يجب أن نلبس بدلة سوداء سموكنج ،ووقعنا أنا و أخي في حيرة كيف ندخل الحفلة ولا توجد لدينا هذه البدلة .كان شوقي لحضور هذه الحفلة التي لم أشاهد مثلها في البحرين ، يفوق أخي عبدالرحمن لإنني كنت أميل إلى المرح و الحفلات ،إلا أن ذلك كان يتطلب منا شراء بدلتين ثمن كل واحدة منها٥٠ روبيةبينما تصل قيمة البدلة العادية في ذلك الوقت إلى ٢٠ روبية إلى٢٥ روبية لذلك تراجعنا عن رغبتنا لإننا وجدنا عدم ضرورة شراء بدلتين بهذا الثمن المرتفع خصوصاً أننا لن نرتديها إلا لفترة قصيرة.
وأعتقد الآن أن قرارنا ذالك كان بحاجة إلى إرادةة قوية منا، خصوصاً لإننا كنا شباباً إلا أننا كنا نؤمن أن التدرج في الحياة هو أفضل وسيلة إلى التقدم و النجاح، وأن مصلحتنا العامة تتطلب عدم تحقيقنا لرغبة شخصية عابرة.
عدنا من رحلتنا إلى بومباي واستقبلنا والدي بشوق، وشكرنا على تصريف اللؤلؤوعاد أخي عبدالرحمن إلى مزاولة عمله في عمارة الأخشاب ، وعدت أنا إلى ممارسة بيع اللؤلؤ، وقضيت في هذا العمل سنة كاملة، وفي نهايتها طلب مني والدي أن أذهب إلى بومباي مرة أخرى لبيع اللؤلؤ بسبب ازدهار تجارته في تلك السنة، وكنت أحمل هذه المرة لؤلؤاً قيمته ١٠٠ ألف روبية ((مائة ألف روبية)).
رحلت في سفينة كانت تسمى "دواركا "بعد أن اشتريت تذكرة في الدرجة الثانية. وكانت رحلة مريحة التقيت خلالها بإشخاص عديدين انتقل بعضهم إلى العالم الآخر، مثل السيد عيسى بن هندي و السيد جاسم الشكر و السيد أحمد العلوي.
وصلت إلى بومباي بعد سفر استغرق ١١ يوماً على الباخرة .كنت قد أخبرت دلالي اللؤلؤ بموعد وصولي من قبل بسبب معرفتي بازدهار هذه التجارة، لذا استقبلني عدد كبير منهم في الميناء.ورغم أني كنت في الثانية و العشرين من عمري، إلا إني كنت محنكاً في إدارة صفقاتي التجارية، لذلك لم أقم ببيع ما لدى من اللؤلؤ مباشرة على هؤلاء التجار، وإنما طلبت منهم لقائي
بعد أن أعرض ما لدى على عدد من الدلالين لمعرفة سعره في السوق.
وكان شخص يدعي جعفر عبدالرحيم ،( عم أحمد حسن درويش والد التاجر البحريني حسن أحمد درويش). قد استقبلني في هذه الرحلة وألح علي مع محمود عباس وابن أخيه الحاج ابراهيم رحمهما الله أن أسكن معهما في مقبر إقامتهما، ولن أنسى أبداً حسن معاملتهما التي أحاطوني بها، كما أذكر أيضاً أنني التقيت في نفس الرحلة بالشيخ مصطفى عبداللطيف الذي أقام وليمة للشيخ حمد بن عيسى الخليفةحاكم البحرين، لأنه كان يقوم بزيارةإلى بومباي في تلك الفترة ، ودعاني لحضور وليمته، لكن الإختلاف بين معاملة هذا الشخص وذاك أن الثاني دعاني إلى وليمته لغرض تجاري ، يتلخص في أن لا أبيع لغيره اللؤلؤ الذي معي فيربح من ورائي، بينما أكرمني جعفر بن عبدالرحيم دون أن يكون له معي مصلحة تجارية، والتقطت لنا صورة مع المرحوم الشيخ حمد بن عيسى الخليفة، و عدد كبير من أهل البحرين الزائرين لبومباي في عام (١٩٣٩م).