ذهبت في اليوم التالي الى المكتب لأطلع على وضعه فرأيت الموظفين جميعاً قد خيم عليهم الوجوم لإنهم لم يكونوا واثقين من قدرتي على تسديد رواتبهم و بينما كنت جالساً بمكتبي فوجئت بزيارة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة ولي العهد في ذلك الحين برفقة أخويه الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء حالياً و الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة حاملين رسالة شفوية من والدهم حاكم البحرين المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة رحمه الله يطمئن علي و يرجوني ان لا أحزن و أن أصبر و أثابر و أبلغوني استعداد سموه ان يساعدني بما أشاء من النقود لإستعيد بها بناء تجارتي و مخازني من جديد.

وطلبت من أبنائه الكرام أن يبلغوا سموه رحمه الله عن جزيل شكري على حسن تعاطفه و اهتمامه بي و اخبرتهم ان كل شي و الحمدلل بخير و ان ما حدث هو مشيئة الله رغم أنني كنت اعاني كثيراً من المصاعب المادية التي ألمت بتجارتي في السعودية و التي يعلم بها سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة

من قبل.

وأذكر أن سموهم استغربوا لانني لم أطلب شيئاً من الشيخ سلمان كمساعدة أو ما شابه ذلك .

وذهبت مساءً لزيارة سموه و شكرته على لطفه و عبرت له عن امتناني لتعاطفه معي في أزمتي المادية و شعرت بالتعب وانا جالس في مجلسه حتى أوشكت على الإصابة بالاغماء لكنني تمالكت وعدت الى السيارة أسوقها بهدوء الى بيتي و حاولت ان انام نوما عميقاً دون ان افكر في مأساتي التجارية.

وقررت في اليوم التالي ان اذهب الى حفلة اقامها احد اصدقائي الاجانب في نادي عوالي وامضيت الوقت ضاحكا مرحا حتى اثار ذلك استغراب مدير الشركة وافراد كثيرون كانوا حاضرين الحفلة اذا كيف يمكنني ان اضحك بعد الحريق الهائل الذي اصاب مخزني بيومين؟.

عدت بعد الحفلة و بقيت يوم الجمعة ملازماً لبيتي طلباً للراحة و صليت كثيراً في ذلك اليوم ودعوت الله ان ياخذ بيدي و سافرت يوم السبت الى السعودية و توجهت الى منزل صديقي عبدالعزيز القصيبي و اخبرته خلال لقائنا بالمصيبة التي ألمت بتجارتي و شجعني وواساني ثم غادرنا الخبر في طائرة واحدة الى جدة واجتمعنا هناك بوزير التجارة لنبلغه اننا نريد ان نشترك معاً في

وكالة بلاك ستون و في و كالات اخرى و نريد موافقته لكنه أصر على الرفض لانني لا املك جنسية سعودية عندئذ طلبت من الأخ عبدالعزيز القصيبي ان يرافقني الى الطائف لزيارة الملك سعود و تسليمه رسالة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين لكن عبدالعزيز القصيبي اعتذر عن الذهاب قائلاً:

( أنا آسف يا أخ يوسف ما دامت وزارة التجارة ترفض اشتراكي معك الافضل ان تذهب وحدك الى الملك)

قلت له:

(لكنك واعدتني ان تكون شريكاً معي؟).

قال:

( بصراحة انا لا اريد ان ادخل في مشاكل مع وزارة التجارة فإذا وافق الملك على ان نكون شركاء و امر بذلك الوزارة عندئذ ليس لدي مانع ان اكون شريكك).

وذهبت الى مكة وحدي قبل ان اذهب الى الملك سعود و اعتمرت ودعيت الله دعاء من أعماق قلبي ان يسدد خطاي ويبعد عني المتاعب و يحفظ صحتي من ان تنهار امام المشاكل الكثيرة التي كانت تواجهني.

و شملتني راحة نفسية وانا استقل الطائرة في اليوم التالي الى الطائف حيث التقيت بالحاج المرحوم عبدالرحمن القصيبي في

الفندق الصغير الذي سكنت به ثم ذهبت الى مقر الملك سعود بن عبدالعزيز و عرضت الكتاب على الديوان وأخبرتهم برغبتي في لقاء الملك و تمت الموافقة و عندما دخلت على جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز وجدت لديه محدثاً يحدثه و يحدث الحاضرين حديثاً دينياً و الجميع يصغون صامتين و عندما انتهى المحدث من حديثه الديني التفت الملك نحوي و سأل عن حالي.

فقلت له:

(( لقد جئتك يا جلالة الملك برسالتين من الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة احدهما شفهية و الاخرى خطية الرسالة الشفهية هى ان سموه يبلغك سلامه و تمنياته لك بالصحة و العافية اما الرسالة الخطية فها هي , وسلمت جلالته الرسالة.

فأخذها ولم يقرأها في حينه و بقيت في الفندق يومين التقيت خلالها بالحاج عبدالرحمن القصيبي الذي أملني انه سيذكرني بالخير امام الملك و عدت الى جدة ثم الى الخبر.

وبعد مضى اسبوعين جائتني برقية من وزارة التجارة السعودية جاء فيها ان الملك سعود بن عبدالعزيز يأمر وزارة التجارة بتسجيل اسمي كمواطن سعودي و اعطاني كل الصلاحيات التي تعطى للسعوديين في السعودية و فرحت كثيراً بهذه البرقية و ذهبت الى الاخ عبدالعزيز القصيبي الذي اصيب

بالدهشة لما احرزته من نجاح في قضيتي و اصبحنا بذلك شركاء في وكالة بلاك ستون في السعودية ثم ذهبنا الى الرياض و سجلنا شركتنا بإسم (القصيبي و المؤيد) وكان ذلك عام (1961م) و بعد عامين شعرت برغبة عبدالعزيز القصيبي ان يكون وحده وكيلاً لهذه الشركة فأستجبت لرغبته.

وعندما انتهيت من المشاكل التي واجهتني مع شركة بلاك ستون اتجهت الى شركة التأمين لكي احصل على التعويض عن الحريق الذي شب في مخازني وكنت رغم ارهاقي صحياً اعمل بطاقة كبيرة امدني اياها ربي , لكي اواجه المتاعب الاقتصادية التي تواجهني انذاك.

وبعد جهد و مناورات من قبل شركة التأمين التي كنت وكيلاً لها في البحرين حصلت على التعويض الذي لم يكن مساوياً لخسائري المادية.

ربما أطلت الحديث بالنسبة للأزمات التجارية التي مرت بي لكنني ذكرتها كاملة لكى اوضح لابنائي و لقراء كتابي ان على الانسان ان يواجه الشدائد بعزيمة ثابتة فلا يتخاذل او يتراجع هرباً من مشاكله وإنما عليه مواجهتها بصبر و ايمان و ان يسعى بإرادة قوية نحو النجاح.

عمارةالمؤيد:

قررنا في عام (1961م) انا واخي عبدالرحمن بناء أول عمارة في البحرين يصل ارتفاعها الى 8 ادوار و قد استغرق بناؤها ثلاثة سنوات ولم تكتمل إلا في عام (1964م) اي بعد عام من وفاة والدي خليل رحمه الله الذي كان في شوق لرؤيتها كاملة لإنه استغرب الحفريات العميقة التي اقامها المهندسون بموجب التصميم لدعم ارتفاعها المطلوب وظلت عمارة المؤيد عدة سنوات كأطول بناء عمراني في البحرين.

.. (تنويه لمتابعى فصول الكاتبة سلوى المؤيد: لقد حدث خطاً في ترتيب الفصول وتم نشر آخر فصل قبل الأحداث التي قبله ).