لم يكد يمر شهر من إطلاق مسبار الأمل إلا وأن اتبعته الدولة بمسبار السلام هكذا ببساطة الإمارات تختار السلام وهذا نهج قادتنا عبر العصور، وقد حظي الاتفاق الثلاثي الإماراتي الأمريكي الإسرائيلي بتأييد دولي كبير. هذا التأييد يؤكد على أهمية الاتفاق والبنود التي يحتويها ولعل من أهمها إيقاف ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية. كما أن هذا التفاعل الدولي سواء كان من قبل المنظمات الدولية كمنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أو من قبل المجتمع الدولي وعلى رأسه الدول الكبرى ودول المنطقة، يؤكد على أهمية الثقل والتأثير الإماراتي في المنطقة، ودور الدبلوماسية الإماراتية الفاعلة والمؤثرة في الكثير من القضايا ليس في المنطقة فحسب بل في العالم مما مكنها من كسب ثقة المجتمع الدولي في تحركاتها وقراراتها.
إن التأييد الدولي لهذا الاتفاق يعطينا مؤشر برغبة معظم دول العالم في الوصول لتحقيق السلام الشامل في العالم أجمع، حيث أنه لا يوجد نظام سياسي طبيعي إلا ويعي أهمية تحقيق السلام والحفاظ عليه، ويأتي التأييد الدولي للاتفاق كونه خطوة جريئة وشجاعة تدعم وتساهم في تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد صراعاً مستمراً أكمل حتى الآن أكثر من سبعة عقود.
وبلا شك فإن الاتفاق يحمل الكثير من الفوائد لما يحتويه من بنود وتأثير مباشر للوضع في منطقة الشرق الأوسط في كافة المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية بالإضافة الى المجال التكنولوجي، ومن المتوقع أن تعزز هذه الخطوة من النمو الاقتصادي. ومن خلال قراءة بعض تعليقا المحللين السياسيين نجد أن الاتفاق الثلاثي يعتبر بداية مرحلة تاريخية جديدة، بل ربما يكون بداية لعصر القرارات الشجاعة ونهاية لعصر الخطابات الرنانة وحرق الصور والإطارات التي لم تحقق شيئاً يذكر ولم تستفد منها الشعوب وكذلك الشحن العاطفي الذي لا يغني ولا يسمن من جوع.
هذه الخطوة الإماراتية المؤثرة تعطينا مؤشر على أن المرحلة القادمة هي مرحلة تطبيق بعض المفاهيم التي اشبعت تعريفاً وتحليلاً من الناحية النظرية كمفاهيم التعاون والتعايش والتكامل، والتي لا يمكن تحقيقها من دون تحقيق وتطبيق السلام العادل بين دول وشعوب المنطقة وبرغبة صادقة من الأنظمة السياسة يثبتها الواقع والقرارات السياسية والنتائج الملموسة.
إن العاقل يعي تماما أن السلام خيار استراتيجي لا بد منه ولا خيار بديل عنه، لذا رأينا تسابق الأنظمة السياسية الطبيعية لتأييد الاتفاق بل وتشجيع الدول الأخرى لتتخذ خطوات شجاعة كالخطوة الإماراتية الشجاعة، وهذا يدل على رغبة دولية حقيقة لنشر السلام بين الدول والشعوب ويعلمون جيداً ما هي النتائج والآثار الإيجابية التي تتحقق بوجود السلام. ومع أننا لا نريد التطرق كثير للمعارضين للاتفاق ولا يهمنا اعتراضهم حيث أنه يأتي لعدة أسباب معروفة وواضحة لدينا رغم وجود علاقات تربطهم مع إسرائيل معلنة من بعضهم، إلا أن الروابط المشتركة بين الدول المعارضة للاتفاق هو تدخلهم في الشأن العربي وانتهاك سيادة بعض الدول العربية ودعمهم للمليشيات الإرهابية التخريبية في عدد من الدول العربية مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا وحتى البحرين.
ما يهمنا الآن ببساطة هو أن تضع الحكومات العربية المصلحة العليا أولا، وتسعى لتحقيق رغبات الشعوب من التنمية والأمن والاستقرار ويكفي ما مضى من متاجرة بالقضايا لتحقيق اهداف حزبية أو شخصية، يجب أن تعي القيادات السياسة أننا في عصر يختلف تماما عن عصر الخمسينيات أو الستينيات من القرن الماضي، أي أن هذا العصر ليس عصر الخطابات الفارغة ولا الكلمات الرنانة التي تشحن العواطف وتهيج المشاعر. نحن اليوم في عصر يتطلب من الحكومات والقيادات السياسية في المنطقة العربية أن تعمل بواقعية وأن تقرأ الحاضر بوضوح كما هو وأن تستشرف المستقبل ببصيرة، وأن تضع أولويات ومصالح الدولة والشعب أولاً، وتتخذ قرارات شجاعة من دون النظر أو الالتفات للأصوات النشاز، فالأمانة والمصداقية تحتم عليهم اتخاذ قرارات مصيرية شجاعة، وأهم هذه القرارات قرار الاتفاق والتعاون لتحقيق السلام، وأعيد وأكرر إن السلام خيار استراتيجي إلا انه يحتاج لقادة عظماء يتخذون قرارات شجاعة لمصلحة شعوبهم وأمتهم، وأن يتعلموا من مدرسة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بمواقفه التاريخية الشامخة التي تضع مصلحة الشعوب ومستقبل الأجيال فوق كل اعتبار، ومن القادة الذين يعملون لخير البشرية ولا أساس أقوى من السلام يمكن البناء عليه نحو مرحلة تحتاجها جميع الشعوب ..وإلى العلياء سائرون.