للأسف في هذه المرحلة الصعبة، سوف تضطر العديد من الشركات والمؤسسات للجوء لأسرع الحلول في الاستغناء عن موظفيها، فحالة الإغلاق التي تمت خلال الأشهر الماضية أوجعت أصحاب الشركات ووضعتهم أمام خيارات صعبة، إما تحمل الخسارة أو الاستغناء عن بعض الموظفين.
التحديات كثيرةٌ لمعالجة هذه المشكلة، وليس من السهل على أي دولة أن تضع الضوابط القانونية لوقف نزيف المتأثرين من أزمة كورونا، والحلول مهما كانت فهي حلولٌ مؤقتةٌ بحكم أن نهاية هذه الجائحة غير متوقعة قريباً، وغير معروفٍ متى تنتهي، وهذا ما يربك العديد من الشركات فتضطر لتسريح موظفيها، ما ينتج عن ذلك زيادةٌ في أعداد العاطلين عن العمل، وبالتالي تنزف جيوب العوائل وتضعها أمام ظروفٍ قاهرةٍ تزيد من صعوبة الجائحة.
بالنظر لهذه الصورة نجد أن الجميع متأثرٌ، الدولة وأصحاب رؤوس الأموال، والمستثمرين، والمجتمع، وتأثر أي فئة من هذه الفئات سيزيد من معاناة الفئات الأخرى، ولذلك يجب علينا التفكير في الحلول الممكنة للخروج بأقل الخسائر.
إن خسارة الموظفين أعمالهم ووظائفهم لا تعود بالسلب على الموظف نفسه، وإنما على الاقتصاد بشكل كامل، فكلما زادت نسبة العاطلين عن العمل زاد الخوف، والخوف هو العدو الأول للاستثمار وتدفق السيولة، ما يؤثر في القوة الشرائية التي تصل في النهاية للركود.
خلال السنوات الماضية صُرفت الملايين لتأهيل الموظفين وتدريبهم لكي يقدم الموظف أفضل ما لديه لصاحب العمل أو للمؤسسة أو حتى للقطاع الذي يعمل فيه، ولذلك نجد أنفسنا أمام خبرات مدفوعة الثمن، فهل نضيف تكاليف تدريبهم في قيد الخسائر، وما الذي سيحدث لو انتهت هذه الأزمة.
والتي ما إن نجد ذلك العلاج أو اللقاح ستتعافى الكثير من القطاعات، وحينها ستعود الشركات للتوظيف من جديد وتعيد نفس السيناريو من تدريب وتعليم، ومع كل أزمة ستستغني عن موظفيها وتستبدلهم بعد انتهاء الأزمة، وهذا يضع الشركات في دوامة كبيرة وعدم استقرار في تقديم خدماتها بالشكل الصحيح وخصوصاً في القطاعات التي تعتمد على كفاءة العاملين وخبراتهم مثل قطاع الطيران والضيافة والسياحة.
هناك العديد من الحلول الممكنة لكيلا تنزف شركاتنا ومؤسساتنا هذه الخبرات، ومن بين هذه الحلول الإجازة من دون راتب، أو التسريح المؤقت، أو حتى إعادة تدوير للقوى البشرية داخل الشركات، أو قيام الشركة بتغيير نشاطها مؤقتاً لكيلا تخسر موظفيها، وهذا ما قامت به العديد من الشركات، فقد وجدنا شركات سيارات تنتج الكمامات أو تقوم بتصنيع أجهزة التنفس.
إن من بين التجارب التي لفتت انتباهي في هذا الجانب، قيام بعض الشركات التي تحضر الخدمات اللوجستية لقطاع الطيران بتحضير ملايين وجبات المساعدات والمبادرات الخيرية الرمضانية، ومثل هذه التجارب تُعد ناجحةً جداً في إعادة تدوير الأعمال، وأيضاً قيام مؤسسة تاكسي دبي بتوظيف سائقيها ومركباتهم للعمل في خدمات التوصيل للمنازل، وهذا هو الاستغلال الأمثل للقوى العاملة ومنع تسريب خبراتهم أو اللجوء لتسريحهم، فبهذه الحلول وفرنا لهم عملاً مؤقتاً يتناسب مع طبيعة خبراتهم ومن دون أن نخسرهم أو يخسرونا.
إن مسالة إعادة تدوير القوى العاملة تتطلب إدارة مدركة لإمكانات موظفيها، وقدرةً عاليةً على اقتناص الفرص المتاحة بدلاً من اللجوء للخيارات التقليدية في خفض أعداد الموظفين والعمال، ودولتنا، ولله الحمد، تجيد أدوار إعادة التدوير.
فقد أتاحت للشركات ووفرت لهم منصات لعرض موظفيهم لكي تستفيد من خبراتهم شركات وقطاعات أخرى على أن تتحمل هذه الشركات المستفيدة تكاليف وأجور هؤلاء العاملين، كأن دولتنا تقوم بإعادة تدوير للخبرات، وهذا بحد ذاته إنجاز وفرصة كبيرة أمام الجميع، ولكن ربما تخاذلت بعض الشركات من القيام بهذا الدور، ولم تجد نفسها إلا أمام خيار واحد؛ الاستغناء عن الموظفين.
في الأزمات تظهر الفرص، ونحن اليوم أمام فرصةٍ جوهريةٍ لتغيير مفاهيم العمل والعمالة، ونغير من القوانين المنظمة للعمل والتوظيف لنجعلها أكثر مرونة وأكثر قدرة على تحمل الصدمات، فبتوفير منصاتٍ تعمل على توفير البيانات الخاصة بأعداد العاملين وخبراتهم وتقوم بدور إعادة تدوير لهذه الخبرات وتسهل من عملية تنقل هذه الخبرات حال وجود أزمات، ستسهل الكثير من العواقب التي نمر بها مع كل أزمة، وهذه رسالتي لوزارة الموارد البشرية والتوطين بأن تستحدث منصاتٍ دائمة لإعادة تدوير القوى العاملة في القطاع العام والخاص تمكننا من مواجهة أي صعوبات مستقبلية.