انتصرت إرادة السلام واستراتيجية الاستقرار ضد رغبات دعاة الحروب ومفجّري الأزمات.. لم يكن من بد سوى الاستجابة لصوت العقل في ليبيا وأنّات الشعب المكتوي بلظى المرتزقة والميليشيات، والذي يحلم ليل نهار باستعادة دولته المفقودة منذ سنوات تسع.. فرض السلام نفسه بفعل وقوف مناصريه في خندق واحد، لإنجاز وقف إطلاق النار والبدء الفوري بدخول المسار السياسي، بما يقود إلى تثبيت الأمن في كل ربوع الدولة الليبية.
لقد اختط إعلان القاهرة المسار للاتفاق الذي تمّ التوصّل إليه بين طرفي النزاع، فيما مثّل الخط الأحمر المصري «سرت - الجفرة» ركيزة التحوّل الذي عاشه المشهد الليبي، بعدما أجبر الوفاق وميليشياتها ومرتزقة أردوغان على التراجع عن خيار الحرب، بل أنهى كذلك مطامع تركيا التي لا تخطئها عين في الوصول إلى مناطق إنتاج النفط والسيطرة عليها ومن ثمّ التحكم فيها لإنقاذ اقتصادها المتداعي.
أصبح الطريق ممهداً الآن أمام الليبيين لبدء التحوّل وتدشين مرحلة سياسية تبني مؤسسات الدولة وتعيد بناء البلاد التي أنهكتها الحرب، وتحقيق مصالحة وطنية شاملة تجمع الليبيين على كلمة سواء.
لعل الخطوة بإعلان وقف إطلاق النار تفتح باباً طالما أصرت «الوفاق» ومن خلفها تركيا على جعله موصداً في وجه الانفراجة، باباً يتمثّل في التوصّل إلى اتفاق دائم وشامل عبر مساري التفاوض العسكري والسياسي.
بدأت ليبيا بعد طول اقتتال مرحلة جديدة من تاريخها، إلّا أنّ التحدي الحقيقي والشرط الرئيس لتحقيق الأمن والاستقرار في ربوع البلاد، مرهون بتفكيك الميليشيات وإخراج المرتزقة من الأراضي الليبية، تمهيداً لبسط الجيش الوطني نفوذه على كامل البلاد وتحقيق الأمن والاستقرار والذي يظل أهم مطلوبات الاستقرار السياسي المنشود وتحقيق متطلبات الانتقال نحو الدولة المدنية وما تتطلبه من استحقاقات وعلى رأسها وغ دستور للبلاد وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي تعيد الأمانة إلى أهلها المتمثلين في الشعب لاختيار قادتهم ومن يثقون معهم بأن ليبيا الغد في أيدٍ أمينة. ويرى خبراء أن ليس أمام تركيا من سبيل سوى الخروج من المعادلة الليبية وترك الليبيين يقررون مصيرهم بأنفسهم، وسحب مرتزقتها من البلاد، ونسيان أوهام الوصاية والتخلي كذلك عن مطامعها في ثروات ليبيا.
ووفق المعطيات، أدرك معسكر الرهان على الحرب، أن لا خيار سوى الانصياع لصوت العقل الذي لا مناص منه، وأنّ الرهان على الميليشيات والمرتزقة يظل رهاناً خاسراً وفي غير محله، بعد أن أوقف الخط الأحمر المصري في سرت والجفرة هذا العبث وبعث برسائل لا لبس فيها أن أي محاولة للاقتراب من هذا الخط يتمثّل تجسيداً حرفياً للمثل العربي ذائع الصيت: «على نفسها جنت براقش».