اعتدت في كل رمضان أن أقضي وقتاً في رحاب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عائلتي وبين أهل المدينة المنورة مسقط رأسي وأحب المدن إلى قلبي.. باعدت بيننا في سنوات طويلة مهام العمل والمسؤولية في باريس التي أمضيت فيها ما يقارب ثلاثة عقود ورغم ذلك لا أستطيع الصبر عن طيبة الطيبة فأظل في ترحال منها وإليها لأقبل جبين والدتي أطال الله في عمرها واستأنس بدعواتها التي تعد لي نوراً وضياءً ينير لي دروب الحياة ويخفف عني آلام الغربة.
في هذا الشهر غبت عن المدينة المنورة بسبب ظروف توقف رحلات الطيران ووجود الحظر الدولي الكامل على التنقلات باستثناء الرعايا التي وفرت لهم قيادتنا الرشيدة كل التسهيلات والإمكانيات للعودة إلى أرض الوطن، حيث بقيت أمارس أعمالي في باريس من بعد ووسط حظر متنوّع تم التكيّف معه بسبب ظروف الاحتياطات والاحترازات التي فرضتها كل الحكومات في العالم.
يملأ قلبي الحنين إلى المدينة ويكتظ قلبي بالشوق للصلاة في المسجد النبوي وأداء الصلوات وزيارة قبر نبينا عليه الصلاة والسلام وقضاء أجمل أيام العام في رمضان في مرابع المدينة الطاهرة لأنعم بالروحانية في جنباتها ووسط أحيائها وبين ناسها ولكني أعيش على أجمل ذكريات العمر وأحلى قصص الماضي التي احتفظ بها في ذاكرتي وأتذكر في رمضان تلك الأيام الجميلة التي قضيتها في طفولتي وشبابي في هذا الشهر ونحن نعيش في أحياء المدينة المنورة كأسرة واحدة وأتذكّر العادات المدينية في الضيافة الرمضانية وتبادل الأطباق بين الجيران وتناول الوجبات الشهيرة في المدينة والاستئناس بكل أجواء الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع المديني.
أيام مضت ولكنها في الذاكرة نتعايش معها فنتشرب الفرح وها هو الشوق العظيم يسكنني إليك يا طيبة الطيبة يا أجمل المدن وأرقى الأماكن وأسأل الله أن يجلي الغمة عن الأمة عاجلاً غير آجل وإني في شوق عظيم لن يوقفه إلا ملامسة ثرى المدينة والظفر بأول رحلة إليها بعد انقشاع الأزمة لأني لا أستطيع الصبر ولا أطيق البعد عن مدينتي الأولى ووجهتي المفضَّلة.