في الوقت الذي تزدهر فيه تجارة المعقمات والمنظفات والكمامات في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد وما أحاط بها من إجراءات صحية لمحاصرة انتشار المرض، يحاول بعض مرضى النفوس كسب الأموال على حساب صحة البشر من خلال تقليد هذه المنتجات الحساسة جداً وترويجها بالأسواق، رغم ما يشكله ذلك من خطر على صحة الأفراد وتلاعب بمنتجات صُنعت بالأصل لحمايتهم لا أن تكون هي مصدر الخطر.. خبراء وأطباء سلطوا الضوء على هذه المشكلة وطالبوا بتطبيق عقوبات رادعة على أصحاب المصانع والمروجين والتجار الذين يقومون ببيع مواد طبية مقلدة ومعقمات، الأمر الذي يعتبر مظهراً من مظاهر الغش التجاري من خلال قيام مصانع بتقليد ماركات عالمية شهيرة في مجال المنظفات والمعقمات الطبية والكمامات الواقية وبيعها بأسعار زهيدة، مؤكدين أهمية إحكام الرقابة وتكثيف حملات التفتيش على الأسواق والمحلات التجارية التي تقوم ببيع سلع مقلدة.
أعلنت دائرة التنمية الاقتصادية في عجمان ضبط 5 مصانع تقوم بتقليد سلع من بينها المنظفات إضافة لمصنع لإنتاج زيوت المركبات وبلغ إجمالي مبالغ السلع التي تمت مصادرتها وإتلافها خلال النصف الأول من العام الحالي 21.5 مليون درهم، بينما طالبت مراكز تجارية كبرى بضرورة تطبيق إجراءات رادعة على المحلات التجارية التي تقوم بعمل حملات تجارية زائفة وعرض سلع مقلدة تضر بصحة وسلامة الناس. كما طالب الخبراء بتطبيق تشريعات رادعة لكبح جماح جشع التجار واستغلالهم لجائحة كورونا وطرح سلع مقلدة تتعلق بصحة وسلامة المستهلكين بأسعار زهيدة.
فرض غرامات
وأكد عبدالله أحمد الحمراني، مساعد المدير العام لشؤون التسجيل الاقتصادي والرقابة في دائرة التنمية الاقتصادية في عجمان اهتمام وحرص الدائرة اتخاذ الإجراءات القانونية وفقاً للقرار الأميري رقم (13) لسنة 2015 بشأن إصدار لائحة المخالفات والغرامات، ويشمل القرار مخالفة وغرامة المنشآت الاقتصادية التي تقوم ببيع وترويج السّلع المقلّدة والمغشوشة، وفرض الغرامات التي أقرّها القانون.ولفت لقيام الدائرة بتنظيم العديد من الحملات التوعوية للمستهلكين لتوعيتهم بممارسات بعض التجّار غير المشروعة.
وكشف عن ضبط مصنعين مؤخراً قاما بتقليد العلامات التجارية، حيث قام المصنع الأول بإنتاج زيوت محرّكات سيارات مقلّدة، وبلغت القيمة السوقية للبضائع المصادرة 20 مليون درهم، وصادرت الدائرة حوالي 100 ألف عبوةّ تحمل علامات تجارية عالمية مشهورة، في حين تمت مداهمة المصنع الثاني أثناء قيامه بإنتاج مستحضرات غسيل وتنظيف مقلّدة ويأتي ذلك من حرص الدائرة على حفظ حقوق كل من المستثمرين من أصحاب العلامات التجارية والملكية الفكرية وحماية المستهلكين.
تكثيف الرقابة
وحول المحلات التي تخصصت في بيع سلع مقلدة بأسعار زهيدة وكيفية الرقابة عليها، أفاد الحمراني بأن الدائرة تقوم بتكثيف الحملات والزيارات التفتيشية على الأسواق لمراقبة المنتجات والبضائع، وتباشر إجراءاتها في حالة وجود منتجات وبضائع غير مدوّن بلد المنشأ عليها أو تحمل بيانات غير صحيحة أو مضلّلة، وغيرها.
وفيما يخص بيع سلع بأسعار زهيدة، لفت إلى أن ذلك لا يدل بشكل مؤكد على أن السلعة مقلّدة أو مغشوشة، ويأتي ذلك ضمن إطار التنافس في تقديم منتجات بأسعار مقبولة وفي متناول الجميع، ولأغراض التسويق، والخيار متروك للمستهلكين.
وعن الجهود التي تبذلها الدائرة من حماية المستهلكين من مخاطر الغش التجاري أكد الحمراني أن الدائرة تُنفّذ وتنظّم حملات توعوية للمستهلكين عن مساوئ استخدام أو استعمال بضائع مغشوشة وغير مطابقة للمواصفات والمقاييس الإماراتية، وما تتسبّب به من أضرار على الصحّة والمجتمع والبيئة، ويتم الإعلان عن الضبطيات التي تقوم بها الدائرة عبر مختلف وسائل الإعلام.
وحول مطالبة البعض بأهمية تشديد العقوبة بدل الغرامة البسيطة على المتلاعبين بصحة أفراد المجتمع. أفاد بأن الدائرة تقوم بتطبيق أشد العقوبات التي تنص عليها القوانين لردع من تخوّل له نفسه بالمساس بأمن وسلامة المجتمع وذلك بمضاعفة قيمة الغرامات في حالة تكرار المخالفة للمرة الثانية، ويحق للدائرة إغلاق المنشأة لمدة لا تزيد على ستة أشهر، وحجز ومصادرة وإتلاف البضائع التي يتم ضبطها، وإلغاء الرخصة الاقتصادية.
إجراءات قانونية
وعن الإجراءات التي تتخذها البلدية عند ضبط سلع مقلدة، ذكر المهندس خالد الحوسني، المدير التنفيذي لقطاع الصحة العامة والبيئة في دائرة البلدية والتخطيط: تستند الدائرة بإجراءات التفتيش والرقابة على السلع المتعلقة بالصحة العامة على فرق التفتيش الميداني حيث يتم استلام البلاغات والشكاوى والملاحظات من المتعاملين والشركات ومن خلال زيارات المفتشين الدورية للأسواق ومن ثم يتم التحفظ على السلع بمستودعات المنشأة والتحري عن مصدر السلع المعروضة.
وأوضح أنه يتم الاطلاع على فواتير الشراء وأذونات الاستيراد وسحب العينات اللازمة للتحاليل المخبرية لضمان اعتماد السلع قبل دخولها الدولة والحفاظ على صحة وسلامة المجتمع.
وبيّن أن العقوبات التي تطبق على المخالفين تختلف وفق الإجراءات القانونية تجاه المنشأة المخالفة ونوع المخالفة ودرجة الخطورة وتأثيرها على الصحة العامة للمجتمع والتي تتدرج من مخالفة مالية ومضاعفة المخالفة المالية وإغلاق المنشأة، إلى مصادرة البضائع وإتلافها وفق الإجراءات المعتمدة بالإمارة والتي تندرج ضمن اللوائح والقوانين المعتمدة.
وشدد الحوسني على أن عمليات الرقابة تتم بشكل مستمر على الأسواق ضمن خطط الرقابة والتفتيش بقسم الرقابة الصحية حيث يختص فريق بالرقابة على الشحنات المستوردة من خارج الدولة وضمان تسجيل واعتماد تلك الأصناف قبل دخولها للدولة لضمان صحة وسلامة الجمهور، كما يقوم فريق اعتماد شهادات البيع الحر للمواد الاستهلاكية والذي يتطلب مطابقة المصانع للإجراءات الصحية والبيئية وفق المواصفات واللوائح المعمول بها بالإمارة والدولة، ويقوم فريق التفتيش الميداني بمتابعة تلك السلع بمنشآت البيع والتداول مثل المجمعات الاستهلاكية وشركات بيع المواد الاستهلاكية لضمان الالتزام باشتراطات تداول وعرض تلك السلع ضمن المواصفات واللوائح المعتمدة للحفاظ على صحة وسلامة المجتمع، مؤكداً أن الدائرة تطبق لائحة العقوبات والإجراءات ضمن القوانين واللوائح المعتمدة والتي تستند فيها قيمة المخالفة على نوعها وخطورتها وتأثيرها.
حماية المستهلكين
وأكد عبيد الشامسي، عضو مجلس إدارة جمعية الإمارات لحماية المستهلكين اهتمام وحرص الجمعية بحماية المستهلكين عن طريق التعاون مع وزارة الاقتصاد والدوائر المحلية، مشيراً إلى أن الجمعية تستقبل شكاوى المستهلكين وتقوم بدورها برفعها ومتابعتها مع الجهات المعنية لاسيما أن أغلبية الشكاوى تتمحور حول رفع الأسعار، لافتاً إلى أن دور الجمعية مكمل لدور الجهات المعنية في الرقابة والمتابعة، مطالباً بأهمية تشديد العقوبات على المقلدين الذين يستغلون جائحة كورونا بطرح سلع مغشوشة، مطالباً بمنح جمعية الإمارات لحماية المستهلك حق الضبطية القضائية. وأشار إلى أن جمعية الإمارات لحماية المستهلك تنظم العديد من أنشطة التثقيف عبر الإذاعات المحلية والصحف لرفع الوعي بين المستهلكين وكيفية الحفاظ على حقوقهم، كما تقوم بنشر الثقافة والتوعية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أن مكافحة صور الغش التجاري المختلفة تتم عبر تطبيق قوانين رادعة وإحالة المقلدين إلى النيابة العامة، كما يجب عدم السماح بعرض سلع رديئة في الأسواق وإحكام الرقابة.
وأشار سامي محمد شعبان المدير التنفيذي لجمعية أسواق عجمان إلى أهمية عدم انسياق المستهلكين خلف الحملات التجارية الزائفة التي تقوم بعض منافذ البيع بعرضها من خلال أصناف سلع بأسعار غير معقولة ويتوجب الشراء من منافذ البيع الكبرى التي تتعامل فقط مع الوكلاء، لافتاً إلى أن جمعية أسواق عجمان تقوم بعرض السلع المختلفة من الوكيل مباشرة ولا يتم التعامل مع الشركات التي تقوم بعرض سلع لعلامات تجارية غير مسجلة وذلك لحماية المستهلكين وحفظ حقوقهم.
وأكد أهمية التزام المصداقية من أصحاب منافذ البيع المختلفة بعدم عرض سلع تحتوي على فترة صلاحية قليلة ويتم عرضها ضمن حملات ترويجية، مشيراً إلى أهمية إحكام الرقابة على منافذ البيع المختلفة من اجل السيطرة على الأسواق وعدم وصول سلع مقلدة لا سيما السلع الصحية والغذائية. وأشار إلى أهمية تطبيق عقوبات رادعة على أصحاب المحلات التجارية التي تقوم ببيع سلع مقلدة قد تضر صحة وسلامة المستهلك.
وأفاد الدكتور إبراهيم كلداري، استشاري وأستاذ الأمراض الجلدية بكلية الطب جامعة الإمارات، بوجود مخاطر صحية من استخدام المنظفات والمعقمات المقلدة على صحة وسلامة المستهلكين، مشيراً إلى وجود مواد فعّالة في تركيبة المنظفات المختلفة تقوم بقتل البكتريا والفيروسات وتوضع بنسب محددة، موضحاً أن بعض تلك المواد قد تصل إلى الدم، عبر امتصاص الجسم لها، فمثلاً مادة الفينول، في حال استعملت بتركيز قوي، تحدث اضطرابات في القلب، كما أن استخدام المواد المطهرة غير المسجلة لدى الجهات الرقابية يسبب حروقاً سطحية وحساسية للجلد ويسبب نوعاً من الاكزيما. ونصح عند استخدام المعقمات المختلفة بغسل اليدين قبل تناول الطعام لعدم وصول بعض المواد الضارة التي تحدث أمراضاً إلى المعدة، لافتاً إلى أهمية شراء المطهرات والمنظفات من الصيدليات أو الجمعيات الكبرى للتأكد من عدم الغش. وأبدى كالداري استغرابه من حرص المستهلكين على شراء الماركات من إكسسوارات مختلفة وعدم الاهتمام بشراء المواد الصحية والطبية من ماركات معروفة ومسجلة.
مضبوطات بالملايين
ضبطت دائرة التنمية الاقتصادية في عجمان أحد المصانع يقوم بإنتاج مستحضرات غسيل وتنظيف مقلّدة تحمل علامات تجارية لشركات عالمية بقيمة مليوني درهم وتمت مصادرة 700 ألف عبوة معبأة وعبوات فارغة، وحجز الآلات المستخدمة للتصنيع والتعبئة والتغليف، وذلك بعد عمليات البحث والتحرّي الميداني، وتمت مخالفة وإغلاق المصنع على الفور واتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة.
وأغلقت الدائرة خلال شهر أبريل الماضي مصنعين بعد ضبط كميّة كبيرة من المُعقّمات الطبية المغشوشة بلغ عددها ما يقارب 40000 عبوة، وتُقدر قيمتها بنصف مليون درهم، وتبيّن بعد إزالة الملصق الدعائي عنها أن المنتج الأصلي عبارة عن بخّاخ مُعطّر للجسم وليس مُعقّماً طبياً كما يتم الترويج له، وتمت مصادرة البضاعة المغشوشة، وسحب المنتج من منافذ البيع.
وتمكّنت إدارة الرقابة وحماية المستهلك في الدائرة من ضبط مصنعين ومحلين غير مرخّصين خلال شهر مارس الماضي، يعملان على تصنيع كمامات مغشوشة ومجهولة المصدر لا تحتوي على اسم بلد المنشأ، بالإضافة إلى أنها مخالفة للمواصفات والمقاييس المعتمدة في الدولة، مستغلّين الوضع الراهن.