آخبار عاجل

الإعلام المصرى.. ودورنا الغائب .. فاروق جويدة

27 - 12 - 2019 11:13 228

الإعلام المصرى بكل ألوانه غائب تمامًا عن كل ما يجرى على الساحة العربية، رغم أنه كان يومًا يلعب أهم الأدوار في الأحداث الكبرى.. كان الإعلام المصرى هو مصدر المعلومات والتغطية الجادة والرأى السديد.

لا أدرى سببًا لهذا الغياب بحيث أصبح من الصعب على المواطن المصرى أن يتابع ما يجرى، خاصة أننا نعيش الآن محنة قاسية تهدد كيان هذه الأمة في كل شىء.. في زمان مضى كنا نتابع الأحداث من خلال مراسلين تخصصوا في تغطية الأحداث، وكان الإعلام المصرى سباقًا في كل شىء، لكنه الآن ينتظر خبرًا من هنا أو صورة من هناك.. ومرت علينا أحداث ضخمة لا أحد يعلم عنها شيئًا.. كان الإعلام المصرى من أهم مصادر المعرفة والمعلومات لسلطة القرار، بل إنه انفرد كثيرًا بمواقف خدمت الكثير من القضايا المهمة على مستوى الأمة وليس الوطن، وكانت شواهد الغياب كثيرة ومؤثرة..

● إننا الآن نتابع كل الأحداث الكبرى من فضائيات غير مصرية، حيث يتوافر مستوى من المهنية والسرعة لا نجده في أي فضائية مصرية. إن بعض هذه الفضائيات يحمل وجهات نظر مختلفة ولكنه يقدم الجديد، أنا لا أتحدث عن قنوات مشبوهة تخرج من تركيا أو قطر، ولكن أتحدث عن فضائيات جادة ومؤثرة، مثل قناة العربية والقناة الفرنسية والروسية، لم يعد لدينا هذا المستوى الجيد في الأداء والسرعة، وقد حلمنا يومًا بقناة إخبارية مصرية، ولكن التجارب لم تصل إلى ما كنا نتمنى.

■ لم يكن غريبًا أن يأتى إعلام مصر بآخر القائمة في مستوى الأداء والمهنية والتغطية الجادة، حتى فيما يخص ما يجرى في الساحة المصرية نفسها.. لقد غلب الأداء الإعلانى على ما يقدم الإعلام المصرى من الموضوعات والأخبار والتحليلات، وهذا النوع من الأداء يفتقد في أحيان كثيرة التأثير والمصداقية، لأنه يفتقد الرأى الآخر ويكون أقرب إلى التقارير الموجهة بعيدًا عن العمل الإعلامى السليم.

■ إن إصرار الإعلام المصرى على الاهتمام بالشأن الداخلى شىء مطلوب ومشروع، ولكن نحن نعيش في عالم تغيرت فيه كل الحسابات وأصبح قرية صغيرة، ولا يعقل أن يكون لدينا هذا العدد من الوسائل الإعلامية دون أن يكون لها تأثير في الأحداث وما يحيط بنا من تغيرات حادة شملت كل شىء على المستوى السياسى والاقتصادى والثقافى.

■ إن خروج الإعلام المصرى من المعادلة الإقليمية أو الدولية لا يمثل خسارة إعلامية فقط، ولكنه يحمل خسائر أخرى على المستوى السياسى والاقتصادى والثقافى، لأن الإعلام الآن لم يعد قوة جانبية ذات أثر محدود فيما يجرى في العالم من أحداث، بل إنه يحتل مقدمة الوسائل الكبرى في صُنع القرار.

■ هناك غياب كامل للتنسيق بين الإعلام المصرى والإعلام العربى في السنوات الأخيرة، حتى بمجالات التغطية الإعلامية في أهم الأحداث بالعواصم العربية.. إن الإعلام العربى، رغم ضخامة مشروعاته ونوافذه ومصادره، يعيش حالة انفصال كامل تشبه الجزر، حيث لا توجد مشروعات مشتركة من أجل الوصول إلى إعلام أكثر تأثيرًا.. إن المنافسة بين وسائل الإعلام لا تتجاوز المسلسلات وبرامج التسلية والغناء الردىء.

■ لكى نشاهد الصورة على حقيقتها ونحدد الشواهد والآثار التي غاب فيها الإعلام المصرى، فإن بين أيدينا الآن أحداثًا مهمة تجرى على حدودنا، ولا أحد يهتم بما يجرى فيها.. إن الأحداث في السودان، وهو امتداد مصر وعمقها الاستراتيجى، تشهد تحولات كبيرة بعد رحيل البشير، والغريب أن الإعلام المصرى لا يتجاوز في تغطية أحداث السودان تعليقات من هنا أو خبرًا صغيرًا من هناك، ولكن لا أحد يعلم ما يجرى في الشارع السودانى.. فأين إعلام مصر.. لا يوجد.. على الجانب الآخر فإن معارك ضارية تدور على حدودنا في طرابلس بين الجيش الليبى وجماعات الإرهاب وهناك تدخلات خارجية وصلت إلى الإمدادات العسكرية من تركيا وقطر وأطراف دولية أخرى.. ولا أجد مراسلًا عسكريًا واحدًا من الإعلام المصرى في مواقع القتال بليبيا.. وعلى حدودنا الشرقية تشهد الآن غزة مذابح على يد الجيش الإسرائيلى، وكل الأخبار تأتى من مصادر مشبوهة من إسرائيل أو أمريكا، والإعلام المصرى غائب تمامًا رغم أن الحدود واحدة.. هذه بعض النماذج التي غاب فيها الإعلام المصرى وكان يومًا يتسابق المراسلون فيه لتغطية الأحداث.. إن ما يجرى في اليمن منذ سنوات لا أحد يعلم عنه شيئًا، فلا يوجد مراسل مصرى واحد ذهب لتغطية ساحة القتال فيها.. إن الأخطر من ذلك كله أن الإعلام المصرى بعيد تمامًا عن كل ما يجرى حول صفقة القرن التي يجرى إعدادها بين تل أبيب وأمريكا، ونحن، رغم أننا طرف فيها، أبعد ما نكون عن كل ما يجرى.

■ كانت هناك مواقف كثيرة غاب فيها إعلام مصر بكل وسائله.. لقد تابع العالم كله ما حدث في الاحتلال الأمريكى للعراق منذ سنوات من خلال قنوات مشبوهة، مثل الجزيرة، واكتشف العالم العربى أن هذه القناة كانت تخدم مشروعًا أمريكيًا إسرائيليًا مشبوهًا، كانت كاميرات قناة الجزيرة تغطى ساعات القصف الجوى لبغداد وكأنها تتلقى الأوامر من البنتاجون.. كانت خدعة كبرى وقعت فيها شعوب العالم العربى وهى تتابع تغطية الأحداث من قناة مشبوهة.

■ ما حدث في احتلال العراق حدث في مأساة سوريا، وعلى امتداد سنوات الحرب الأهلية كانت قناة الجزيرة مع الإعلام الغربى تمارس نفس الأدوار، مع غياب كامل للإعلام المصرى.. إن الكثير من أسباب المأساة السورية مازال سرًا غامضًا، خاصة أن هناك دولًا شاركت في البداية في دعم أطراف الصراع ثم تخلت عنها ودخلت في حسابات أخرى، حتى إننا الآن لا نعلم حقيقة ما جرى وأين كان الحق وأين الباطل.. إن الأدوار في المأساة السورية مازالت غامضة، رغم أن جيوش العالم كله جربت أسلحتها الحديثة في الشعب السورى، وكانت هناك قوات عسكرية أجنبية على التراب السورى ومازالت.. وكان السؤال الدائم: أين إعلام مصر من كل ما جرى في سوريا؟ وأين الحقيقة في كل ما جرى؟ ولا تجد وسيلة إعلامية وحيدة مصرية لديها حقيقة ما جرى.

■ إن ما يجرى حولنا ليس حدثًا عاديًا، هناك حروب ودماء وشهداء وقتلى في نصف العواصم العربية منذ سنوات، وإذا أضفنا لذلك ما يجرى من مظاهرات سلمية في الجزائر وقد غابت تمامًا عن ذاكرة المواطن المصرى، لاتضح لنا إلى أي مدى نحن نعيش خارج كل ما يجرى حولنا من أحداث.

هناك ثورتان في الجزائر والسودان.. وهناك معارك تدور في ليبيا وعدوان إجرامى على غزة، وهناك حرب أهلية في اليمن وبقايا صراعات في العراق وآلاف الضحايا في سوريا بين شهداء وراحلين ومهاجرين.

أين نحن من ذلك كله؟!.

■ إن الإعلام المصرى لم يعد يغطى كل هذه الأحداث، وكل ما يفعله أنه ينقل بعض الصور من مصادر أخرى، سواء كانت مواقع إلكترونية أو وكالات للإنباء أو مصادر مشبوهة، وكلها تحمل وجهات نظر واضحة وصريحة في بث الأكاذيب وتشويه الحقائق.

هناك جزء كبير من تاريخ هذه المرحلة سيبقى غائبًا عنا، ولا أدرى كيف يمكن أن نصل إلى الحقائق وسط هذا الضباب.

■ كان الإعلام المصرى في يوم من الأيام مصدرًا من مصادر الحقيقة في كل ما يجرى حولنا من أحداث وكوارث، ولم تكن عقول الناس ضحية إعلام فاسد مشبوه يحاصرنا من كل مكان، ورغم الملايين التي تنفقها الدولة على الإعلام المصرى إلا أنه غائب تمامًا بين المسلسلات وكرة القدم والبرامج التافهة والفن الهابط.. أين الدور التاريخى للإعلام المصرى، لقد غاب تمامًا.

■ لا أدرى هل يمكن أن نستعيد شيئًا من تأثير هذا الدور.. هل يمكن أن نشاهد على شاشاتنا وصحفنا ومواقعنا الإلكترونية صورة ما يجرى حولنا، ما يحدث في السودان، وما يجرى في الشارع الجزائرى، وما يدور في طرابلس على حدودنا، أو ما ينطلق كل ليلة من عشرات الصواريخ على غزة، أو ما وصلت إليه الأحداث في سوريا واليمن والعراق.

■ أتصور أن تعود سلسلة المراسلين المصريين في العواصم العربية يتابعون الأحداث ويكشفون الحقائق، لأن هذا الغياب خسارة ضخمة على كل المستويات.

■ أتصور أن تكون هناك أنواع من التنسيق بين الإعلام المصرى والإعلام العربى، خاصة العواصم المؤثرة إعلاميًا في دول الخليج ولديها الآن منصات إعلامية لديها إمكانيات ضخمة ماليًا وإداريًا وفنيًا.

■ أتصور أن نعمل على تقوية تأثير قنواتنا الإخبارية، وهى محدودة، وأن يبقى لدينا الحلم في إنشاء قناة إخبارية مصرية تنافس القنوات الكبرى في العالم.

■ أتصور أن نشجع على ظهور جيل جديد من الشباب يعملون كمراسلين وسط المناطق الساخنة وما يجرى فيها من أحداث الحروب الأهلية والصراعات الداخلية، وأن تكون لديهم قدرات ثقافية وفكرية تؤهلهم لنقل الحقائق للمشاهد العربى.

■ أتصور إعلامًا مؤثرًا فعالًا يساند القرار السياسى والنهضة الاقتصادية التي تعيشها مصر ولابد من التنسيق في ذلك بين سلطات القرار ومراكز الإعلام بكل ألوانها، لأن هذا الغياب لا يليق بمصر الدولة، والإعلام، والدور، والمسؤولية.



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved