آخبار عاجل

وبدأت بعد الخمسين.. بقلم سلوى المؤيد

17 - 11 - 2019 12:55 4684

دارت نظرات نورة في أنحاء بيتها الفخم .. الإحساس بالوحدة منذ أن توفى زوجها إثر نوبة قلبية مفاجئة يشعرها بالاختناق .. الهدوء والسكون حولها يولدان لديها إحساس بالخوف والرهبة من المستقبل.

كيف ستقضي ما تبقى من سنوات عمرها ؟ لقد بلغت منذ أيام الخامسة والخمسين من عمرها .. أولادها مشغولون عنها بحياتهم الخاصة.

ابنتها الكبرى هدى أصبحت مهندسة .. وتعمل مع زوجها الذي تعرفت عليه في سنوات دراستها .. وشاركته أحلامه في تأسيس مكتباً في حقل الهندسة المعمارية.. أصبح معروفاً اليوم ..لديها ولدين ويعيشان حياة زوجية سعيدة

أما ابنتها ليلى .. المعروفة منذ صغرها بطموحها .. فقد أنهت دراسة الحقوق ..وتزوجت قبل أن تؤسس مكتباً لتمارس من خلاله مهنة المحاماة ..وتحقق من خلاله أمنيتها في أن تكون محامية وتحقق به أمنيتها في أن تكون محامية ناجحة .. ووجدت نفسها بدلا من ذلك .. زوجة وسيدة منزل فقط لزوج غني من عائلة ثرية ويرفض عملها كمحامية .

هكذا تبعثرت أحلام أبنتها على عتبة عناد زوجها , وإصراره على أن لا تعمل زوجته في أي مهنة خارج بيته .. حاولت جهدها أن تناقشه ليبدل هذا التفكير الرجعي .. إلا أنه كان يرفض .. والسبب أنه لا يعترف بعمل المرأة .. ولا بأهمية أن تبني مستقبل خاص بها كإنسانه لها عقل يفكر وينتج .. يكفي في نظره أن يقوم بهذه المهمة الرجل .. وقد قام بها عماد على أفضل وجه .. فهو ثرياً أباً عن جد .. ووجد الأبواب مفتوحه أمام ذكائه وتخصصه الدراسي في إدارة الأعمال .. لكي يحصل على المزيد من الثراء والنجاح كرجل أعمال. .

لقد وفر لزوجته منزل فاخر وملابس أنيقة ومجوهرات تحسدها عليها الكثيرات .. لكنها لا تشعر بالسعادة. .

منذ عدة أشهر فوجئت نورة بابنتها ليلى وهي تبكي أمامها بحرقة .. و تحدثها عن الفراغ والملل اللذان يحيطان حياتها بسبب أنانية زوجها .. خصوصاً وإنه مشغول دائماً بعمله ورحلاته التجارية

قالت لها بنبرة يائسة تحمل الكثير من المرارة

"ماذا أفعل يا أمي بماله ومجوهراته .. وهو مشغول عنى دائماً .. أريد أن أعمل .. أتمنى أن أصبح محامية .. عقلي يكاد يتجمد .. نادراً ما أجد أحداً يقرأ حولي .. أحاديث النساء مملة وفارغة .. أريد أن أشعر بحيويتي كإنسانة تستغل عقلها وذكائها لتصبح محامية ناجحة ."

أثار حديث ليلى ذكريات نوره .. كانت تتمنى دائماً بعد أن تزوجت أن يكون لها حياة خاصة بها .. تحقق بها طموحها في إدارة الأعمال وهو مجال تخصصها .. لكنها لم تحصل على ما تريد في شبابها لعدم قبول زوجها بعمل المرأة .. كانت ضعيفة ولم تدرك في ذلك الوقت ما سينتظرها من فراغ وملل لو رحل عنها زوجها .. هي معجبة اليوم بإصرار ابنتها ليلى أن تحقق طموحها وقررت أن تساعدها بأن تتكلم مع أحمد حول هذا الموضوع .. إلا أنها أيضاً تجد نفسها مرغمة على تهدئة ابنتها حتى لا تتضرر حياتها الزوجية..

فقالت لها :

لكنك أخترت زوجك .. وعليك القبول به كما هو" "

"ولماذا أقبل به كما هو ..؟ لماذا لا يفكر في مشاعري مثلما أفكر في مشاعره ..؟ لقد أحببته يا أمي .. لكنه أناني لا يفكر إلا بنفسه ونجاحه .. أما أنا فلا شيء بالنسبة له .. لا عقل ولا طموح .. أنا زوجة فقط وأم قليل من التفاهم والاحترام لمشاعري .. وسنصبح سعداء.

ماذا يمكن لنوره أن تفعل لأبنائها ..؟

إنها لا تستطيع أن تتجاهل همومهم .. يخطأ من يعتقد أن الأم ستجد الراحة عندما يكبر أبناؤها ويستقلون بحياتهم .. إنها تجد نفسها الآن تحمل همومهم أكثر من ذي قبل .. وتحاول قدر الامكان أن تمنحهم الراحة والسعادة دون أن تتدخل في حياتهم الخاصة. ...

اتصلت نورة في اليوم التالي بأحمد وطلبت منه أن يأتي لزيارتها وعندما سألها عن سبب رغبتها في لقائه .. قالت له

"ستعلم به عندما نلتقي"

"ستعلم به عندما نلتقي"

وجاء أحمد .. وكان يبدو عليه الهم والقلق .. وأخبرها برغبة ليلى في العمل وممانعته خوفاً من انشغالها عن البيت وابنيهما . ...

عندئذ.. وجدت نورة الفرصة مناسبة لتخبره عن طباع ابنتها .. وطموحها وأحلامها منذ كانت في المرحلة الثانوية في أن تصبح محامية معروفة وواصلت حديثها معه قائلة

"أعلم أنك لن تعيش سعيداً مع ليلى إذا لم تسمح لها بالعمل كمحامية .. كانت هنا بالأمس .. وبكت أمامي بحرقة .. هي تعتقد أن من حقها عليك أن تراعي شعورها .. وتدعها تعمل في المهنة التي أحبتها وتخصصت فيها مادامت لن تهمل بيتها وأولادها .. سعاد عنيدة يا أحمد .. ولا تهمها مظاهر الرفاهية .. يهمها أن تشعر بالإشباع النفسي وأن تحقق رغبتها في أن تكون محامية."

وحمدت الله عندما أبدى تجاوباً لكلامها قائلاً

"أنا أعيش في جحيم يا أمي منذ فترة طويلة .. وبدأ ذلك النقاش الحاد بيننا ينخر في علاقتنا .. ويضايق أبنائنا .. أظن أن من الأفضل أن أقبل بالواقع .. لكني لا أريدها أن تنشغل بالعمل عن البيت والأبناء"

قالت نورة

"دعها تعمل حالياً لدى وزارة العدل .. وعندما يكبر أبنائها تستطيع أن تؤسس المكتب الذي طالما حلمت به" .

وجاء أحمد .. في اليوم التالي وكان يبدو عليه الهم والقلق .. وأخبرها برغبة ليلى في العمل كمحامية وممانعته لها ...

خوفاً من أن تهمل بعملها بيتها وأولادها.

عندئذ.. وجدت نورة الفرصة مناسبة لتخبره عن شخصية ابنتها ليلى الطموحة وأحلامها منذ كانت في المرحلة الثانوية في أن تصبح محامية معروفة ،وواصلت حديثها معه قائلة:

"أعلم أنك لن تعيش سعيداً مع ليلى إذا لم تسمح لها بالعمل كمحامية .. كانت هنا بالأمس .. وبكت أمامي بحرقة .. هي تعتقد أن من حقها عليك أن تراعي شعورها .. وتدعها تعمل في المهنة التي أحبتها وتخصصت فيها مادامت لن تهمل بيتها وأولادها .. ليلى عنيدة يا أحمد ومثقفة وطموحة .. لا تهمها مظاهر الرفاهية . يهمها أن تكون محامية ناجحة.. وأنا واثقة أنها لن تهمل دورها كأم وزوجة" ..

وحمدت الله عندما أبدى تجاوباً لكلامها قائلاً :

"أنا أعيش في جحيم يا أمي منذ فترة طويلة .. وبدأ ذلك النقاش الحاد بيننا ينخر في علاقتنا الزوجية .. ويضايق أبناؤنا .. أظن أن من الأفضل أن أقبل برغبتها وأتمنى أن لا تنشغل بعملها عن أولادها وبيتها"

قالت نورة :

"دعها تعمل حالياً لدى وزارة العدل .. وعندما يكبر أبنائها تستطيع أن تؤسس المكتب الذي طالما حلمت به"

نهض أحمد .. وقبل رأس حماته .. كم هو معجب بشخصيتها الحنونة الرزينة .. تمنى لو أن ليلى أخذت عنها بعض هدوئها وقدرتها على أن تعبر عن أفكارها دون انفعال ..

وبدأت ليلى عملها منذ شهرين في وزارة العدل كمحامية .. كانت

سعيدة ومليئة بالحيوية .. عندما زارتها مع زوجها في الاجتماع العائلي

الأسبوعي .. وبدأ الارتياح واضحاً على ملامح أحمد

وقالت لها ابنتها فيما بعد وهي تشرب معها الشاي في حديقة بيتها الواسعة :

"أعلم أنه سيتغير يا أمي مع الوقت .. وسأحقق أحلامي عندما يكبر أبنائي" .

وصلت نورة في تلك الليلة شاكرة ربها على أن سعيها قد تحقق وعادت السعادة ترفرف على حياة ابنتها ليلى من جديد

جلست نورة على الكرسي الرمادي المريح الذي اعتادت الاستلقاء عليه في غرفة نومها الفاخرة المطلة على حديقة البيت الواسعة .. ونظرت إلى السماء من النافذة .. ورحلت بأفكارها إلى الماضي .

لقد رحل محمود إلى الأبد في يوم مأسوي مظلم .. لم يستطع قلبه المرهق أن يتحمل أزمة قلبية حادة .. راودته من قبل ثلاث مرات .. طلب منه الطبيب أن لا يرهق نفسه في العمل ,, لكنه لم يأبه بنصائحه .. وواصل نشاطه التجاري المكثف ..

لقد أتعبها طموحه وحرمها منه .. حتى أولاده لم يتمتعوا بتواجده بينهم .. يشاركهم أحاديثهم واهتماماتهم .. كان عذره دائماً أنه مشغول بعمله ورحلاته التجارية .. كان يوعدها أنه سيرتاح عندما يحقق أحلامه ويصبح ثرياً ..وكانت هي تأمل ان يصل هذا اليوم , لكي تسعد بأيامها الباقية معه بعد أن يكبر أبنائها لكن الموت خطفه في لمحة عين بين أحضانها .. لا زالت تذكر ذلك اليوم الأسود عندما جاء مرهقاً من العمل .. وقال لها أنه يشعر بالتعب والانهاك .. ودخل غرفته لينام مبكراً .. وفي منتصف الليل نهض وهو يلهث والعرق يتصبب من جبينه .. كان يشعر بألم في صدره ر وكان يريد أن يتنفس .. لكن الهواء كان شحيحاً .. وعندما أسرعت هي إلى الهاتف لتطلب سيارة الاسعاف .. كان هو يلفظ أنفاسه الأخيرة .

رحل عنها وهي في أمس الحاجة إليه

لقد أصبحت اليوم امرأة ثرية وحيدة .. بعد أن تزوج أبنائها الثلاثة ..هدى وليلى ومحمد الواحد وراء الآخر في ثلاث سنوات.. بعد رحيل والدهم .. تذكر أن أهم ما لفت أنتباهها إلى زوجها محمود .. وسامته وطموحه عندما جاء يخطبها , كانت سعيدة لأنها ستكون زوجة لهذا الرجل ... وكان من الممكن أن تكون حياتهم كاملة لولا انشغاله الدائم بعمله كرجل أعمال .. لو أنه سمح لها بالعمل معه أو في أي شركة أخرى .. أغلب الرجال أنانيون لا يفكرون أن من حق الزوجة أن تشبع

طموحها مثل الرجل .. كان محمود من هذا النوع من الرجال .. ولم تكن هي قوية بشكل كاف يجعلها تثور على وضعها .. وأكتفت بدور الزوجة والام فترة زواجها .. وبحياة كان زوجها محورها .. حفلاته وسفراته ونجاحاته في أعماله التجارية وتربية أبنائها .. ولا أحدمن حولها كان يهتم بما تريد أن تحققه من عمل يمنحها الاشباع النفسي ..

في البداية . وقفت الى جانبه ليحقق أحلامه .. لكنه أستغرق في طموحه ونسى حقوقها كزوجة عليه.

حتى استنفذت كل قدرتها على التحمل والصبر وبدأت تتعب , حاولت تغييره .. لكنه يأبى أن يتغير.. ابتعد عنها وعن أبنائها بسبب هذا الطموح ..كان ..

عليه أن يعطي لكل جانب من حياته حقه .. حتى يسعدان كزوجين.. ويقوم بواجبه كأب نحو أبنائه ..كانت نورة تقوم بهذا الدور كله ولم يهتم قط في الاقتراب منهم وتحسس مشاعرهم أو مشاكلهم أو مشاركتهم هواياتهم .. ترك هذه المسؤولية على عاتقها .. حتى أصبحت قريبة منهم بحكم تواجدها الدائم معهم وكان هو بعيد جداً عنهم بسبب انشغاله المتواصل بعمله .. كان همه في الحياة أن يصبح ثرياً . ثم يتفرغ بعد ذلك للراحة والتمتع بحياته الزوجية وأبنائه .. وكأن الزمن سيتوقف حتى ينتهي من تحقيق أحلامه .. لكن العمر كان يمضي .. وكان يسحب معه رحيق صحته ..التي بدأت تتدهور بسبب إرهاق العمل .. حتى سقط يوماً بسبب نوبة قلبية .. ورحل عنها في ذلك اليوم المشؤم تاركاً وراءه المال والزوجة والأبناء .. وبقيت هي وحيدة تجتر أيامها المملة وحدها .. حتى شهادتها في إدارة الأعمال التي حصلت عليها عندما أرسلها والدها إلى إنجلترا للدراسة بسبب إيمانه بضرورة تعليم المرأة مثلما فعل القليلون من لآباء في ذلك الوقت لم تستخدمها أبداً لأن زوجها كان يؤمن بضرورة تفرغ الزوجة لبيتها

لقد أصبحت نوره اليوم امرأة ثرية وحيدة .. بعد أن تزوج أبنائها الثلاثة ..هدى وليلى ومحمد الواحد وراء الآخر في ثلاث سنوات.. بعد رحيل والدهم .. تذكر أن أهم ما لفت أنتباهها إلى زوجها محمود عندما قابلته وأحبته .. وسامته وطموحه , كانت سعيدة لأنها ستكون زوجة لهذا الرجل ... وكان من الممكن أن تكون حياتهم كاملة لولا انشغاله الدائم بعمله كرجل أعمال .. لو أنه سمح لها بالعمل معه أو في أي شركة أخرى .. أغلب الرجال أنانيون لا يفكرون أن من حق الزوجة أن تشبع طموحها مثل الرجل .. كان محمود من هذا النوع من الرجال .. ولم تكن هي قوية بشكل كاف يجعلها تثور على وضعها .. وأكتفت بدور الزوجة والام فترة زواجها .. وبحياة كان زوجها محورها .. حفلاته وسفراته ونجاحاته في أعماله التجارية وتربية أبنائها .. ولا أحدمن حولها كان يهتم بما تريد أن تحققه من عمل يمنحها الاشباع النفسي ..

في البداية . وقفت الى جانبه ليحقق أحلامه .. لكنه أستغرق في طموحه ونسى حقوقها كزوجة عليه.

حتى استنفذت كل قدرتها على التحمل والصبر وبدأت تتعب , حاولت تغييره .. لكنه يأبى أن يتغير.. ابتعد عنها وعن أبنائها بسبب هذا الطموح ..كان ..

عليه أن يعطي لكل جانب من حياته حقه .. حتى يسعدان كزوجين.. ويقوم بواجبه كأب نحو أبنائه ..كانت نورة تقوم بهذا الدور كله ولم يهتم قط في الاقتراب منهم وتحسس مشاعرهم أو مشاكلهم أو مشاركتهم هواياتهم .. ترك هذه المسؤولية على عاتقها .. حتى أصبحت قريبة منهم بحكم تواجدها الدائم معهم وكان هو بعيد جداً عنهم بسبب انشغاله المتواصل بعمله .. كان همه في الحياة أن يصبح ثرياً . ثم يتفرغ بعد ذلك للراحة والتمتع بحياته الزوجية وأبنائه .. وكأن الزمن سيتوقف حتى ينتهي من تحقيق أحلامه .. لكن العمر كان يمضي .. وكان يسحب معه رحيق صحته ..التي بدأت تتدهور بسبب إرهاق العمل .. حتى سقط يوماً بسبب نوبة قلبية .. ورحل عنها في ذلك اليوم المشؤم تاركاً وراءه المال والزوجة والأبناء .. وبقيت هي وحيدة تجتر أيامها المملة وحدها .. حتى شهادتها في إدارة الأعمال التي حصلت عليها عندما أرسلها والدها إلى إنجلترا للدراسة بسبب إيمانه بضرورة تعليم

المرأة مثلما فعل القليلون من لآباء في ذلك الوقت لم تستخدمها أبداً لأن زوجها كان يؤمن بضرورة تفرغ الزوجة لبيتها

حاولت أن تطرد ذكريات الماضي .. حدثت نفسها أن الماضي قد رحل .. ورحل معه محمود .. فما فائدة التفكير به .. ها هي الآن امرأة ثرية .. وحيدة .. بلا عمل يشغل تفكيرها .. بعد أن بلغت الخامسة والخمسين منذ أيام .. ماذا يمكنها أن تفعل في هذه السن المتقدمة بشهادة مضى عليها أكثر من ربع قرن ؟

والتفتت نورة ليطالعها وجهها في المرآة .. تأملت قسماته .. لا حظت خطوط جديدة رسمتها يد الزمن على وجهها .. إلا أنها لم تستطع أن تمحي جمالاً تميزت به في شبابها ... مالها تشعر بكل هذا الضيق .. حتى هواياتها ما عادت تمتعها مثلما كانت تفعل في الماضي .. الملل والفراغ حولها يمتص كل إحساسها بالحيوية والرغبة في الحياة .. شعور غريب لم تشعر به من قبل إلا نادراً... الا إنه كان يرحل بعد ساعات أو يومين .. لكنه في هذه المرة استمر معها أسبوعاً .. ويأبى الرحيل .. وفجأة .. رن جرس الهاتف ... لينتشلها من أفكارها .. نهضت لترد ..صوت ابنتها هدى يتسلل إليها .. لا بد أنها شعرت بانها متضايقة .. كم هي حساسة ورقيقة هذه الأبنة .. غريب أن تتصل بها دائماً عندما تكون في حاجة إليها.

تسلل صوت هدى إليها

"أمي كيف حالك ؟ ..لا أدري لماذا خطرت ببالي شعرت بالقلق عليك .. هل أنت بخير .؟"

وتظاهرت نورة أنها في أحسن حال حتى لا تقلق عليها ابنتها "

ولم يخدع صوتها ابنتها .. كانت نبراته ثقيلة .. عادت هدى تلح مرة أخرى

" أمي ما بك .. أخبريني بصراحة .. هل أنت مريضة..؟

أجابتها نورة فوراً لتبدد قلقها عليها

" لا لا... لا تشغلي بالك بي .. كيف حال سامي والأولاد؟

وعادت هدى

"بخير ... لا تهربي يا أمي من سؤالي .. بالي مشغول عليك ..لا أعرف لماذا؟ ... ماذا تفعلين الآن ..؟ الساعة تقترب من العاشرة صباحاً...؟"

وسرحت نورة بأفكارها .. ماذا يهم يا أبنتي .. التاسعة او العاشرة صباحاً الوقت يمر بطيئاً مملاً .. أيامي متشابهة .... حتى أشغال الإبرة التي كنت أتمتع بها كرهتها .. مللت القراءة ... مللت كل شيء ... الملل يكاد يخنقني .. وأريد أن ابكي

وتمالكت نفسها حتى لا تبكي فعلا ً فيزداد قلق ابنتها عليها.

وعادت هدى تسأل

"مالك سرحت يا أمي أين ذهب تفكيرك ؟"

وردت فوراً

" لا .. لم أسرح أنا بخير"

وأنقطع صوتها.. لم تعد قادرة على مقاومة البكاء ..الضيق يكبس على أنفاسها ... ولا تدري الى أين تهرب

وانبهرت هدى عندما سمعت شهيق أمها .. كانت تبدو أمامها دائماً متماسكة قوية .. لا تتذكر أنها رأتها تبكي أبداً إلا عندما توفى والداها .. ترى .. ما بها اليوم ..؟ ما الذي يدفعها للبكاء؟ ..... لقد لا حظت منذ أيام ملامح الضيق مرسومة على وجهها ... لكنها لم تعلم أنها كانت متضايقة الى هذا الحد .. فكرت في طريقة تملأ بها فراغ حياتها بعد رحيل والدهم ..

فاقترحت على أخوها محمد أن يطلب من والدته أن تعمل معه في مؤسسة والدها التي أصبحت الآن مؤسستهم جميعاً .. وقبل أحمد الفكرة فوراً

قالت هدى

" لماذا تخفي ضيقك عنا ..؟ الم تحملي همومنا دائماً ؟"

ردت أمها وسط دموعها.

"أشعر بالضيق يا ابنتي منذ عدة أيام .. حاولت أن أطرده بزياراتي لكم .. بالقراءة ومشاهدة التلفزيون .. وبأشغال الابرة .. لكنه يأبى أن يقارفني ...ربما يكون بسبب الفراغ الذي أعيشه .. الخدم يقومون بكل شيء ... تعودت أن أكون مشغولة دائماً في حياة والدك .. بودي لو أعمل ... ليتني بدأت العمل قبل رحيله .. حتى لا أشعر بهذا الفراغ الرهيب... لم أحسب حساب لهذه الأيام .. لم أتوقع أن يتركني ويرحل ولم تستطع نورة أن تتمالك نفسها ... فبكت" ..

وتسارعت ضربات قلب هدى خوفاً على أمها ...

" أنا قادمة يا أمي مسافة الطريق فقط وأكون عندك ..."

كانت هدى دائماً أقرب أبنائها إلى طبيعتها .. وأكثرهم إحساساً بها ... لكنها الآن مشغولة بعملها وأسرتها .. لم تعد معها دائماً مثل الماضي ....

أما كان الأفضل لها لو أن زوجها ساعدها على بناء حياة خاصة بها تشغل تفكيرها الآن .. وتذكرت أن ابنة ليلى مريضة .. فنهضت لتتصل بها وتطمئن عليها ... لا تجد غير أبنائها تهتم بهم بعد رحيل أباهم .. والفراغ الكبير الذي تركه وراءه .. حتى صديقاتها اللواتي تربطها بهن صداقة سطحية لأنها لم تفكر أبداً أن تكون لها صداقات عميقة .. بسبب انشغالها الدائم بمحمود وحفلاته التي لا تتوقف .. أصبحت

لا تميل الى أحاديثهن لأنها مكررة ومملة لا تنتهي .. أغلبها يدور حول الطبخ والموضة ومشاكل الأبناء اليومية .. لقد تعودت على القراءة .. لكنها لا تجد إلا القليل من النساء حولها من يهتم بالقراءة .. كل ما يهمهن هو آخر خطوط الموضة .. وآخر تشكيلات الألماس التي نزلت إلى الأسواق .. أما الثقافة فلا تجد لها مكان في قاموس حياتهن اليومي.

وشعرت نورة بالملل من جلستها في الحديقة .. فدخلت البيت تتجول في أنحائه .. الأثاث حولها فاخر جداً .. وهي وحيدة مع خدمها .. ووجدت نفسها تنهار على أحد الكراسي وتبكي بحرقة يأسها ووحدتها ... ماذا حدث لها هذه الأيام .. كلما زاد إحساسها بالضيق .. تجد نفسها تنهار باكية. ..

لا بد أن تتصل بطبيب نفسي لتسأله عن سبب هذا الضيق المتواصل الذي تشعر به .. وسبب بكائها السريع , ربما أصيبت بالاكتئاب بسبب وحدتها الطويلة .. وحياتها الفارغة المملة .. وتذكرت ابنها محمد كم تشعر بشوق إليه

هذا الأبن الطيب .. ليته لم يترك البيت بعد أن تزوج ..لقد افتقدت روحه المرحة .. ورنين ضحكاته .. كان قريباً من نفسها عاطفياً , يتضايق عند رؤيتها حزينة .. حمل مسؤولية أعمال والده بجدية , تفوق سنوات عمره الخامسة والعشرين ,بعد أن أنهى تخصصه في إدارة الأعمال والتسويق بإحدى جامعات إنجلترا .. وقد تطورت المؤسسة على يده كثيراً .. بذكائه التجاري .. وحسن معاملته للزبائن ..وكذلك بسبب تطبيقه لأحدث الطرق الحديثة في إدارة الأعمال .. كما أنه يخصص جزء من أرباح المؤسسة كل عام لأعمال الخير .

كم حاولت أن تقنعه هو و زوجته سارة التي أحبها في الجامعة .. وتزوجها بعد تخرجه أن يبقيا معها ..

قالت له " البيت كبير .. سأكون سعيدة جداً بك وبزوجتك وأولادك

لكنه أجابها بروحه المستقلة التي زرعتها في نفسه

" الأفضل يا أمي أن يكون لنا مسكناً خاصا بنا ... حتى نتجنب المشاكل العائلية وأعتقد أن سارة تفضل ذلك أيضاً سنزورك دائما ً..

ولم تصر نورة على رأيها .. فهي تريد سعادتهم .. وما دامت راحتهم ستكون في استقلالهم بمسكنهم .. فهي راضية .. لكنها ملت وحدتها في هذا البيت الكبير .. كم تمنت لو أن محمود معها الآن بعد أن كبر أبنائها .. هي بحاجة إليه الآن أكثر من أي وقت مضى ...بعد أن كبروا واستقلوا بحياتهم .. ترك ثروته التي حرمتها منه وهو يكافح لينميها .. ورحل. ...

سمعت نورة خطوات ابنتها هدى .. وخرجت لتستقبلها .احتضنتها بشوق .. وشعرت

بالراحة تسري في أوصالها .. إلا أن أبنتها لا حظت حزنها فبادرتها قائلة

"ماذا بك يا أمي .. لم أرك بهذا الحزن من قبل إلا بعد وفاة والدي "

أجابت نورة وهي حائرة بماذا تجيب؟

"أنا نفسي لا أعرف ماذا حدث لي .. أرى نفسي حزينة .. وأشعر بالفراغ والملل وبالضيق من كل شيء ... لا أريد أن أكون عبئ عليكم

ولم تستطع أن تكمل ... فبكت

ضمتها هدى بلهفة وهي تغالب دموعها

"الفراغ ممل يا أمي و بسببه تشعرين بهذا الضيق .. لماذا لا تعملين مع عماد في مؤسسة والدي .. لقد درست من قبل إدارة أعمال .. ولم تستفيدي من تخصصك "

قالت نورة" لقد مضى على شهادتي ربع قرن ..هل سأستفيد منها الآن لأعمل ؟"

ردت هدى بحماس لتقنع والدتها لتعمل

"ولم لا.. ستدرسين بعض الدورات التدريبة حول الطرق الحديثة في إدارة الأعمال .. وستمارسين عملك بمهارة .. لقد اقترحت على محمد هذه الفكرة , عندما ذكرت لي منذ أسبوع أنك متضايقة من الفراغ .. ورحب بها ..

لم يخطر ببال نورة أن تعمل في المؤسسة التي آلت إليها وإلى أبنائها بعد وفاته ربما لأن محمود زوجها لم يشجعها أبداُ على ذلك .. بسبب عدم ايمانه بعمل المرأة وعاد ذهنها إلى ابنتها"

قالت

" أعمل في هذا السن !! هل تمزحين ..؟""

" ولم لا .. أنت لازلت شابة وحيوية .."

قالت نورة " هل تحاولين أن ترفعي معنوياتي .. أبعد الخامسة والخمسين بقى شباب

ردت هدى في حماس " أمي .. ألم تسمعي عن سيدات الأعمال والكاتبات في الدول العربية ،و أوروبا وأمريكا اللواتي بدأن بعد الخمسين .. وهن الآن ناجحات في أعمالهن الخاصة .. الشباب يا أمي هو شباب القلب والروح

قالت نورة " أنت دائماً هكذا تدخلين البهجة على قلبي بكلامك اللطيف .. لم أجد أبداً أي تعب في تربيتك .. كنت دائما ً هادئة مطيعة ..

..هل توافقين على عملك مع أخي عماد .. هو رحب بالفكرة .. بقي أن تقبلي أنت فقط ... وغداً سيكون مكتبك في انتظارك ...."

" هل أنتم جادون ..؟"

ردت هدى

"بالتأكيد"

وسرحت نورة ... أما كان الأفضل لها لو كان لها حياة خاصة بعيدة عن الواجبات الزوجية .. تشغل تفكيرها بعد أن كبر أبنائها وتوفى زوجها .

قالت هدى : " مالك سرحت .... هل أنت موافقة ؟"

أجابت نورة" دعيني أفكر .. أعتقد أنني بحاجة إلى أن أعود إلى كتب الإدارة الحديثة ... لكن ألا تعتقدين لو أني أنشأت قسماً للعلاقات العامة في الشركة سيعمل على تحسين صورتها ومنحها سمعة طيبة "

ضحكت هدى قائلة :

" ها أنت بدأت تفكرين .. وهذا يعني أنك قبلت"

ونهضت هدى لتتصل بأخيها هاتفياً لتخبره بموافقة والدتهم

وخرجت هدى بعد أن تناولت طعام الغداء مع أمها بعد أن اعتذرت لزوجها من عدم تمكنها الحضور إلى البيت لإحساسها بحاجة أمها لها وأيدها علي ذلك بقوله :

" هي في حاجة اليكم اليوم .. ابقي معها"

قالت هدى : " أتعلم أنا فعلاً محظوظة بك ... وأحبك" "

ضحك سامي قائلاً

"أرجو أن يظل هذا الشعور إلى الأبد"

وجلست نورة وحدها تفكر .. ها هو الأمل بدأ يتسلل ليضيء حياتها ..كم هي محظوظة بأبنائها لقد أحبتهم وكانت دائماً إلى جوارهم .. تهتم بتفاصيل حياتهم .. وهي اليوم فخورة بهم وسعيدة بحنانهم وحبهم ..وغداً ستبدأ عملها مع ابنها في مؤسستهم المعروفة .. وهي عازمة على أن تثبت كفاءتها حتى لو تطلب منها عملها أن تلتحق بدورات تدريبية حول مجال عملها الذي اختارته .. هي لا تدرى الآن على ماذا سيستقر رأيها .. المهم أنها بدأت تشعر بالحيوية منذ اللحظة التي قررت فيها العمل .. وغداً يوماً جديداً في حياتها القادمة التي ستحاول أن تحقق من خلالها الطموح والإشباع النفسي كامرأة وإنسانة .. ولا يهم هل تنجح أو تفشل .. المهم فقط أن تبدأ.



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved