كان خبر وفاة ياسر عرفات صدمة على جميع العرب.. على الصديق والعدو، فكيف يموت ذاك الشخص الذي اعتاد أن يكون "سيد النجاة" كما أطلق عليه الشاعر محمود درويش، وكيف يقضي نحبه عجوزًا ضعيفًا على فراش المرض، بعد أن صمد واقفًا تجاه الكيان الصهيوني مكرسًا حياته لقيادة النضال الوطني الفلسطيني، مطالبًا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
كان أمس، الاثنين، الذكرى الـ14 على رحلة أبو عمار الأخيرة مغادرًا من رام الله، المعقل الذي تعرض فيه لحصاره الشديد والشهير من قبل جيش الاحتلال بسبب موقفه الصارم من القضية الفلسطينية، وهو نفس المقر الذي تعرض فيه لضغوط شديدة من جانب عدوه اللدود، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، آرئيل شارون، والرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش، الذي طلب تشكيل قيادة فلسطينية جديدة، وهو ما حصل بالفعل وتنازل عرفات عن بعض صلاحياته لرئيس الوزراء محمود عباس أبو مازن.
وسرعان ما بدأت صحة أبو عمار في التدهور، في يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2004 ظهرت أولى علامات التدهور الشديد لصحته، بيد أنه أصيب كما أعلن أطباؤه بمرض في الجهاز الهضمي، وقبل ذلك بكثير، عانى عرفات من أمراض مختلفة، منها نزيف في الجمجمة ناجم عن حادثة طائرة، ومرض جلدي (البرص)، ورجعة عامة عولجت بأدوية في العقد الأخير من حياته، والتهاب في المعدة أصيب به منذ 2003.
في تلك السنة شخص الأطباء جرحًا في معدة أبو عمار وحصى في كيس المرارة، ما جعله يعانى ضعفًا عامًا وتقلبًا في المزاج، فعانى من تدهور نفسي وضعف جسماني.
بعد أن حصل على ضمانات لعودته إلى الوطن من رئيس وزراء إسرائيل آنذاك أرئيل شارون، الذي كان يتحين أي فرصة لإبعاده من فلسطين ومن الحياة السياسية، ومن الحياة، بدأت رحلة أبو عمار العلاجية في يوم 29 أكتوبر 2004 بعد تدهور خطير في صحته، وقامت بعد ذلك طائرة مروحية بنقله إلى الأردن ومن ثم أقلته طائرة أخرى إلى مستشفى بيرسي في فرنسا.
وظهر أبو عمار على شاشة التلفاز مصحوبًا بطاقم طبي، وقد بدت عليه معالم الوهن مما ألم به، وفي تطور مفاجئ، أخذت وكالات الأنباء الغربية تتداول نبأ موت عرفات في فرنسا وسط نفي لتلك الأنباء من قبل مسئولين فلسطينيين، وقد أعلن التليفزيون الإسرائيلي في 4 نوفمبر 2004 نبأ موت الرئيس عرفات سريريًا وأن أجهزة عرفات الحيوية تعمل عن طريق الأجهزة الإلكترونية لا عن طريق الدماغ.
وفي فجر ليلة 11 نوفمبر، عاش المستشفى أجواءً متوترة ومشحونة، وكان الوفد الفلسطيني الذي يضم محمود عباس أبو مازن وأحمد قريع ونبيل شعث وروحي فتوح، قد تحرك قبلها من رام الله إلى باريس، لمتابعة الحالة الصحية لأبو عمّار والتي كانت تزداد سوءًا يوما تلو الآخر.
وبعد مرور عدة أيام من النفي والتأكيد على الخبر من مختلف وسائل الإعلام، سرعان ما أعلنت الأجهزة الموصلة بجسد أبو عمّار التوقف عن العمل ليتأكد قاضي قضاة فلسطين من وفاة زعيمهم ويعلنها بشكل رسمي، يوم 11 نوفمبر 2004.
وقد دفن في مبنى المقاطعة بمدينة رام الله بعد أن تم تشييع جثمانه في مدينة القاهرة، وذلك بعد الرفض الشديد من قبل الحكومة الإسرائيلية لدفن عرفات في مدينة القدس كما كانت رغبة عرفات قبل وفاته.