تُصنف اتهامات التهرب الضريبي، فى الدول المتقدمة، بالمُشينة أخلاقيًا، لذا، يسارع الأفراد والمؤسسات لإثبات التزامهم، وربما زاد بعضهم وأرسل لمصلحة الضرائب شيكًا إضافيًا، بعد مراجعة داخلية لحساباته. ترسخت ثقافة سداد الضرائب فى وجدان عموم المواطنين الغربيين، يرونها واجبًا مقدسًا، إن تقاعسوا عنه عجزت الدولة عن أداء التزاماتها، فى المقابل يطالب المواطن بحقوقه كاملة.
وقد لا تستطيع الشرطة القبض على مجرم لغياب الإدانة، لكنها تعتقله إذا تهرب ضريبيًا، رغم السجل الإجرامي لآل كابوني وتورطه في أعمال قذرة خلال ثلاثينات القرن الماضي، أخفقت الشرطة في إدانته، فظل طليقًا، حتى أثبت المحققون تهربه الضريبي وإخفاءه بيانات عن دخله، عندها قُبض عليه وأرسل إلى سجن الكاتراز، المعروف بإجراءاته الأمنية المشددة. وفى عام 2008 استقال رئيس شركة سامسونج الكورية وكذلك أربعة من نوابه، على خلفية إدانتهم بذات التهم، فيما اضطر رئيس وزراء آيسلندا، ديفيد جونلوجسون، للاستقالة بعد الزج باسمه فى قضايا مماثلة، ولم تمنع الحصانة المخولة للرئيس ترامب القضاء من بحث ادعاءات صحيفة نيويورك تايمز بتهربه الضريبي، وفى مجال الرياضة، ألزمت محكمة إسبانية لاعب كرة القدم الأشهر، ليونيل ميسي، بسداد غرامة بلغت 2 مليون يورو، ثم عادت وبرأته بعد جولة استئناف.
من حصيلة الضرائب تحدد الدول خطط إنفاقها الداخلية والخارجية، الدعم والأجور والخدمات المجانية للمواطنين تدفعها الضرائب، تكلفة رصف الطرق وشبكات المياه والاتصالات تسددها الضرائب، كما تسدد فارق التكلفة بين حصة اشتراك المواطنين فى برنامج الرعاية الصحية والقيمة الحقيقية للخدمة، وتنفق منها على التعليم المجاني، وغيرها من برامج الرعاية الاجتماعية والخدمية، أيضًا يُخصص جانب من الضرائب كمنح لبعض الدول، سواء لاعتبارات الأمن قومي أو توطيدًا للمصالح المشتركة.
اعتمادًا على خلفيتها الاقتصادية والقانونية، تحمل مارجريت فيستاجر، نائبة رئيس المفوضية الأوربية، على عاتقها تحرى سلوك الشركات الكبرى من حيث الممارسات الاحتكارية والالتزام الضريبي داخل دول الاتحاد الأوربي، فى عام 2017، نجحت في استصدار قرار ألزم شركة أمازون بدفع 250 مليون دولار لحصولها على ميزة ضريبة غير عادلة من لوكسمبورج واستخدامها بيانات عملائها فى تسويق منتجاتها، وفى عام 2018 وقفت مع المنافسين الأوربيين ضد جوجل مما كبد الشركة غرامة مالية بلغت خمسة مليارات دولار لمخالفتها شروط التنافسية الحرة وتوظيف نظامها، أندرويد، لتشغيل الهواتف المحمولة على نحو يضر منافسيها، الأمر الذى جعل من فيستاجر سيدة تخشاها شركات وادى السليكون الأمريكية، ويصفها الرئيس ترامب، بأنها تكره الشركات الأمريكية، وأن خلف القضايا المثارة من جانبها ضد شركات فيسبوك، وجوجل، وغيرهما دوافع تجارية، بهدوء نفت ذلك وقالت إن الأمر يتعلق بتطبيق القانون.
سبق لمارجريت، ابنة الريف، تولي ثلاث حقائب وزارية فى الحكومة الدنماركية، أولاها وهى فى عمر التاسعة والعشرين، عُرفت خلالها بشخصيتها القوية وعمق اطلاعها وتصديها للممارسات الاحتكارية، مما حدا بالرئيس الأمريكي أن يطلق عليها لقب "سيدة الضرائب"، خاصة بعد قضيتها الأكبر مع شركة آبل والتي انتهت بإلزام الشركة دفع 13 مليار يورو للحكومة الايرلندية، لكن آبل لم تُذعن للقرار، هاجمت فيستاجر فى عقر دارها، بروكسل، مقر المفوضية الأوربية، واستأنفت ضد الحكم، ستة عشر شهرًا من الشد والجذب دون كلل من الجانبين، انتهت بالحكم لصالح آبل وإلغاء الغرامة، فى هدوء لملمت مارجريت ابنة الخمسين عامًا شعرها الفضي القصير وعقبت (سندرس الحكم بعناية ونفكر فى الخطوات التالية)، جميل ألا ترضخ للهزيمة، والأجمل احترام القانون، تُرى ما الخطوة القانونية التي ستقدم عليها مارجريت.