آخبار عاجل

إصرار على النجاح .. بقـــــلم: سلوى يوسف المؤيد .. " الجزء الثالث"

13 - 12 - 2019 2:40 5311

 

          تطور أعمالي التجارية

   لم تتأثر البحرين من الناحية الأمنية أو من ناحية الموارد الغذائية بسبب الحرب العالمية الثانية إلا في سنة (( ١٩٤٣ م )) أي بعد أربع سنوات من نشوبها أو عند انتصار ألمانيا ودخول غواصاتها بمساندة إيطاليا إلى بحار الشرق الأوسط، إذ قل عدد البواخر التي كانت تحمل المواد الغذائية إلي دول الخليج و بدأت الحكومة في استخدام البطاقة ( ١٩٤٢ م ) و استمرت حتى ( ١٩٤٨ م ) ، واضطر أغلب أهالي البحرين إلى تناول وجبة الظهر

وإلغاء وجبة المساء واستبدالها بالخبز و الشاى أي لا أرز أو سمك في وجبة المساء  وقل استيراد الأرز فاضطر الناس المحدودي  الدخل إلى استخدام الجريش المعمول من الحب المطحون في طبخ وجباتهم الغذائية و في سنة ( ١٩٤٣م ) أغارت طائرة إيطالية على البحرين ولحسن الحظ ضلت هذه الطائرة عن إصابة الهدف فأنزلت قنابلها على أرض صحراوية قرب منشآت البترول في عوالي فأحدثت هلعاً و خوفاً لدى الناس و طلب المسئولون من الأهالي إطفاء الأنوار في المساء بسبب الغارات كما أطفأت الحكومة الأنوار في الشوارع العامة واستخدمت الأكياس المملوءة بالرمال لوضعها حول المنشآت البترولية.

كنت امارس تجارتي في تلك الفترة على نقاط ضيق , حيث لم أتمكن من استيراد أي بضاعة بسبب توقف مجيئ البواخر إلى البحرين, وأصبح لزاماً على كل تاجر أن يحرك تجارته بما هو موجود لدى تجار البحرين أمثال عبدالرحمن زباري و يوسف الشتر و خامباي الذي يعد أكبر تاجر في مجال أدوات البناء في ذلك الوقت وكان رأسمالي قد ازداد كثيراً الأمر، الذي شجعني على التوسع في أعمالي التجارية لذلك فكرت في شراء (( 1000 صندوق زجاج)) من التاجر خامباي وكنت قد اشتريت هذه الكمية  من الزجاج بسعر ((21 روبية )) للصندوق الواحد واتفقت معه على أن أدفع قسماً من المبلغ عند الشراء ثم أكمل له الباقي خلال ثلاث شهور ووافق على اقتراحي.

   لكني وقعت في حيرة أين أضع 1000 صندوقاً من الزجاج وخطرت في بالي فكرة ،لماذا لا اسأل عمي أحمد إذا كان يسمح لي بتخزين بضاعتي في دكان كان وقفاً لجدي إبراهيم ،وذهبت في اليوم التالي إلى عمي ،و انا متردد في طرح الفكرة لكنني فوجئت به يرحب باستخدامي لذلك المتجر ومعه دعواته لي بالتوفيق في تجارتي ولم اكن حتى ذلك الوقت قد تزوجت بعد إبنته عائشة.

   نقلت بضاعتي إلى الدكان ثم بدأت في البيع بعد فترة من الوقت لكنني اختلفت معه على موضوع خاص فنقلت بضائعي من دكانه إلى دكان آخر اقترحه علي خال والدي  يوسف كانو خلال زياراتي اليومية له على أساس انه احد أملاكه فشكرته كثيراً على كرمه و معاملته اللطيفة

   وكان استخدامي للدكان الآخر فأل خير على تجارتي حيث ربحت من تسويق بضاعة  الزجاج التي استوردتها حوالي( عشرة آلاف روبية)  لأننا كنا نعيش أيام الحرب العالمية الثانية .

ثم جاءني تجار عراقيون من البصرة واشتروا مني الزجاج على فترات متعددة لكن استقراري في هذا الدكان لم يدم طويلاً فقد توفى خالي الرجل الصالح يوسف كانو وحزنت عليه كثيراً لإنني كنت معجباً بشخصيته وكان حنوناً و عطوفاً علي وبعد فترة من وفاته تركت المحل لان أبناء عائلة كانو احتاجوه لتوسعة مكاتبهم ونقلت بضائعي إلى مخزن آخر..وكان والدي قد أطلق علي إسم يوسف لإنه على علاقة ممتازة مع خاله يوسف أحمد كانو ..حيث كان يأمل أن أكون رجل أعمال  ناجح مثله

   تطورت أوضاعي المادية  أصبحت  أملك رأسمال قدره (مائة وخمسين ألف روبية) مما دفعني ذلك إلى التوسع في تجارتي ، وأتاحت امكانياتي المادية أن ألحق بعملي كاتب يدعي محمد شمس لتسجيل عدد البضائع التي تردني لبيعها

   كنت أميل إلى إبنة عمي عائشة وأحبها منذ طفواتي لذلك طلبت من والدي عام (1943 م ) أن يخطبها لي ووافق عمي لنبدأ حياة زوجية موفقة سعيدة وقفت خلالها زوجتي عائشة على جانبي منذ بداية حياتنا الزوجية إذ لا أذكر انها تأففت يوماً أو تذمرت رغم أني كنت أعمل 16 ساعة يومياً ، بل كانت تتحمل طوال سنوات حياتنا الزوجية مسئولية البيت والأبناء و الحفلات التي كنت أقيمها لمندوبي الشركات التي أتعامل معها ،بصبر و محبة  لكي أتقدم في تجارتي و أحقق احلامي في النجاح.

   لذا أعتقد أن لزوجتي عائشة فضلاً كبيراً في تطور أعمالي التجارية لوقوفها على جانبي و تفانيها في أداء واجباتها كزوجة وام وإدارتها الرشيدة لحياتنا الأسرية.

   كنا في بداية الحرب العالمية الثانية عندما  حدثت لي هذه الحادثة لتي تعبر أصدق تعبير عن ملامح شخصيتي ،كانت طائرة إيطالية قد أغارت كما ذكرت على مصفاة النفط في صحراء البحرين وأثارت ذعراً شديداً بين الأهالي لذلك قررت شركة نفط البحرين ان تقوم بعمل إجراءت وقائية خوفاً من وقوع غارات أخرى و نتيجة لذلك  رأت هذه الشركة أن تشتري آلافاً من الأكياس المملوءة بالرمل لتضعها بمحاذاة مصفاة النفط كترسانة تقيها من شظايا القنابل لو حدثت بها غارات أخرى.

   كان الأخ حسين يتيم وكيلاً لمشتريات شركة نفط البحرين من أدوات بناء وغيرها, لكن مدير الشركة المستر لب فكر في أن يشتري هذه الأشياء من التجار في السوق على أساس انها مشتريات استثنائية وجاء مدير مشتريات الشركة وكان يدعى المستر كري إلى مكتبي مع زوجته في سيارة بيك آب.

   كنت أملك في ذلك الوقت سيارة أوستن صغيرة أما مكتبي فقد كان يقع ف شارع التجار بالمنامة وكان لدي ثلاثة موظفين فقط.

   طلب مني مدير المشتريات في ذلك اللقاء أن أطلعه على نموذج من أكياس الرمل الخالية وان أحدد له قيمتها ولأني لم أكن أملك هذه الأكياس وإنما كانت في حوزة التجار في أسواق الأكياس الخالية قرب عمارة تسمى (الديلمي)في شارع التجار فقد تفاهمت مع مدير الشركة على أن أوفر لهم الصفقة مقابل أن يدفعوا لي 10% من سعر الشراء وعندما قررنا الذهاب إلى شارع التجار أصر المستر  كري أن نستقل سيارته البيك آب فركبت زوجته بقربه وركبت أنا بعدها وجلست بالقرب منها إلا إني فوجئت بها تلتفت إلى زوجها و على وجهها علامة تدل على عدم رغبتها في أن أجلس بجانبها فإذا بزوجها يلتفت ليقول لي بوقاحة

" هل بالإمكان يا سيد يوسف أن تركب في الخلف (أي في العراء)؟"

 قلت له غاضباً وأنا أفتح باب السيارة لأخرج

" أشكرك على هذه المعاملة و أعتبر ان الصفقة قد أنتهت بيننا".

   لقد جرح هذا الرجل كبريائي وآلمني قوله كثيراً فقررت أن لا أتعامل معه وعدت على مكتبي ولم يكن يهمني وقتها أن أخسر تلك الصفقة التي بلغت قيمتها( خمسين ألف روبية) مادام هذا الرجل قد أهانني.

   فلو قبلت الإهانة حينذاك لربحت يومها ( 5 آلاف روبية ) وكان ذلك مبلغاً كبيراً في ذلك الوقت, لكن كرامتي و عزة نفسي لم ترض بذلك, وأنا إبن عائلة كبيرة و تربيت فيها على إحترام نفسي.

   ومرت الأيام كنت أعمل خلالها مجتهداً ومثابراً على أن تتطور أعمالي التجارية و تتسع وبالفعل تقدم عملي كثيراً مما أمكنني من شراء سيارة بونتياك.

   وفي يوم دعتني شركة نفط البحرين إلى إحدى حفلاتها وكنت من أوائل المدعوين البحرينيين إلى حفلاتهم ,إذ لم يكن يدعى في ذلك الوقت من البحرينيين إلى تلك الحفلات إلا الأخ حسين يتيم و الأخ أحمد كانو وعند دخولي صافحت صاحب الوليمة المستر لب ,لكنه عندما قدمني إلى المستر كري مدير المشتريات قائلاً:

"أنت بل شك قابلت المستر كري من قبل و تعرفت عليه".

أجبته:

"أجل قابلته و تعرفت عليه مع  الأسف".

والتفت أصافح بقية المدعوين دون أن أصافحه مع زوجته اندهش المستر لب لتصرفي ودعاني إلى منزله بعد الحفلة بيومين لأشرب الشاي معه, وسألني :

"لماذا لم تصافح المستر كري؟"

أجبته:

" لأن هذا الرجل أهانني دون أن يعتذر لي"

ورويت له ما صدر عن هذا الرجل و زوجته من إهانة لشخصي في عام (1943م), وواصلت حديثي قائلاً:

" رغم ذلك لم يعتذر هذه الشخص مني وذهب ليشتري الأكياس بنفسه, أو بواسطة أشخاص آخرين بعد أن رفضت التعامل مع شخص حقيرمثله.

وعلق المستر لب على حديثي مندهشاً لجرأتي

"أتقول أنه حقير"

قلت غاضباً:

"حقير جداً لإنه يتعامل مع البحرينيين بهذه الطريقة الخالية من قواعد الأدب و الاحترام ,وانا كبحريني أعتز بنفسي رفضت ان يعاملني مثل هذا الشخص بهذه الطريقة المهينة وآسف لأن شركة نفط البحرين اختارته كمدير لمشترياتها".

وسكت قليلاً لإتابع كلامي :

"لقد تطورت الدول العربية" كثيراً والأجانب يستفيدون من خيراتهم فكيف يفكرون في إهانتهم؟"

ولم يعجب حديثي المستر لب , وبدا الإمتعاض واضحاً على ملامح وجهه, وعلى إجابته حيث قال

" يبدو أنك ضد الأوربيين؟".

قلت له غاضباً..

" نعم أنا ضد الأوربيين إذا كان الأوربيون من نوع مستر كري".

وغادرت بيته ولم أحضر حفلاتهم عاماً كاملاً , رغم دعوتهم لي ثلاث مرات وفي يوم جاء المستر لب لزيارتي ليعتذر عما بدر من مدير مشتريات الشركة ومنه.

قال لي:

"أنا آسف لما حدث في الماضي ,أنت رجل صريح و محترم وأعمالك تتطور بشكل واضح لقد قررنا إقالة المستر كري من منصبه وإرساله إلى مكتبنا في لندن وتعيين شخص بحريني مكانه هو مبارك الرميحي"

   وبعد تعيين مبارك الرميحي تم تعيين خليل زمان كمسئول عن مخازن شركة نفط البحرين أي في المرتبة الثانية بعد مبارك الرميحي



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved