عائشة أحمد المؤيد 
بنت البيت العود

فى يوم الجمعة يوم العائلة الأسبوعي تبدو أمي.. وكأنها نجمة تنير المكان وقد التف حولها الجميع،    ليستمتعوا بروحها المرحة الشابة.. الأحفاد قبل الأبناء.. يتبادلون معها الأحاديث والطرائف..  

كم من النساء فى البحرين لهن هذه الحيوية التي ال تعرف سنا, وهذا الذكاء لفهم طرائف أحفادها ومبادلتهم الأحاديث وكأنها في مثل أعمارهم.. كم عدد النساء البحرينيات اللواتي لا زلن يستفدن من وقتهن حيث تعمل بيديها على صياغة عقود جميلة لتتزين بها وتصر حتى سنوات قليلة مضت على خياطة ملابسها بنفسها.. بالإضافة إلى اهتمامها بالزراعة والقراءة وخلط الأعشاب لعمل أدوية تخفف عن الناس آلامهم وتشوفيهم.. وهي فاعلة للخير كل يوم بأشكاله المتنوعة.
أمي عائشة فى حياتنا كالشجرة السنديانة تظلل كل من حولها بحبها وحنانها وروحها الطيبة المتواضعة المدينة المتفتحة فكريا.. المحبة جميع الأديان والطبقات.. أبنائها وأحفادها وأبناء أحفادها يرونها مصدرا الأمن والدفء والحب الذي لا يعرف حدودا..يلتفون حولها بقلوبهم المحبة والداعية لها بطول العمر..

كانت عائشة أحمد المؤيد كإنسانة من خالل كونها إبنة ثم زوجة وأم وجدة وجدة مرة أخرى أبناء أحفادها ومواطنة قمة في العطاء المتدفق الصامت المخاص المتواضع ..ومثال لأبنائها في تواضعها وتدينها المستنير وصبرها وحبها لفعل الخير.. فأنا أعتبرها وكذلك غيري إمرأة مكافحة عندما وقفت إلى جانب زوجها وهو يبني مستقبله الناجح ليكون أحد مؤسسي تاريخ إقتصاد البحرين الحديث.. لذلك جلست معها و سجلت على أشرطة أحاديثها المتعلقة بالجانب الشخصي والعائلي و بعض من حياتها الزاخرة بالحب والعطاء .

 ثم ألتقى بها الكاتب علي صالح ليطلع على الكثري من جوانب حياتها و مساهمتها المجتمعية ويقوم بإعداد السرية بشكل احترافى، ثم قامت أختي منى بالإشراف على إخراج الكتاب ليصدر بهذه الصورة ، والتي أرجو أن يجد القارئ متعة فى قراءته والاستفادة منه.

عائلة المؤيد الجذور والمكانة

 التجارية و الاجتماعية

بني نجد وسواحل إيران ( فارس) العربية ثم البحرين مقرها الدائم والأبدي، ومن إسم عائلة »الرئاسة « إلى إسم عائلة »المؤيد« شقت هذه العائلة طويلا نحو تبوء مكانة الرئاسة الفعلية فى عالم التجارة والأعمال، وفى مجتمع وطنها البحرين الذي أقامت فيه علاقات متينة و متنامية مع الحكام و المسؤولين والتجار والشركات الأجنبية والمستثمرين، موزعة نشاطاتها واهتماماتها بني تنمية أعمالها وتثبيت مكانتها فى  السوقين المحلية والخارجية، والقيام بدورها الاجتماعي والإنسان.

بدأت الرحلة في عام 790هـ )1388 م( عندما هاجر الكثيرون من عرب نجد وبلاد العرب إلى ساحل فارس الجنوبي، والذي كان منذ قرون طويلة موطن الكثري من القبائل العربية هربا من مجاعة كبيرة حلت بسكان تلك البلدان واجبرتهم على المغادرة و الهجرة طلبًا للعيش والحياة الكريمة، وكان من هؤلاء القوم المهاجرين الرعيل الأول من هذه العائلة أو العشرية الذين وصلوا إلى الساحل العربي، ونزلوا فى من منطقة الدشتية برئاسة الجد الأول عبد الله  ونتيجة لذلك سميت العشيرة بالرئاسة، مع أنه كان ينتمي في الأصل إلي عشيرة المطير، التي ناسبت أكبر العشائر في ذلك الزمان

ومنها عشيرة آل مذكور، وقبيلة الجواسم التي تزوج منها أحمد بن إبراهيم.

وكما هو معروف فى ذلك الزمان سادت الغزوات وتعاقب الحكام والقبائل على بلاد  فارس والبحرين، إلى أن وصل الحكم إلى »الشيخ نصر« المشهور »إبن الشيخ غيث« الذي استعان أثناء غيابه بالرئاسة ومكن الرئيس مبارك إبن الرئيس »عبدالله بن حسن« كحاكم مطلق على ساحل »إيران العربية«، بشرط أن يدفع له مقابل هذا التمكين 60 ألف تومان سنويا

ولما لم يستطع دفع هذا المبلغ  قتله وهو أب لخمسة أطفال.

وعلى أثر هذه الفاجعة هاجر الوالد الرئيس عبدا لله بن حسن إلى كشكنار، وتحول نسب العائلة إلى كشكنار بعد أن كانت فى الأصل من دسبول، وتوالت التطورات والزيجات حتى ولد الجد إبراهيم الأول سنة 1220 هـ )1806 م( وكان أصغر من أخيه يوسف الشتر بسنتين،

وصولا إلى الرئيس مبارك أبن عم الجد إبراهيم الذي ربطته صداقة قوية بالشيخ عيسى بن علي حاكم البحرين آنذاك حيث إن الشيخ عيسى وجد من الرئيس مبارك كرما أثناء زيارته على بلاد فارس عمل بمثله عندما جاء الرئيس مبارك إلى البحرين ونزل عند ابن عمه أحمد إبراهيم الذى وصل البحرين سنة 1265 هـ 1849م.

تزوج أحمد إبراهيم بإبنة رئيس الهولة محمد حاجي، وهو من أشهر تجار البحرين، وهو كذلك صديق الشيخ أحمد بن علي بن عيسى حاكم البحرين، فأخذ أحمد إبراهيم يتاجر بإرشاد من عمه محمد حاجي، وبالفعل نمت تجارته وازدهرت وأصبح مشهورا فى تجارة الخشب الكبيرة وأول بغلة صنعها أسماها )العودة( وبنى الثانية سنة 1290 هـ )1873

م( وأسماها »المحمودية«، وكانت حمولة الواحدة منها 3000 جونية، وتقدم فى  تجارته وصار

داعما لأبناء جماعته إلى الحد الذي يشحن بضاعة الضعيف منهم بدون أجرة بل ويزيد عليها دفع مساعدة لمن يحتاج إليها.

وسار إبراهيم بن أحمد على نهج تجارة الشحن البحري فسافر أولا إلى عمان لشراء التتن و التبغ بعد أن أعطاه والده مبلغ 200 ريال و صاحبه فى سفرته رجل أعمال عثمان الزيانى وكان ذلك سنة 1287 هـ ) 1871 م(، ولما عاد إلى البحرين باع بضاعته وعادت عليه بربح وفير ، وقد شكر النواخذة سريته عند والده فزادت ثقته به، وصنع له بغلة ) سفينة( كبيرة حمولتها 2000 جونية وسافر بها إلى الهند وكان قبطانها بحرينيًا اسمه الحاج حسن من رأس رمان، وفى ذلك السفرة تعلم أصول القبطانية من هذا الحاج.

ولما استطاع أن ينجح فى رحلته هذه يصنع له بغلة " سفينة" ثانية أكبر من الأولى و أفضل وواصل نجاحه كرجل أعمال.

ونوالى سرد سير رجالات عائلة المؤيد الذين امتهنوا التجارة و نجحوا فى أنواع كثيرة منها كانت سائدة فى زمنهم وعلى رأسها تجارة اللؤلؤ، ونصل إلى الجد خليل إبراهيم المؤيد الذي ذهب إلى بومبي للمرة الأولى في سنة 1320 هـ )1903 م( من أجل الاطلاع والتعرف على عالم التجارة هناك فى سنة 1321 هـ 1904 م،  ذهب مرة أخرى إلى بومبي ومعه بضاعة صغيرة تبلغ قيمتها 500 روبية، وفي سنة 1322 هـ )1905 م( سافر إلى كلكتا وملبار ومعه بضائع من اللؤلؤ قيمتها أكبر من ذلك رغم صغر سنه، وسافر الطواشة ومعه مبلغ 25 ألف روبية، انتهى بمحصول وصل إلى 200 ألف روبية الأمر الذي جعله مولعا بتجارة اللؤلؤ وناجحا بصفقاتها.

وبالإضافة إلى امتهانه التجارة فقد عرف عنه أنه هو الذي أطلق لقب »المؤيد« على العائلة بعد أن استلهمه من صحيفة »المؤيد« المصرية المعروفة آنذاك، وكان ذلك بسبب المشاكل التي كان يسببها اختلاط الأسماء بينه وبين قريبه خليل بن إبراهيم ، والد إبراهيم خليل كانو) الذي كان يعمل في التجارة أيضا وأصبح لقبه رسميًا فيما بعد ( خليل إبراهيم كانو).

عرف خليل إبراهيم المؤيد أيضا بشخصية الإجتماعية و المثقفة و المنظمة إلى مجالسة الشعراء والأدباء، والساعية إلى العمل على تقدم الوطن والمجتمع البحريني، وكان أبرز إنجازاته فى هذا المجال مبادرته ومشاركته لجهود والمساعي التي بذلها عدد من رجالات البحرين للبدء بإنشاء المدارس ونشر التعليم في ربوع البلاد،

وقد ركزت هذه المساعي على الاولاد أولًا  ثم تواصلت لتشمل البنات، وتوجت جهودهم ببدء الحركة التعليمية رسميا عام 1919 م للبنين، والبنات عام 1928 م وفي سبيل تحقيق هذا الإنجاز انضم خليل المؤيد إلى لجنة من التجار برئاسة مجبل الذكير ويوسف أحمد كانو وعبدالله بن حسن الدوسري، وتوجهت هذه المجموعة إلى حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة بمجلسه، وأمام عظمته ألقى خليل المؤيد قصيدة جاء فيها:

أمولاي إن العـلـم فى  كل بـلـدة

أبهى واحيا كل من كان جاهل

عهدتك تـدري مـا به من فــوائد

 وعـــز و وآداب ويقظة كامل

فأولادك الأمجاد أول من يـرى

صنيعك هذا صالحا غير مائل

فما حمد إلا كريم زمانه

ومفر هذا العصم عز ونائل

محمدًا لا تسأله بالله حاجة

فكل جميل ترتجيه بفاعل

وأنتم منائي فى رجائي وفكرنى

وليس سواكم أرتجيه بفاعل

أريد بلادى أن تكون عزيزة

يرى صداها في جميع المحافل

ولدت من أبوين ينتميان الى عائلتين معروفتين والدي هو أحمد إبراهيم المؤيد، ووالدتي هي مريم الصحاف، كنت الإبنة الصغرى فى أسرتى الأخت الكبرى لطيفة ثم يأتي أخي مؤيد ثم أنا، وقد سمي أخي بإ سم مؤيد تيمنا بإسم عائلة المؤيد الذى أطلقه عليها وعلى نفسه كما -أسلفت - العم خليل إبراهيم. كان جدي من ناحية الأب هو إبراهيم بن أحمد إبراهيم ولد فى بيت خاله يوسف الشتر وتوفيت والدته أثناء الولادة وتكفلت به خالته فاطمة الشتر أم إبراهيم كانو، وقيل يومها أنه لبث في بطن أمه سبعة شهور فقط وفى رواية أخرى ثمانية شهور. ويروي العم خليل إبراهيم أحمد إبراهيم المؤيد أن والده كان ميمون الطلعة حسن المظهر قوي البنية معتدلا فى الطول كان محبوبًا عند الأقارب وغيرهم بسبب أدبه ورجاحة عقله، وقد شكا له عن معاملة زوجة أبيه وهي فاطمة بنت محمد حاجيه، ومما قاله فى شأنها أنه استاء فى بداية شبابه من هذه المرأة التي لم تحسن إليه وإنما كانت تعامله دوما بغض وعلى العكس من ذلك كان يحظى بحب والدة كثيرا .

سافر الجد إبراهيم إلى الهند مستعينا بالمبلغ الذي أعطاه له والده بصحبة صديقة عبد الله بن سلمان بوكمال حيث اشترك فى تجارة حطب النيبار وغيرها من الأخشاب ونمت تجارتهما، وفى نهاية المطاف لم يرث مبلغًا كبيرًا بعد وفاة والده، وما جمعه هو من مال تجارته فقد ذهب إلى اخيه حسن وليس إلى أمه التي تنتمي إلى عائلة حاجيه المعروفة بثرائها.