آخبار عاجل

أزمة واحدة وثقافات مختلفة .. بقلم :د محمد مصطفى الخياط

04 - 08 - 2020 2:33 637


اختلفت ردود فعل الدول تجاه فيروس كورونا، من تحفظ اتباعًا لمبدأ قيراط وقاية ولا فدان علاج، إلى إفراط، اعتمادًا على مناعة القطيع واتباعًا لمبدأ الاقتصادي آدم سميث، دعه يمر دعه يعمل. حاز السيناريو الأول على الأغلبية، أغلقت معظم الدول حدودها البرية ومجالاتها الجوية والبحرية، وزاد بعضها فأغلق قريً ومدنًا داخلية. تباطأ الاقتصاد، وغيرت مؤشرات النمو اتجاهاتها الإيجابية، وكسا البورصات اللون الأحمر، وواجه الاقتصاد العالمي أعراض موت سريري. 
خمسة أشهر، كانت كفيلة بتركيع العالم، لتجد الدول نفسها فى معركة من أجل البقاء، صعب أن تقف فى الما بين. أعادت الدول حساباتها، قارنت بين المكسب والخسارة، خففت ألمانيا إجراءاتها وتعجلت إسبانيا مرور الأيام، ودبت روح المرح ونكهة القهوة الفرنسية فى شوارع وطرقات باريس، فيما غردت السويد خارج السرب ثقة فى التزام مواطنيها.
بشكل غير مباشر، عبر التزام الشعوب عن تراكيبها الثقافية، طبقات جيولوجية ترسبت بعضها فوق بعض؛ تعليم، دين، ثقافة شعبية مَزجت بين الأساطير والعلم، وأخلاط من هنا وهناك صنعت وشكلت ما نعرفه مجازًا بالهوية، بصمة فريدة لا تتكرر بين الدول، ربما تشاركت فى بعض من ملامحها، لكنها أبدًا لا تتكرر.
تتطور هوياتنا وتنمو مثل الأشجار، نسقيها بتجاربنا وقيمنا الشخصية، وتلك المكتسبة من الوسط المحيط؛ المعارف والجيران والبيئة، ليتولى كل منا تهذيبها وتشذيبها، فإما رَدَ بعض الأغصان النافرة ردًا جميلاً، فصنع إنسان يتسق مع ناموس الكون، أو أهملها وتركها وشأنها تتمدد دون انتظام، فلا ظلاً صنعت ولا وردًا طرحت ولا ثمرًا وهبت.
على إثر تبعات كورونا، تداولت وسائل الإعلام صورًا لطابور من الأمريكيين اصطفوا لشراء أسلحة، وعندما سئلوا عن السبب، أعربوا عن خشيتهم ارتفاع مستوى الجريمة جراء ارتفاع نسبة البطالة ولجوء البعض للعنف للحصول على الطعام أو المال، رد فعل يكفله الدستور الأمريكي ويتماشى مع ثقافة دولة تبحث عن المواجهة، فإن لم تجد من تتحداه اخترعته، لا يذكر السيد ترامب الفيروس إلا ويصفه بالصيني، وعندما وجد الأمور تهدأ قليلاً، رفع الستار عن حربٍ تجارية تراوح بين البرودة والسخونة. نفس ردة الفعل المتوجسة حدثت فى لندن، أصاب الهلع بعض سكانها فتكالبوا على شراء احتياجاتهم من المحال التجارية، وكانت النتيجة أعمال عنف وشغب.
فى المقابل أغلقت الصين على نفسها الأبواب، عزل المواطنون أنفسهم عن كل ما يحيط بهم، والنتيجة فيروس تحت السيطرة، فعدد الوفيات للمليون شخص لم تتخطى ثلاثة أشخاص، فيما تخطت الثمانمائة فى بلجيكا وحوالي الستمائة فى إيطاليا، ربما كان للثقافة الكلمة العليا. يتحرك المليار ومائتى مليون صينى كشخص واحد، كتلة واحدة، فيما تتحرك الشعوب غير الملتزمة فى اتجاهات تتساوي بعدد سكانها.
يعلق الجميع الآمال اليوم على مختبرات البحث العلمي، البحث عن أي حل، دواءً كان أم مصلاً أم لقاحًا، لا أحد يسأل عن نسبة الشفاء، فالجميع يعلم أن إدراك الآثار الجانبية للعلاج المنتظر لن تُكتشف قبل مرور عامين على الأقل من استخدامه، حسمًا للأمر، اشترت الحكومة الأمريكية الإنتاج المتوقع خلال الأشهر الثلاثة المقبلة من عقار ريمديسيفير، من الشركة الـمُصنعة، تاركة للعالم البحث عن بديل، أمام الخوف من المجهول يصعب التنبؤ بردود الأفعال.
بلا شك، هناك دور كبير سيلعبه التكوين الثقافى للشعوب وتراتبية طبقاته خلال المرحلة القادمة، سوف تحدد ردود فعل المواطنين مسارات الدول، ومستوى مرونة اقتصاد تتنازعه تحديات شتي تتقدمها الصحة ومن خلفها قضايا تتعلق بالمصير، كالمياه والحدود. حفظ الله الوطن
 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved