آخبار عاجل

الرجل الشرقي والفنان (2-2) بقلم : د محمد مصطفى الخياط

28 - 08 - 2020 12:22 481

يتحدث يوسف إدريس في روايته البيضاء عن قصة حب نشأت بين طبيب مصري شاب، يحيي، وفتاة أجنبية، سانتي، التقاها فى أحد المؤتمرات بالخارج، انتهت بالزواج والإقامة معه فى مصر، لكن الحب الذى اشتعل فجأة انطفأ، أيضًا، فجأة. تغيرت مشاعر يحيي تجاه حبيبته، صار أكثر نقدًا لها؛ آرائها، ملابسها، وردود فعلها العفوية مع أصدقاءه، بخلاف غيرة وشك ينهبان عقله وقلبه. فى الجانب الآخر، يمضي يومه موزعًا بين عمله كطبيب فى ورش السكة الحديد، وكاتب فى صحيفة أو أكثر فى المساء، خلاف عمله السياسي السري، ليعود إليها منهكًا بعد منتصف الليل، فيما هي تجلس وحيدة تأكلها الغربة وتعزلها اللغة عمن حولها، لينتهي الأمر بعد عدة شهور بالانفصال وعودتها إلى بلدها.

ربما كانت رواية البيضاء الأكثر جدلاً بين إصدارات إدريس، اختلف النقاد حول مضامينها العاطفية والسياسية؛ هل هي سرد ذاتي، وهل فعلاً تزوج إدريس بأجنبية ثم انفصلا، أم أنها شهادة إبراء ذمة من ميوله السياسية اليسارية آنذاك. من هذه الزاوية راح الدكتور إيمان يحيي يبحث في حقيقتها، متقمصًا دور بَحَاثة صَبور، ومنقب تاريخ مجتهد، سبع سنوات من التقصي والبحث أصدر بعدها روايته؛ الزوجة المكسيكية.

سافر إدريس ضمن وفد مصري لحضور مؤتمر أنصار السلام في فيينا عام 1952، أوقعته الصدفة مع فتاة تشير ملامحها إلى أصولها اللاتينية، سجلت العيون أنه لن يكون اللقاء الأخير، قبل انتهاء المؤتمر تقدم يوسف إلى روث طالبًا يدها، لم يكن قد مر على لقائهما الأول سوي أيام قلائل سمحت بمعلومات سطحية عن حياة كل منهما، حتى أنه لم يعرف أن الرجل العجوز الذي طالما وجدها تقف معه بين جلسات المؤتمر هو أباها، ديجو ريفيرا، أشهر رسامي الجداريات فى العالم.

وحدهما مضيا فى طريق الزواج، تجاهل يوسف دعوات زملاءه بالتريث، وتغافلت هى عن تحذيرات أبيها من اتخاذ قرار سريع يترتب عليه تغيير حياتها بالكلية؛ انتقالها للعيش فى القاهرة، عدم المعرفة الكاملة بزوجها، اختلاف الثقافات، ما يشاع عن تعرض اليساريين للملاحقة، أمام تصميمها عرض عليهما العيش معه في المكسيك، لكنهما آثرا خوض التجربة.

في إطار حَكي تشويقي يكشف الدكتور إيمان اللثام عن تفاصيل ارتباط إدريس بروث، عبر طالبه أمريكية من أصول مصرية تُعد بحثًا عن يوسف إدريس وتكتشف من خلال اطلاعها على منشورات بلغات مختلفة تفاصيل حياتهما معًا وما تلي الانفصال من أحداث؛ كانت روث أول مهندسة معمارية في المكسيك، تقلدت العديد من المناصب المحلية والعالمية رغم حياتها القصيرة، إذا توفيت في سن مبكرة، بعد ما تزوجت ثانية وانجبت.

أحب يوسف روث لكن حبه للكتابة كان أكبر، قالت عنه (عندما يكتب يتحول إلى كائن آخر، يشوح بيديه، يتحدث مع كائنات غير مرئية، ولا يقبل أن يشغله شيء)، قال لها، (في اللحظة التي أشعر فيها أنك تُعِيقِين فني سأتركك)، صدمتها صراحته وأنانيته المفرطة، لم تجد فيه الرجل الذى وقف يطلب يدها في فيينا فتركت من أجله كل شيء ومضت معه.

تشابه كبير يربط بين أحداث روايات البيضاء/الزوجة المكسيكية من ناحية ورمال ناعمة لدرية الكرداني من ناحية أخرى، فى جميعها عاش الرجل حياتين منفصلتين، الأولى الفنان المشهور المنغمس في عمله، الباحث عن التميز والتفوق، والثانية الرجل الشرقي بامتياز؛ سريع التقلب صعب المِراس، يقول الدكتور إيمان يحيي فى روايته (مع مرور الأيام ذهبت سكرة الحمى، وبقيت ألفة الاعتياد، ومع التعود يموت تدريجياً أي احساس بالدهشة).

 

 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved