آخبار عاجل

الباب الثالث.. قصة عائشة .. ما بين المؤيد والصحاف .. قصة عائشة بنت البيت العود

02 - 09 - 2020 4:14 4322


 وهكذا وكما إندفع أهل البحرين بالمئات والآلاف ومن جميع المدن والقري نحو سفن الغوص باحثين عن أرزاقهم فعلوا الشيء ذاته مع تدفق النفط وتأسيس شركة نفط البحرين (بابكو) .

 أكتشف النفط في البحرين عام ١٩٣٢ م ، وقتها كانت طفلة لم يتجاوز عمري ٦ سنوات وكما كنت أقف علي سيف البحر مع النساء والاطفال للإحتفال باستقبال العائدين من الغوص فقد بدأت أسمعهم يتحدثون في البيت عن الغاز الذي طلع في البحرين وأن الكثيرين من الناس ذهبوا للعمل في شركة الغاز( بابكو).

 وفي وقت لاحق من عمري تفتحت علي  معلومات جديدة وكثيرة، عرفت مثلاً أن أكتشاف النفط وتأسيس شركة نفط البحرين جاء بمثابة إنفراج وفاتحة خير بالنسبة لشعب البحرين وخاصة الذين عانوا كثيراً من الذهاب إلي الغوص ، فهو بالنسبة لهم كان مغامرة قد يعود منها المرأ وقد لايعود ، وهو كذلك لا عائد مادي منه ،فداخل الغوص يعيش حياته دائماً مديناً، وما يحصل عليه من دخل مالي لايكفي معيشته ومعيشة عائلتة ، بالاضافة إلي قساواة الحياة في البحر وعلي متن السفينة أكثر من أربعة شهور وتقبل أوامر وجزاءات النوخذة .

وعرفت ايضاً أن اكتشاف النفط أعقبة مباشرة انحسار عصر اللؤلؤ، أو بداية إنحساره علي الاقل أولاً لظهور اللؤلو الصناعي الشبيه باللؤلؤ الطبيعي والارخص ثمناً وثانياً لتناقص  الذين يرغبون في الذهاب إلي ( الغوص) المغاصات نظراً لتحولهم صوب شركة النفط ، فقد أخبرني تاجر لؤلؤ من عائلتنا أن عدد من سفن الغوص في عام ١٩٣٢م وهو العام الذي تدفق فيه النفط من حقل البحرين كان ٤٥٦ سفينة أحجامها مختلفة أبحر علي متنها ١٦٦٥٠ بحاراً توجهوا إلي مغاصات اللؤلؤ وعادوا بصيد وفير من اللؤلؤ قدر ثمنة بمبلغ ٦ ملايين و ٨٤٠آلف روبية .وبالمقارنة حسب رواية التاجر نفسه فإن عدد سفن الغوص انخفض في عام ١٩٤٠م إلي ١٩١ سفينة أبحر عليها ٨٠٠٠ بحار فقط أي اقل من نصفهم في عام ١٩٣٢م وعادوا بمحصول في نهاية الموم قدر ثمنه بمبلغ ٥١٥ ألف روبية فقط سفن الغوص انخفضت في عام ١٩٥٠م إلي ٩٤ سفينة وبحارتها لم يزيدوا علي ٢٠٠٠ شخصا واستمر هذا التراجع حتي عام ١٩٥٥م حيث يعتقد أن موسم الغوص قد تلاشي تماماً فلا وجود لبحارة ولا سفن مستعدة للإبحار ولا صيد وبالتالي ليس هناك دخلاً مجزياً يوازي التعب والمغامرة والمصروفات.

لكنني أري أيضاً أن ما حدث وما أصاب الغوص وتجارة اللؤلؤ من كساد ومن تحول جموع البشر عنها صوب صناعة النفط هو تطور كبير لكنه طبيعي في حياة شعب البحرين وفي بحثه عن مصادر كسب عيشة فالانسان البحريني فضل كسب رزقه من العمل في البر علي البحث عنه في غياهب البحر ، كما أن هذا الانسان وجد أن ما كان يكسبه من عمله خلال موسم غوص يزيد علي أربعة شهور يستطيع أن يكسبه في اسبوعين من عمله في شركة النفط بالاضافة إلي ضمان عودته إلي بيته وعائلته كل يوم وبعد ٨ ساعات من العمل .

 التحول من اللؤلؤ إلي النفط اخذ معه إذا أكثر من ٨٠٠٠ بحريني ونقلهم إلي اعمال جديدة وتعلموا حرفاً لم يكونوا يعرفونها من قبل وواصلوا التدريب والترقي حتي الوصول إلي مراكز أعلي ومكسب مالي أكبر في شركة النفط تخصص البحرينيون في كثير من الاعمال وتعلموا واتقنوا مهناً لم تكن معلومة في مجتمعهم من قبل الكثير منهم تفوق في تدربه وعمله في البحرين وأرسلته الشركة إلي الخارج لمواصلة دراسته وزيادة تخصصه والبعض منهم ارسلته الشركة في وقت لاحق إلي دول اخري للمساهمة في تطوير انتاج وتكرير النفط لديها.

وإلي جانب هذه المعايشة لعصر اللؤلؤ ثم عصر النفط فقد عاصرت ايضاً تعامل التاجر البحريني مع تجارة اللؤلؤ من خلال ماعرفته من خلال أبي وعمي خليل ابراهيم الذين كانت لهم الريادة في هذه التجارة من بناء السفن إلي الابحار صوب مغاصات اللؤلؤ إلي بيع المحصول من اللؤلؤ في الهند وغيرها من البلدان.

 كما عاصرت وعايشت زوجي يوسف المؤيد وهو يبدأ تجارنه مع شركة النفط في بداياتها ثم وهو يطور هذه التجارة ويوسعها مع هذه الشركة من خلال استيراد المواد والمعدات اللازمة لعملها فقذ اعتمدت شركة بابكو ومنذ بداية عملها علي تجار البحرين في تزويدها بما تحتاج من داخل البحرين ومن خارجها واستمرت في تطوير علاقتها مع تجار البحرين ومنهم يوسف المؤيد حتي اعتمدتهم وكلاء للشركات المصنعة والمنتجة في الخارج، وأصبحت بابكو لاتشتري من شركة أجنبية إلا من خلال التجار- الوكلاء البحرينيين فكبرت تجارة هؤلاء التجار وزاد دخلهم

التعليم بجهود أهلية

  ومن التعبير عن معايشتي للحياة المعيشية والعملية لمجتمع البحرين إلي تطور أكبر وأهم هو الوعي بأهمية التعليم وضرورته لبناء صرح التقدم البشري أولاً وتقدم الوطن ثانياً فكما علمت في مرحلة لاحقة من حياتي وسمعت من كبار رجال عائلة المؤيد أن الوعي بحاجة البلاد لافتتاح المدارس ونشر التعليم بدأمبكراً بين الاهالي الذين تنادوا في حوالي عام ١٩١٧م للاجتماع بحاكم البحرين آنذاك الشيخ عيسي بن علي آل خليفة ومطالبته بدعم افتتاح أول مدرسة للبنين .

 الفكرة تحمس لها وتبناها الشيخ عبد الله بن عيسي آل خليفة وعدد من تجار واعيان المحرق والمنامة بينهم عمي خليل المؤيد الذي ذهب مع وفد من هؤلاء للاجتماع بالشيخ عيسي بن علي آل خليفة واخذ موافقته علي افتتاح هذه المدرسة وفي ذلك الاجتماع القي عمي خليل قصيدة اشاد فيها بدور العلم في نهضة الشعوب واثني علي الشيخ عيسي كداعية لنشر التعليم وأسفر اللقاء بحاكم الحبرين عن مباركته لانشاء المدرسة ودعوته وفد التجار والاعيان القيام بحملة تبرعات لبناء المدرسة وأعلن رحمة الله عن تبرعه بقطعة أرض لاقامة المشروع عليها  .

 وفي مهرجان أقيم بعد ذلك لجمع التبرعات استهله الشيخ عبد الله بن عيسي آل خليفة بالتبرع بمبلغ ٢٠ الف روبية وانتهي المهرجان بتبرع الحضور من التجار والأهالي بمبلغ ٢٠٠ الف روبية وفي راوية مستشار حكومة البحرين بلجريف فقط بلغت التبرعات ٣٠٠٠ الف روبية وهو مبلغ التكلفة الشاملة للمدرسة التي أنجزت وافتتحت في عام ١٩١٩م بحجارة من جزيرة جدة وابواب ونوافذ من مليار بالهند واطلق عليها اسم مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق. بعدها بعامين أي في عام ١٩٢١م بنيت مدرسة ثانية للبنين في المنامة وفي عام ١٩٢٨م شهدت البحرين بل منطقة الخليج حدثاً كبيراً وهو افتتاح أول مدرسة للبنات في المحرق سميت في مرحلة لاحقة باسم مدرسة خديجة الكبري التي كانت هي ايضاً بجهود وتمويل أهلي من تجار وأعيان البلاد ومنهم العم خليل المؤيد الذي كان معروفاً وقتها بنصير تعليم المرأة وقاد فريقاً اخر من الاعيان لاقناع حاكم البلاد بافتتاح المدرسة وضرورة إتاحة الفرصة أمام المرأة لكي تتعلم .

 الدعوة لإنشاء مدرسة للبنات حسب رواية من عاصروها انقسمت بين مؤيد ومعارض لكنه بعد إصرار المؤيدين للفكرة ودعمهم لها مادياً تم افتتاح المدرسة في بيت مستأجر من السيد عبد الرحمن الزياني الذي بقيت فيه حتي عام ١٩٣٢م عندما شعرت اللجنة الأهلية المشرفة عليها بضيق المكان فانتقلت إلي مكان آخر أكثر اتساعاً وبقيت فيه حتي شيد لهامبني جديد لتستوعب عدداً أكبر  من الطالبات يتناسب والحماس الذي قوبلت به بعد الافتتاح من قبل أولياء أمور البنات علماً بأن عدد الطالبات اللواتي التحقن بالمدرسة عند افتتاحها عام ١٩٢٨م بلغ ١٤٠طالبة تقوم بالتدريس فيها اربع مدرسات اثنتان بحرينيتان هما مريم عبد الله الزياني ولطيفة يسف الزياني ومدرستان من سوريا .

وتوالي افتتاح المدارس في المحرق والمنامة والحد والرفاع وغيرها من المناطق وفي عام ١٩٤٥م أمر المرحوم الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين بإطلاق اسماء عائشة آم المؤمنين وخديجة الكبري وفاطمة الزهراء علي مدارس البنات في المنامة والمحرق وبدوري وكما اسلفت فقد التحقت أنا بمدرسة عائشة أم المؤمنين وبقيت فيها حوالي سنة دراسية بينما واصلت أختي دراستها في المدرسة ذاتها وكذلك إبنة عمي شيخة خليل المؤيد التي أنهت دراستها الابتدائية بتفوق كما ذكرت سابقاً

أوبئة وأمراض

 هذا ما عرفته وعايشته عن التعليم الذي تميزت البحرين بقيامه وانتشاره إعتماداً علي جهود أهلية حيث لم يصبح تحت الادارة الحكومية إلا في أواخر الاربعينيات أما الوضع الصحي الذي عرفته وعايشت حالات كثيرة منه في بيتنا وبيوت الاقرباء والجيران ايضاً فقد تمثل في ظهور وانتشار نوع أو اكثر من الاوبئة وعلي رأسها السل والملاريا والجدري والطاعون والتيفؤئيد والتراخوما الذي يعرف في البحرين باسم ( بو الطبيش) وعبر رؤيتي ومن خلال ما سمعته من افراد العائلة أن هذه الامراض أو الاوبئة تظهر في البحرين أما نتيجة للعدوي المنقولة محلياً أو بسبب قدومها مع مسافرين من الخارج واختلاطتهم بالسكان في احدي مناطق  البلاد وبالنسبة للطاعون وهو وباء فتاك ينتقل من مجرد ملامسة المصاب فقد روت لي والدتي وأنا صغيرة أنه في واحدة من السنوات دخل الطاعون بيوتاً كثيرة في المنامة وأدي إلي وفاة الآلاف من الناس منهم عائلات باكملها واحدة منها عائلة أمي ( الصحاف) حيث لم تنجو منه إلا طفلتان هما أمي وأختها .

وتقول أمي أن الحكومة بحثت عن سبب ذلك الانتشار لوباء الطاعون في ذلك الوقت والمكان ووجدت أن بالحي الذي تسكن به توجد خرابة أخذ الناس يرمون فيها القمامة وجيف الحيوانات النافقة ، وأنه مع تراكم هذه المخلفات وإهمال البلدية في جمعها وتنظيف تلك الخرابة ترعرعت الفئران وسط الجيف وانطلقت منها غازية البيوت وناقلة وباء الطاعون وعندما اكتشفت البلدية الخرابة واتخذت الإجراءات للقضاء علي الفئران كانت هذه الفئران قد أودت بحياة الكثيرين هم بالطبع ضحايا إهمال النظافة في الشوارع ومحلات تجميع القمامة والخرائب التي كانت منتشرة في جميع الاحياء وحيرة البلدية التي كانت لسنوات طويلة مسئولة عن الصحة في كيفية جمع القمامة من البيوت والشوارع ومن ثم في التخلص منها بطريقة صحية اضف إلي ذلك ضعف الوعي لدي السكان وقلة برامج التوعية الصحية في مجتمع اغلبيته من الأميين.

ومن المعلومات التي عرفتها بعد ذلك عن وباء الطاعون أنه غزا البحرين في سنوات قديمة جداً منها سنوات ١٨٩٧م و ١٩٠٣م و ١٩٠٤م و١٩٠٥م وعادة مرة أخري في ١٩٠٧م وفي كل هذه السنوات كانت هناك ضحايا كثيرة إلي المستوي الذي يعجز الناس عن دفن موتاهم كما يقال لكنه مع تطور الوضع الصحي من وقاية إلي وسائل ومراكز العلاج اختفي هذا الوباء تماماً من البحرين .

وعلي سبيل المثال ففي عام ١٩٢٤م اعلن المجلس البلدي بالمنامة في إحدي جلساته أنه استلم كتاباً من المستشار بلجريف يذكر فيه استعداد حكومة البحرين شراء الفئران بثمن أنه واحدة للفأر الحي ونصف أنه للفأر الميت واحراقها بناء علي هداية الحكيم ( الدكتور) وعلي البلداية أن تقدم للحكومة حساباً اسبوعياً وبالفعل صدر من البلدية في وقت لاحق إعلان للجمهور بهذاالخصوص اشار إلي أن الحكومة تتخذ هذا الاجراء وقاية من مرض الطاعون .

 وبالطبع كان هذا الاجراء واحداً من اجراءات عديدة اتخذت علي مدي سنوات طويلة من بناء الحجر الصحي إلي التفتيش علي السفن التي تصل البحرين ومنها ذلك الاجراء الذي اتخذ في عام ١٩٥٦م بوصول شركة استشارية انجليزية إلي البحرين متخصصة في مكافحة الفئران.

 المرضي الثاني هو السل وانتشر في البحرين في  مرات عديدة ودخل بيتنا وأودي بحياة أكثر من شخص بينهم نساء وأكثر من عشرة اشخاص في الحي الذي نسكنه اقصد فريق الفاضل واتذكر أن الشخص الذي يصاب بالسل يعزل في غرفة بالمنزل لايدخل عليه أحد ويتعامل معه أو معها من بعيد في تزويده بالطعام والشراب وفي كل الحالات تقريباً كانت الوفاة هي مصير المريض بالسل وهوما حدث لوالدة يوسف عندما توفت بسبب داء السل ولم يكن عمره يزيد عن السنتين واستمرات هذه المعاناة حتي تم بناء مستشفي خا بمرض السل يضم ٥٠ سريراً بناء علي اقتراح من الدكتور (هولم) رئيس قسم مرض السل في منطمة الصحة العالمية للوقوف علي حالة المرض في البحرين وتقديم المقترحات للتصدي له والقضاء عليه وبالاضافة إلي انشاء المستشفي فقد أوصي ايضاً باجراء تطعيم وتحصين طلبة المدارس سنوياً ضد هذا المرض.

 مرض( وباء) الملاريا من الامراض التي عاني منها شعب البحرين وعايشته خاصة في منطقة المنامة حيث انتشر فيها مرض الملاريا عام ١٩٣٨م ففي ذلك العام وجد أن ٦٠٪تقريباً من اطفال مدارس المنامة كانوا مصابين بالملاريا وأن لجنة خاصة شكلت في العام التالي ضمت كبار الشخصيات لتدارس انتشار مرض الملاريا وكيفية مكافحته ولأن البعوض هي الحشرة الناقلة لهذا المرضي فقد تركزت الجهود علي القضاء علي البعوض في جميع مراحل نموه وتكاثره واستخدمت في ذلك عدة وسائل منها رش المياه الاسنة بالزيت الخام ودفن المستنقعات التفتيش علي جحال (ازرة) الماء في البيوت وتحطيمها إذا وجدت بها يرقات البعوض أو الحث علي تنظيفها وبالنسبة للآبار والعيون ( البرك) التي تستخدم للاستحمام فتوضع فيها اسماك صغيرة (عفاطي) من أجل اكل يرقات البعوض.

 ومن الجهود التي بذلت لمكافحة مرض الملاريا رش اماكن تجمع البعوض بالالة اليدوية وبعد ذلك أي في عام ١٩٥٠م تعاقدت دائرة الصحة مع شركة خاصة لتصنيع عربات رش مادة د.د.ت لمكافحة البعوض ولما تم اداء هذه العربة بنجاح قامت الدائرة باستيراد اربع عربات اخري لاستعمالها في مختلف مناطق البحرين وأدي ذلك إلي انخفاض تكاثر البعوض في عموم البحرين بنسبة ٣٠٠٪ ومن هذه الجهود ما نشرته دائرة الصحة عام ١٩٥٢م عن نجاح عملية مكافحة الملاريا بعد قيام الدائرة بعملية رش البعوض في المنامة والمحرق مرتين شهرياً الاامر الذي ادي إلي انخفاض نسبة تفشي مرض الملاريا في البلاد إلي ٢٪ فقط مقارنة بالاعوام السابقة وقبل ذلك باربع سنوات نشرت دائرة الصحة أول رقم عن تكلفة مكافحة الملاريا حيث بلغت٧٩٩٠روبية.

من الامراض المقلقة التي عايشتها ورأيت انتشارها السريع في البحرين ودول الخليج ايضاً  الذين جاء الكثيرون منهم لطلب العلاج من هذا المرض في البحرين في أواخر الاربعينيات مرض التراخوما (بوالطبيش) الذي يصيب العيون ويؤدي في حالات كثيرة منها إلي العمي أو فقدان عين واحدة وهذا ما لاحظته لدي عدد من الاشخاص نساءً ورجالاً من العائلة والاقارب والجيران وذكرت التقارير الصحية أن مرضي التراخوما بلغت نسبتهم ١٥٪ من مجموع المرضي الذين ترددوا علي العيادات الطبية عام ١٩٣٨م الموجودة بمستشفي فيكتوريا والمستشفي الامريكي وعيادات شركة بابكو وغيرها.

 ويبدو أن انتشار الذباب الناقل والمسبب لهذا المرض وضعف الاهتمام بالنظافة جعل هذا المرض يستوطن لمدة طويلة ويجعل دائرة الصحة تبحث عن كل الوسائل الممكنة لمعالجته والقضاء عليه وفي هذا الصدد يذكر تقرير لهذه الدائرة أنها قامت في عام ١٩٥٥م بايلاء اهتمام مكثف بمكافحة هذا المرضي عندما وجهت الدعوة لشخصين مهتمين في العالم ومن المختصصين في علاج التراخوما لزيارة البحرين وهما الدكتور ديوك الدر والذي كان يروج وقتها لمستشفي سانت جوردن لعلاج العيون والمختبر المخصص لمرض التراخوما والتابع لنفس المستشفي اما الشخصية الثانية فهو الدكتور مكنزي من وزارة الصحة في بريطانيا والممثل الرئيسي لمنظمة الصحة العالمية وهدفت الزيارة إلي تقديم النصائح ووضع البرامج لمكافحة التراخوما في البحرين وخاصة في مجال الرعاية الصحية والصحة العامة وهناك ايضاً مرض ووباء الجدري الذي يحكي لنا الاجداد أنه عرف في البحرين قبل سنوات طويلة احدهم يعيده إلي عام ١٨٩٣م عندما توفي بسببه وقتها مئات الاشخاص ولم ينج منه بحارة الغوص وفي السنوات اللاحقة اخذ هذا المرض في التردد علي البحرين وبنسب متفاوته من الحدة والانتشار ويقال في معظم المرات أنه وصل إلي البحرين من بلدان اخري مثل العراق وتركيا وتذكر دائرة الصحة أن مرض الجدري انتشر في عام ١٩٥٠م بنسب إصابات تزيد علي ٢٣٪ مما كانت عليه في العام السابق علي الرغم من اتساع نطاق التطعيم ضد هذا المرض عدد الاصابات ٦٨ حالة منها ١٢ من الوفيات من الاطفال والصغار ووصلت نسبة التطعيم ضد الجدري في ذلك العام ٨٥٪.

 الاحوال الصحية ذاتها أدت إلي ظهور الكوليرا في مرحلة مبكرة جداً وفي إحدي السنوات حصد ارواح ٤ الاف شخص منهم بحارة علي متن سفنهم في البحر واخذ يتردد علي البحرين عدة مرات كان اخرها عام ١٩٧٨ م عندما أدت مكافحة المرض والتطعيمات وغيرها من وسائل الوقاية إلي القضاء عليه إلي جانب مرض التيفوئيد الذي ظهر عام ١٩٤٩م وتم القضاء عليه والشفاء الفوري لمرضاه الخمسة بعد تلقيهم علاج عقار الكلورومايستين الذي تبرع به لمستشفي النعيم زوجي يوسف خليل المؤيد

زكاة محمد طيب

في الثلاثينيات من القرن الماضي كان عدد الفقراء في مجتمع البحرين في ازدياد وكان الذين يبحثون عن العمل هم ايضاً في تزايد فهؤلاء جميعاً يبحثون عن لقمة العيش وعن من يتصدق عليهم بها وفي هذه الفترة وبالتحديد في ١٤ ابريل ١٩٣٥ م والذي صادف ايضاً يوم العاشر من محرم وقع حادث آليم بل أنها فاجعة وذلك في بيت محمد طيب الذي أعلن عن توزيعة الزكاة علي الفقراء في ذلك اليوم فذهب إلي بيته المئات منهم وظلوا يتدافعون داخل حوشه علي أمل أن يحصل الواحد منهم علي الزكاة قبل غيره وقبل أن ينتهي المبلغ المخصص للتوزيع.

الحضور كانوا من النساء والاطفال ومن مختلف الاعمار كلهم دفعوا أنفسهم وغيرهم وسط مساحة الحوش الضيقة دون انتظام وعندما ارادوا الخروج كان باب البيت مغلقاً وكانت النتيجة هو حدوث حالات كثيرة من الاختناق وسقوط علي الارض ودوس بالاقدام علي الذين سقطوا لتصبح الوجوه المختلفة كلها زرقاء كما قال شهود العيان وليموت في تلك الحادثة ٦٦ شخصاً بينهم عدد من الاطفال الذين وجدوا نياماً إلي جانب أمهاتهم ولكنهم موتي ، الناس أسرعت إلي بيت محمد طيب تبحث عن ذويها لكن الكثيرين لم يستطيعوا الوصول لازدحام الشوارع القريبة بمواكب العزاء في ذلك اليوم ولم يروهم إلا بعد أن نقلوا إلي المستشفيين الأمريكي وفيكتوريا ومنهما إلي المقبرة التي احيطت بالمتظاهرين المحتجين علي توزيع الزكاة في يوم العاشر من محرم وتدخلت الشرطة لتفريقهم

العيش في أجواء الحرب

في عام ١٩٣٩م اعلنت الحرب العالمية الثانية ولأن البحرين تحت الحماية البريطانية وبها آبار نفط فقد استهدافتها طائرات المحور بقيادة هتلر ومع أن تلك الغارة تم تضليلها وبالتالي لم تصب هدفها ولم تسبب أي خسائر تذكر في البحرين إلا أنها كانت ايذاناً بدخول البحرين الحرب إلي جانب الحلفاء وبالتالي فرضت عليها كل الاستعدادات والاحتياطات التي اتخذتها الدول الاخري ومن ثم عاشت البحرين اجواء الحرب لمدة سبع سنوات حتي إعلان نهايتها عام ١٩٤٥م ، كما عانت من اعبائها ومن الحصار الذي شمل الجو والبحر ومنع الإستيراد والتصدير .

ما أن وجدت البحرين نفسها في أتو ن الحرب حتي بدأت بتجهيز الخنادق التي كانت علي شكل حجر يغطي سقفها بمئات أو أحياناً بالالاف من أكياس الرمل واحدة منها قمنا نحن بتجهيزها بالقرب من البيت العود وكنا نهرع للدخول فيها كلما سمعنا صوت صفارة الإنذار كما قمنا بتجهيز حجرة اخري في القسم الخاص بعائلة المؤيد في عذاري فطروف الحرب لم لم تمنعنا من الذهاب إلي عذاري والاستحمام فيها .

 ومن الاستعدادت التي اتخذها الحكومة ايضاً إطفاء الأنوار الخارجية ليلاً وطلاء أنوار السيارات باللون الازرق والقيام بغارات جوية وهمية بين الفترة والاخري لاختبار إستعداد الناس مع ايجاد فريق انقاذ مكون من اطباء وشرطة يتحرك عند القيام بالغارة الوهمية وانطلاق صفارات الإنذار.

ولأن إعلان الحرب أدي لتوقف استيراد المواد الغذائية التي كان يأتينا معظمها من الهند فقد أدي ذلك إلي ارتفاع جنوني لاسعار هذه المواد في السوق حيث تراوحت اسعارها بين ١٠٠٪ و ٣٠٠٪ بالنسبة للسكر والطحين والرز ، بل قام بعض التجار باخفائها بغرض ببعها علي الاشخاص المقتدرين بأسعار عالية ووصل الحال أن تطلب الحكومة من البلدية القيام باعداد وجبات طعام يومية للفقراء بمبلغ ١٥ روبية يومياً تقدم لهم في حديقة البلدية وموافاة الحكومة بالفواتير لدفعها ، كما قامت الحكومة بملاحقة التجار الذين يخفون المواد الغذائية والاستيلاء عليها .

ولما وجدت زيادة معاناة الناس وخاصة الفقراء منهم وموت بعضهم جوعاً أو أكلهم طعاماً كان يعطي للحيوانات سابقاً مثل التمر اليابس المتعفقن قررت الحكومة القيام بتأمين وصول المواد الغذائية إلي الجميع عن طريق البطاقة التي أوعزت لادارة التموين باعدادها وتوزيعها علي الاهالي جميعاً دون استثناء ولا تمييز بين فقير وغني واشتملت هذه البطاقة علي أن يستلم الشخص الواحد شهرياً من الدكاكين المحددة في البطاقة ٨ ارطال رز ، ٤ ارطال سكر ،٦ ارطال طحين و ٦ارطال قمح حيث تسلم هذه الكيمات بمجموعها للعائلة وحسب عدد افرادها .

ما كيف عرفت الحكومة أعداد وأسماء أفراد الاس من السكان فقد جاء ذلك من خلال اجراء أول تعدد لسكان البحرين في عام ١٩٤١م وهي السنة الثالثة للحرب تقريباً فرغم ظروف الحرب وأهوالها إلا أن الامور سارت طبيعية بالنسبة للمشروعات التي كانت مقررة أن تنفذ في تلك الفترة ومنها علي سبيل المثال افتتاح جسر المنامة والمحرق الذي تم فعلاً ومنها إجراء تعدد السكان الذي تم هو ايضاً ورافقته الكثير من الاشاعات التي أدت إلي اضعاف النتائج التي توصل اليها ، منها علي سبيل المثال اشاعة تقول إن الهدف من العداد معرفة أعداد واسماء واعداد أولادهم عن الموظفين الذين يقومون بالتعداد وهؤلاء سخروا عندما جري في وقت لاحق تجهيز بطاقات التموين بأعداد أفراد العائلة .

ومن تلك الاشاعات أن الحكومة تريد من خلال الدخول إلي بيوتهم أخذ المرضي المصابين بالجدري إلي الحجر الصحي ( الكارنتينا) أو أنها أي الحكومة تريد الدخول إلي البيوت والتفتيش علي الجحال ( الحلل) الفخارية والقيام بكسرها إذا وجدت بها دوداً أو بيض البعوض وهو ماجعل هؤلاء وأولئك لا يفتحون الابواب لموظفي التعداد.

وكما اسلفت وكأن مأسي الحرب لم تكن كافية لايذاء الناس فعاد اليهم الجدري من جديد في نفس العام ١٩٤١م وحتي لا تزداد الأ٬ور تفاقماً بذلت الحكومة جهوداً كبيرة لمنع انتشاره ومنها قرار المجلس البلدي بدعوة السكان إلي عدم غسل ثيابهم في المغاسل العامة لمدة شهر واحداً منعاً لانتشار العدوي .

 ومن الحكايات الطريفة التي انتشرت وقت اجراء التعداد أن هناك شخصاً عمانياً له دكان حلوي يسكن ويعمل فيه وحيداً ولما سأله موظف التعداد عن الاشخاص الذين يسكنون معه قال ضاحكاً نعم بسوسه هلي تريد أن أوقظها رد عليه الموظف لا داعي لذلك وعندما صدرت له بطاقة التموين بالمواد الغذائية التي يستحقها كتبت فيه اسمه وأسم بسوسه زوجته مع أنها قطته الصغيرة وهكذا فاز بالحصول علي حصتين بدلاً من حصة واحدة .

هذابالنسبة لما كان سائداً في  البلاد أيام الحرب أما بالنسبة لنا في البيت العود فما أن علم والدي بقيام الحرب حتي استدعي الشيالة واخذوا ينقلون إلي البيت كميات من البضاعة الخاصة بنا والموجودة في مخازن التاجر يوسف علي رضا وهي تشمل اكياس الرز والسكر وكوراتين الجبن وغيرها من المواد الغذائية التي كانت قد وصلت إلي العائلة من الهند قبل فترة وجيزة من إعلان الحرب ووضعناها في مخازن يوسف رضا حيث أخذنا بالاستفادة منها أيام الحرب إلي جانب ما حصل عليه من بطاقة التموين التي نصرفها كل شهر من عند عبد الرحمن السعد في البلدية بعد أن كانت قبل ذلك تصرف من ادارة التموين .

ومما اتذكره ايضاً وقتها أن الخبازين توقفوا عن العمل لعدم وجود الطحين لديهم فقمنا نحن ببناء فرن (نتور) كبير في حوش البيت العود لنقوم بالخبازة فيه وأبقيناه مفتوحاً لسكان الحي الذين كانوا يحضرون إلي بيتنا ومعهم الطحين أو العجين ليخبزوه عندنا ويعودوا إلي بيوتهم ، كان هذا احد أوجه التعاون بين الأهالي في هذه الظروف العصيبة التي جعلتنا سنة بعد اخري نقتصد كثيراً فيما نأكل ونشرب حتي الحليب الذي نحصل عليه من البقرة وهو وفير توقفنا عن توزيعه علي الجيران خوفاً من أن يأتي اليوم الذي يجف فيه ضرع البقرة



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved