آخبار عاجل

كورونا : حكم الضعيف على القوي .. بقلم: عصمت الموسوي

05 - 06 - 2020 2:27 262

هذه تأملات في الجائحة الجديدة المستجدة التي اجتاحت العالم في غضون الشهرين الماضين وتسببت في خسائر اقتصادية وتحولات اجتماعية وسلوكية هائلة واحالت البشر الى كائنات خائفة ومرعوبة ومستريبة وفاقدة للثقة في الحاضر والمستقبل، والسؤال هو: هل كان العالم افضل قبل كورونا ؟ ثم هل سيكون افضل بعد كورونا ؟ بمعنى ان التغيير الذي احدثه كورونا سيرافقنا حتى بعد انتهاء الجانحة واستعادة حياتنا الطبيعية ؟
حسب المفكر الأمريكي آدم كيرتس فالعالم الغربي والسائرين في فلكه ومنذ زمن طويل ان هم الا مخلوقات مسجونة داخل القفص او الفخ المنصوب لهم بعناية كما اسماه وعرفه وشرحه في سلسلة اعماله الشهيرة المكتوبة والمرئية ) the trap ) واكبرها فخ الديموقراطية والحريات وحقوق الانسان وشعارات العدالة والمساواة والمشاركة ،وكل تلك المبادئ التي جرى الانقلاب عليها وتهميشها وعرقلة مسارها الصحيح والاستعاضة عنها بمؤسسات شكلية مفرغة من محتواها الحقيقي ، وضمن هذه المنظومة المحكمة تم اغلاق الأبواب والنوافذ على كل رياح التغيير القادمة من أي صوت مغاير ومختلف عن السائد والمألوف في كل مكان في العالم .
لماذا التغيير ما دمنا نعيش في افضل العوالم الممكنة وان كانت مصطنعة؟
 هل شاهد احدكم فيلم عرض ترومان ؟ يحكي الفيلم الذي قام ببطولته جيم كاري وصدر عام 1998 عن برنامج تلفزيوني يشاهده العالم ، اما بطل البرنامج فهو اخر من يعلم ،وحين يستيقظ ويدرك اللعبة وانه انه محاط بالكاميرات التي ترصد حركته وتسيطر عليه تماما منذ لحظة استيقاظه الى ان يغمض عينيه ، يفر هاربا من ميدان المراقبة ومن حياته المصطنعة ، فيلاحقه المخرج ويتوجه اليه بسؤال فلسفي مهم تلخص مغزى الفيلم ، الى اين تريد ان تذهب ؟  لقد خلقت لك عالما افضل واجمل من العالم الحقيقي الذي كنت ستعيشه ، فلماذا تريد التمرد عليه ؟
سيطر الاعلام الكوني الموجه على ادمغة البشر واقنعهم في ظرف شهرين انهم مهددون بالموت والفناء ، عزل الناس انفسهم خوفا ورعبا ، وفرض الامن سيطرته تحت مسمى حالة الطوارئ والسلامة الوطنية ،لكن العزلة الأكبر كانت لمن يطرح السؤال المغاير ، لمن يناقش ويستفسر ويربط ويحلل ، ان من يجرؤ على قرع الجرس او الاحتجاج او الاعتراض سيجد نفسه أيضا وحيدا وربما منبوذا وموضعا للسخرية وربما للمسائلة الأمنية وتشويش العامة والاستخفاف بالمحظورات الصحية ، فالآلة الإعلامية الضخمة الواقعة تحت سيطرة القوى العظمى هي من يدير اللعبة من الفها الى يائها ، وحتى المنظمات الدولية التي يفترض بها النزاهة والموثوقية لم تخلو من شبهات الفساد وتضليل الناس والانحياز لشركات الدواء والتكنولوجيا
وكي لا استرسل في التفكير وفق نظريات المؤامرة، اطرح السؤال من منظور آخر : ان كان كورونا جائحة حقيقية وليس لعبة خبيثة ذات مرامي واهداف ابعد من تصورات البشر الواقعون تحت السيطرة الإعلامية الكونية والفخ المحكم ،فإن هذا الوقت هو الأنسب للتفكر والتأمل وللبدء في التغيير والإصلاح ؟ لقد فتكت الأوبئة والامراض بالبشرية في الازمان المظلمة الغابرة ولكن ليس في الزمن المعولم الذي وعد البشرية بالجنة العلمية والتكنولوجيا المريحة والصحة والجمال والعمر المديد، فهل زاد الماء على الطحين كما نقول في امثالنا ففسد كل شيء وانهار كل شيء ؟ وأدرك الجميع ان اما صنعناه من بيئة فاسدة وارض يباب خربة وعلاقات مختلة يوشك ان يغرقنا جميعا، السنا في مركب واحد؟ من هم الناجين من هذه الكارثة بعد ان ساوى كورونا بين البلدان المتخلفة والبلدان المتطورة، الفقراء والاغنياء، المشاهير والمهمشون .
اول درس من كورونا ان البشرية تغرف من نبع واحد وتنتهي الى مصب واحد، وان ما نشاهده من اختلافات ان هي الا أمور مصطنعة ومفبركة وغير طبيعية ونتاج التربية الخاطئة والاعلام الموجه ، في جملة قرأتها ذات مرة ، ان كل الكائنات الحية على الارض تكبر وتنمو لتكون ذاتها عدا الانسان ينمو ويكبر ويتعلم ويتربى لكي يكون شيء آخر لا صلة له بأصله وفصله وانسانيته .
كرونا المنتشر والمتطاير سريعا يهدد الصحة في كل مكان، درس كورونا الاول والأخير، لكي تنتشل نفسك يجب ان تنتشلني معك ، واي بلد مصاب سواء كان قريبا او بعيدا يشكل خطرا على الجميع في ظل كوكبنا الذي تحول بفعل العولمة الى قرية كونية نتشارك فيها جميعا ،ان العودة الى العالم المتشابك المترابط الذي كنا نعرفه قبل كورونا لن يكون ممكنا دون الاستحقاق الإنساني الذي تأخر طويلا ، وهو إرساء مبادئ الديموقراطية الحقيقية والعدالة والسلام والرحمة والتضامن والمساواة والمسئولية والتشارك الحقيقي في السراء والضراء .
 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved