آخبار عاجل

الباب الثالث.. مجتمع البحرين المعرفة والمعايشة .. ما بين المؤيد والصحاف .. قصة عائشة بنت البيت العود

15 - 08 - 2020 12:53 4407

 

 

 

 

لا أتذكر التاريخ الذي بدأت فيه أهتم باوضاع مجتمع البحرين وأرصد تطور العلاقات بين الافراد والعائلات سواء في فترات الهدوء أو أيام الازمات والمشاكل والمحن لكنني استطيع أن اقرر أن هناك الكثير من التطورات السلبية والايجابية مرت بها البحرين خلال السنوات من أوائل الثلاثينيات إلي أواخر الاربعينيات من القرن الماضي وإن شعب البحرين تعامل معها بوعي وبتلاحم بين افراد المجتمع بجميع فئاته الغنية والفقيرة .

كوني أنتمي إلي عائلة معروفة ومن موقعي في البيت العود والبيوت الاخري التي انتقلت لها استطيع أن اقول إنني عايشت الكثيرين من الناس والعائلات وتعرفت علي احوالهم وتجاوبت مع افراحهم واتراحهم واستجبت لطلباتهم وساهمت بما استطعت في تلبية حاجات المجتمع لاادري إلي أي حد أنا موفقة ساقوله الآن لكنني اري أن البيت العود كان في كثير من الاحيان بمثبة صورة مصغرة لمجتمع البحرين فيه يلتقي ابناء المجتمع من نساء ورجال واطفال فبوابة هذا البيت مفتوحة علي الدوام وزواره في الاوقات العادية لا ينقطعون عن الدخول والخروج طوال اليوم فنساء الحي بل نساء المنامة واحياناً أبعد منها يأتون إلي بيتنا كل صباح تقريباً مصطحيات اطفالهن يجلسن علي شكل مجموعات في فناء البيت مع نساء البيت وكل مجموعة في زاويتها تمارس عملاً أو هواية أو يقمن بصناعنة عقود المشموم والياسمين وتبادل الحديث النسوي حول العلاقات الزوجية وكل واحدة تزايد علي الاخري في ابراز نفسها ومكانتها لدي زوجها الذي لا يمكنه الغياب عنها ليلة واحدة .

وبينما النسوة ينشطن بالاحاديث وبالخياطة والتطريز وانواع المأكولات الي تتقنها كل واحدة منهن ينتشر الاطفال في حوش البيت العود يلعبون ويتنقلون بين الداخل والخارج ويستمر الحال كذلك حتي تتمدد الشمس وينحسر الظل عندها تقوم النساء باخذ اطفالهن معهن ويغادرن إلي بيوتهن وهن يرددن عبارة واحدة سأذهب لاطبخ الغداء قبل أن يعود زوجي إلي البيت .

ما كان يثلج صدري دائماً وأنا أشاهد واعايش هذا الجمع من النساء اللواتي يتدفقن علي البيت العود هو أنهن خليط من بنات العائلات الفقيرة والغنية فمنهن من جئن لطلب المساعدة أو العمل أو بيع ملابس ومنتجات غذائية وتجميلية ومنهن القادرات والراغبات في الشراء وفي التعاطف والتضامن مع نساء الحي والمجتمع المحتاجات أو عارضات بيع السلع المختلفة .

وهو منظر يعبر عن علاقات حميمة وشعور بالعيش المشترك وبذوبان الفوارق وبحاجة كل واحدة للاخري وقيام هذه الاخري بواجبها تجاه جارتها وابنة حيها ومجتمعها ، يتجسد ذلك في لقاءات البيت العود وفي اوقات اخري عندما تقوم نساء البيت العود بارسال ما تجود به انفسهن من مأكل ومشرب ونقود إلي بيوت العائلات الفقيرة في الحي والاحياء البعيدة وكما قلت سابقاً فقد كان الناس في المنامة وربما في مناطق اخري من البحرين يعيشون جميعاً متحابين لايفرق بينهم دين أو مذهب أو عرق أو طائفة وبالنسبة لنا كان بعض اليهود عائلات وافراداً من اصدقاءنا بيوتهم تحيط ببيتنا من كل جانب بل أن عائلتنا - عائلة المؤيد - شاترت البيت العود من يهودي وقد شرحت من قبل كيف يتوافدون علي بيتنا في الفترة الصباحية وخاصة صبيحة يوم السبت في هذا اليوم يصبح بيتنا هو بيوتهم ويصبح البيت العود مصدراً لاعداد وتوزيع وجبات الفطور عليهم .

بيتنا ايضاً كان ملفي لاعداد من النساء الايرانيات اللواتي يسافرن إلي البحرين علي سفن الشحن التي تأتي من ايران والتي تنقل الكثير من البضائع الايرانية إلي ميناء أو فرضة المنامة الملاصقة تقريباً للبيت العود ، وعندما يحدث الجزر تنزل النساء الايرانيات من السفن وقد حملن ملابسهن وحاجياتهن الخاصة علي رؤوسهن ويعبرن إلي البر وعندما يسألهن الحرس أو الشرطة من أين أتين يكون جوابهن: كنا نغسل ملابسنا في البحر بما يوحي أنهن كن في البحرين ولم يجئن من خارجه.

 بوابة البيت العود المفتوحة دائماً هي التي تصبح امام النساء الايرانيات بعد عبورهن السيف فيدخلن إلي البيت ويعرضن القيام بأي عمل مقابل حصولهن علي بعض الدعم والمساعدة واحياناً يمكثن فترة طويلة يخدمن فيها واحياناً يتفرقن في انحاء المنامة ويمررن بالبيت العود بين الفترة والاخري باعتباره الملفي والملاذ الأمن لهن .

 البيت العود والعمارات القريبة والمجاورة لعمارة عائلة المؤيد كانت ملاذاً لعرب النجادة من الرجال الذين يأتون من مناطق الجزيرة العربية ويتجمعون في هذا المكان ويمكثون فيه لايام وربما اسابيع بانتظار بدء موسم الغوص وركوب سفنه التابعة لافراد من عائلة المؤيد وغيرهم من الذين يسيرون حملات  الغوص للبحث عن اللؤلؤ هؤلاء الرجال من النجادة يتفرقون في النهار بالاسواق يبحثون عن رزق لهم في المساء يعودون إلي امكانهم ومعظم أيام مكوثهم يكونون ضيوفاً علي البيت العود.

والواقع أن اغلب العائلات البحرينية الكبيرة في ذلك الوقت كانت تطلق علي بيوتها ( البيت العود)وكانت تشهد الكثير مما يشهده بيتنا العود غير أن هذه البيوت تختلف بينها فيما يتعلق بالمساحة والاتساع وبوجود الحوش الكبير الذي يلعب فيه اطفال العائلة والاطفال الذين يزورونه بصحبة أمهاتهم وأذكر أن من البيوت الكبيرة التي لم يكن بها حوش كان بيت كانو وقد تولي بيتنا العود سد هذا النقص باستقباله لاطفال بيت كانو للعب مع اطفالنا فالبيوت في حي الفاضل حيث نحن وغيره من احياء المنامة كانت مفتوحة والتزاور بين أهلها يكاد لا ينقطع .

 البيوت الكبيرة عادة ما تكون لعائلات من التجار لكن هذه العائلات لاتنسي مسؤوليتها الاجتماعية تجاه العديد من العائلات الفقيرة التي كانت تسكن بيوت مبنية في معظمها من سعف النخيل وتنتشر وسط الاحياء هذه العائلات الفقيرة وعلي الاخص النساء منها يأتين إلي البيت العود والبيوت المماثلة لطلب المساعدة من مال وغذاء وملابس كما إننا نقوم بتوصيل المساعدات لهم في اوقات ومناسبات معينة طوال العام بالاضافة لتردد الرجال علي محلات وعمارات التجار أما لطلب العمل أو طلب المساعدة .

الغوص واللؤلؤ

وعلي ذكر الفقر والغني في مجتع البحرين الذي عايشته أري أن شعب البحرين باكثريته اندفع نحو الغوص للبحث عن اللؤلؤ كل ذهب يبحث عن رزقه في البحر ومن مختلف الاعمال والمستويات الاغيناء بنوا واقتنوا سفناً سيروها في موسم الغوص لصيد اللؤلؤ وبعد انتهاء الموسم تحول هذه السفن وجهتها إلي الهند تحمل اللؤلؤ المصطاد إلي اسواقها لتبيعه باغلي الاثمان وتعود من هناك محملة بمختلف البضائع والسلع من مواد غذائية إلي مواد بناء إلي مستلزمات المنازل والافراد حيث ينقلها أصحاب السفن إلي مخازنهم ( البخاخير) وإلي عماراتهم ومحلاتهم .

وأتذكر أن وصول سفن الغوص في نهاية موسمه يحظي باستقبال غنائي حافل من النساء والاطفال علي وجه الخصوص ومن أشهر مايرددون من تلك الاهازيج والاغاني اثناء الانتظار القلق لوصول سفن الغوص وعليها البحارة هذه الاغنية التي تغني بشكل جماعي :

توب توب يابحر ، توب توب يا بحر ، اربعة والخامس ظهر 

توب توب يابحر ، توب توب يابحر، هات عيالنا من البحر

توب توب يابحر ، ما تخاف من الله يابحر . ما تخاف من الله يابحر

يانوخذاهم لاتصلب عليهم . يانوخذاهم لاتصلب عليهم

 تري حبال الغوص قطعت ايديهم

توب توب يابحر ، توب توب يابحر

ياليتني فوق الدقل حمامة ، ياليتني فوق الدقل حمامة

 ابشر ياغواص بالسلامة ، أبشر ياغواص بالسلامة

 ياليتني ادهينه وادهن ايديهم ، ياليتني ادهينه وأدهن أيديهم

ياليتني خيمة واظل عليهم ، وياليتني خيمة وأظل عليهم

والنسوة اللواتي يصدحن بهذه الاغنية وغيرها قبل وصول سفن ومراكب الغوص بأيام ويقمن بالاحتفال بوصول الازواج والابناء وغيرهم من افراد العائلات الذين التحقوا بمراكب الغوص زرافات ووحدانا يقمن ايضاً بتجهيزات كثيرة استعداداً لهذا اليوم الموعود يوم وصول الاعزاء والاحباء سالمين فيقمن بتنظيف البيوت وترتيبها وخياطة الملابس لهن وللعائدين المنتظرين وتجهيز مستلزمات الزينة المتوفرة بانواعها من طحن الحناء والرشوش ودق السدر وشراء المشموم والياسمين والبخور .

 

 وما أن تصبح السفن قريبة الوصول حتي تبدأ بالتزين ولبس الجديد ووضع الحلي ودهن شعورهن بالرشوش وتعطيرها ومن ثم تطفيرها وتعليق المشموم علي ضفائرهن. وبالطبع فكل هذه الاستعدادت وكل هذا الشوق والحنين لا يكون للقلة من أصحاب السفن وقادتها ( النواخذة) وإنما هو اولاً للغالبية العظمي التي وصلت في بعض المراحل إلي عشرات الالاف من البشر الذين وجدوا أنفسهم إما أن يدخلوا لغوص أو يموتون جوعاً بسبب التسكع في الشوارع الفارغة من أي عمل النساء يستبلن إذا الغيص والسيب والمجدمي ومن يقوم بصيد المحار ومن يرفعه إلي سطح السفينة ومن يقوم بفلق المحار أي فتحة والبحث في جوفه عن اللآلئ ومن يطبخ و(ينهم ) يغني وغيرها من الاعمال الكثيرة التي تتم في البحر وعلي سطح السفينة منذ يوم ( الدشة) حتي يوم ( القفال) العودة.

فكل بيت في البحرين تقريباً كان مفتوحاً بفضل ما يحصل عليه رب البيت وربما أولاده الكبار من دخل يأتيه من موسم الغوص سواء المقدم الذي يحصل عليه قبل السفر أو الذي يتبقي ويدفع له بعد العودة وبالطبع يخصم منه كل المبالغ التي استدانها قبل واثناء الموسم ،بقي هذا الحال في الثلاثين سنة السابقة للتحول والتغيير اللذين حدثا بقدوم ضيف جديد ومنقذ ومغير للاحوال هو النفط الذي تفجر في ربوع البحرين عام ١٩٣٢لتصبح أول دولة خليجية منتجة للنفط.


 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved