عندما يحكمُ القدرُ أن يموتَ الابنُ قبلَ والدِه ويكونُ له أبناءٌ.. هل من الإنسانيةِ أن يُحرمَ هؤلاء الأحفادُ من نصيبِ والدهم في تركةِ جدهم لمجرد أن والدَهم قد تُوفي قبلَ الجد.
هل من المعقول أن يقبلَ اللهُ سبحانه أن يُحرمَ هؤلاء الأحفادُ من تركة جدهم.. بعض الأبناء يعملون على تكوين ثروة آبائهم...دون أن يفكروا في بناء ثروة لأنفسهم إلا من مرتب شهري يتقاضونه من آبائهم..فهل يقبل الله سبحانه أن يعيش هؤلاء الأحفاد حياة محدودة الدخل فقيرة وأعمامهم يتمتعون بثروة جدهم لأن أباهم توفي قبل والده.
كيف يكون مستقبل هؤلاء الأحفاد المادي معلقا بموت والدهم.. ولا يعلم منا أحد متى يموت أحد الأبناء قبل والدهم.
قد يقول البعض إن على الجد أن يوصي بمال ابنه المتوفى لأحفاده منه والجواب على ذلك.. قد لا يعلم كل جد بالآية القرآنية الخاصة بضرورة التوصية قبل الوفاة لمن يريد أن يمنحه من مال قبل وفاته مثلما جاء في الآيات 180-181 في سورة البقرة (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين *فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم).
إذن فرضت الآيتان في سورة البقرة التوصية لغير المواريث من أقربائه وأقربهم إلى الجد أحفاده إذا توفي والدهم قبل جدهم ثم أقاربه أو أي مشروع خيري له يريد أن يخصص جزءا من ماله له قبل وفاته على أن لا يتجاوز الثلث.. وإلا سيعاقب يوم القيامة.
وكما نعلم فإن آيات الميراث للوارثين في «سورة النساء» تخص فقط الوارثين من الدرجة الأولى.. والحفيد الذي توفي والده قبل جده غير وارث لذلك لا تنطبق عليه آيات المواريث في سورة النساء من ناحية الوصية من الجد إلى الحفيد بعد وفاة ابنه.
إن العديد من الدول العربية مثل مصر وسوريا والأردن والعراق والكويت حافظت على حق الحفيد عند وفاة والده قبل وفاة الجد وذلك بتطبيق الآيتين 80ا و181 من سورة البقرة إذ يعد الحفيد بلا أب عند وفاة جده أقرب المقربين إلى الجد وسميت «الوصية الواجبة».
وهي تنص وجوب أحقية الأحفاد في ميراث أبيهم من جدهم تلقائيًا فهم من أقرب المقربين للشخص المتوفى.. ولا أدري لماذا كل هذا الرفض من شيوخ الدين في البحرين للوصية الواجبة رغم أن أول من أفتى بها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه لمنح الأحفاد حقهم من إرث جدهم لأن الإسلام يشجع على تطبيق الوصية لهم على ألا ينام الجد قبل القيام بهذه الوصية بعد وفاة ابنه لكي يحصل أحفاده من ابنه الذي توفي قبله عن طريق «الوصية الواجبة» وهم أقرب الأقرباء إليه وكان من الممكن أن يرثوا ثروته لو أن أباهم لم يتوفى قبله.
لقد أيد هذه الفتوى أيضًا الفقهاء المعروفون في الدين الإسلامي مثل «محمد بن جرير الطبري» وكان يعد إمام المفسرين والمؤرخين في عصره و«الفقيه الفيلسوف أبو داوود» و«الإمام ابن حزم الأندلسي الفيلسوف والفقيه المعروف» وغيرهم من علماء الدين الإسلامي.
لقد حاولت إقناع القضاة بأهمية تطبيق سورة البقرة الآيتين 180و181 المتعلقة بأهمية الوصية للأحفاد وذلك بتطبيق الوصية الواجبة للأحفاد الذين توفي والدهم قبل جدهم.. من خلال تحقيق قمت بكتابته في مجلة «البحرين اليوم» في عام 1975 لكنهم أصروا على الوصية الاختيارية.. بخلاف الشيخ المرحوم أحمد الصديقي.. والأستاذ خليفة البنعلي الذي كان رئيس مجلس الأمة آنذاك وكان هو أيضًا يسعى إلى تطبيق الوصية الواجبة في المجلس النيابي وفشل في ذلك بسبب تعنت رجال الدين في ذلك الوقت.. حيث وجدت معارضة شديدة من معظم القضاة المسؤولين عن القضاء الشرعي في ذلك الوقت رغم ما فرضه الله سبحانه على الجد ألا ينام ليلة بعد وفاة ابنه قبل أن يوصي لأحفاده بميراث أبيهم المتوفى.. وغير ذلك من الوصايا قبل موته حيث ذكر ذلك الرسول الكريم «ما حق امرؤ مسلم له مال أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه».
ويقول الفقهاء الذين أقروا بالوصية الواجبة أنه يمكن الجمع بين آيات التوريث من سورة النساء مع آيتي الوصية من سورة البقرة.. حيث ألغيت آيات التوريث حق الوصية للوارث لكن لم تغير من وجوب الوصية لمن لا يرث في سورة البقرة.. حيث جعل الله سبحانه وتعالى تلك الوصية فرضًا علي الجد لهؤلاء الأحفاد المتوفى أبوهم قبله.. ولذلك اهتم الفقهاء في الدول الإسلامية بوجوب تطبيق الوصية الواجبة.. أي تتحول تركة الجد الخاصة بالابن المتوفى تلقائيًا إلى أحفاده.
وحدث أن ظلم الأحفاد كثيرا لسنوات طويلة في البحرين بعدم حصولهم على تركة أبيهم بعد موت جدهم لأن الجد لم يوصي بذلك قبل موته لعدم تطبيقه الآيتين في سورة البقرة التي تلزم الجد بكتابة الوصية بعد يوم من وفاة ابنه.
ومن أجل ذلك أتمنى أن يقوم القضاء الشرعي في كلا المذهبين السني والشيعي في البحرين اليوم بتطبيق الوصية الواجبة حيث يذهب الميراث من الجد إلى الحفيد لأن الله سبحانه جعل الوصية فرضًا وتركها يحسب علي الجد ذنبًا أمام الله يوم القيامة بسبب إهماله كتابة وصية ليرث أبناء ابنه المتوفى قبل موته.