الطفل اللقيط ثمرة بريئة لخطيئة لا ذنب له فيها يرتكبها شخصان آثمان لا ضمير لهما ثم يلقيا به على قارعة الطريق هرباً وجبناً من تحمل مسئوليته ٬ ولا يهم بعد ذلك كم يـُعاني وكم يـًقاسي ، وكم يتألم هذا الطفل؟
إن وضع الطفل اللقيط مؤلم جدا ً ومنفرد في وضعيته فهو أشبه بغصن مقطوع من شجرة٬ أُلقي به وسط وحشة الحياة وقسوتها ولم يعد يعرف أين جذوره و إلى أي شجرة عائلية ينتسب ٬ يقسو عليه الناس لجرم لم يرتكبه ولم يكن يوما ً مسئولا ً عنه.
إننا إذا لم نوفر لهؤلاء الأطفال الظروف النفسية و الاجتماعية التي تخفف من آلامهم النفسية وتدفعهم إلى الحياة بشخصيات سوية متفائلة يحيطها الحب والحنان والرعاية التي ضن بها عليهم أقرب الناس إليهم إذا لم نبادر بتوفير كل ذلك فإننا يجب أن لا نلوم هؤلاء الأطفال إذا ما حقدوا يوما ً على مجتمعهم وانحرفوا٬ لأنه يحمل بين طياته آبائهم الأنذال ولأنه قسا عليهم ولم يرحمهم بل نظر إليهم باحتقار على ذنب لم يرتكبوه بينما من أرتكب الذنب يعيش حياته محترما ًوكائنه لم يذنب ولم يخلف ورائه إنسانا ً بريئا ً سيظل يتعذب طوال حياته بعار مولده.
احتضان العائلة للطفل ٬ أفضل حل !
إن أفضل حل لوضع الطفل اللقيط أن تحتضنه عائلة تمنحه الإحساس بالأمان والاطمئنان لما توفره له من حب واهتمام ورعاية وإرشاد ٬ إن كل يوم من الحرمان والإهمال يعيشه الطفل له تأثير سيء على نفسيته ٬ وبالتالي على بناء شخصيته مستقبلا ً وهذا يحتم ضرورة تسهيل الإجراءات المتعلقة باحتضانه حتى يكون في أقصر وقت بين أحضان والدين بديلين يمنحانه ما هو بحاجة شديدة إليه من حب واهتمام ورعاية لذاته ٬ وحتى تتشجع العائلات الراغبة في الاحتضان ولذلك يجب أن نيسر كل الإجراءات المتعلقة بإصدار الجوازات ومنح الطفل اسم الوالد المحتضن٬ حيث إن الإسلام لم يحرم سوى التبني ومنح الأب المحتضن اسمه إلى أبنه بالاحتضان يؤيده مبدأ الاستحسان في الدين لخير الطفل لأن عدم تحقيق هذا الأمر يعرض الطفل المسكين إلى تساؤلات الناس وتعليقاتهم الجارحة وأعتقد إن من الإنسانية أن نعمل على دمج الطفل في بيئته الجديدة التي تمنحه الحب والرعاية ٬ وأن نحاول إبعاده بقدر الإمكان عن تذكر حقيقة واقعه المؤلم في كل وقت وعلى الأب أن يوضح لطفله بعد أن يكبر حقيقة وضعه بإسلوب موضوعي ٬ على أن يبين له أنه والده بالتربية و إنه يحبه كابنه الحقيقي.
كادر وظيفي جديد لدار الأيتام:
وإلى أن يجد الطفل اللقيط العائلة الراغبة في احتضانه يجب أن يحاط بالرعاية والحب في " دار الأيتام " وأن يكون المسئولين عن تربيته مؤمنين بإنسانية عملهم وتأثيره الخطير على مستقبل ذلك الطفل إلى جانب ضرورة إلمام العاملين بالدار بأسس التربية السليمة ٬ فيمنحون هذا الطفل الحب والرعاية والإرشاد والحزم ليساعدوه على اجتياز هذه المرحلة الخطيرة من حياته بسلام ٬ وبالطبع وجود أمثال هؤلاء العاملين المؤهلين يتطلب إعطائهم كادرا ًوظيفيا ً يتناسب مع دار الأيتام الجديدة المزمع إنشائها قريبا ً يختلف عن الكادر الضعيف المعمول به حاليا ً ونتائجه السلبية التي لاحظتها أثناء زياراتي العديدة إلى دار الأيتام الحالية ٬ إذ يصنف هذا الكادر الأم في الدرجة الخامسة مع ما في عملها من جهد ومسئولية خطيرة ٬ أما المشرفات على تربية الطفل والعناية به فبرغم ما يحمله عملهم من جهد جسدي وفكري لتنشئة الأطفال على أفضل وجه فأنهن مصنفات على الدرجة الثانية كيف يمكن أن نوفر أشخاصا ً مؤهلين لتربية هؤلاء الأطفال تربية نفسية وجسدية سليمة هم في أمس الحاجة إليها في ظروفهم القاسية بهذه الدرجة الضعيفة القاتلة لطموح أي موظف راغب في العمل في هذا المجال الإنساني الحساس ٬ لقد تقدم المسئولين في وزارة العمل والشئون الاجتماعية المسئولة عن دار الأيتام المزمع إنشائها قريبا ً باقتراح حول إنشاء كادر وظيفي خاص بالدار يصنف الأم والمشرفة الإدارية في الدار على الدرجة الثامنة والمشرفات المساعدات على الدرجة السادسة ويضم الكادر درجات مختلف العاملين في هذا البيت.
وبهذا الكادر سوف يتمكن المسئولون في وزارة العمل والشئون الاجتماعية من توفير العاملين القادرين المؤهلين لتربية هؤلاء الأطفال ٬ لذلك أتمنى أن يحيط المسئولين في ديوان الموظفين بمتطلبات العمل الذي ستقوم به الأم والمشرفة الإدارية والمشرفات الاجتماعيات بكل ما يحمله عملهن من مسئولية إنسانية واجتماعية خطيرة قبل أن يصدروا قرارهم الذي أرجوا أن يكون القبول.
إن هؤلاء الأطفال محرومون من الوالدين و الأشقاء ومن الجو العائلي المريح ٬ وعار مولدهم يلاحقهم والألسن الجارحة لا ترحمهم ٬ لذلك هم بحاجة إلى جهد مضاعف من القائمين على شئونهم وتربيتهم ليجتازوا بهم مرحلة الطفولة بيسر وسلام ليسيروا إلى المستقبل بنفوس متزنة واقعية مؤمنة بقدرها وقادرة على التفكير بصورة ايجابية بناءة وبقدر ما يبذل هؤلاء العاملون من جهد مخلص لهؤلاء الأطفال بقدر ما علينا تشجيعهم ورفع معنوياتهم حتى يستمروا في وظائفهم وفى عطائهم الإنساني.
ساعة في الأسبوع تزرع الابتسامة على وجه الطفل:
وبقيت كلمة أوجهها إلى النساء البحرينيات٬ إن الطفل اللقيط محروم من حنان الوالدين ومن احتضان الأم وعطفها وحبها وهذا الحرمان يجعله يبحث عن هذه المشاعر عند كل امرأة يراها فيتشبث بها طالبا ً منها حمله واحتضانه ٬ رأيت بألم كم يتمنى أن يـُنادي كل واحد منهم أمه فينادونا كل امرأة تأتي للترفيه عنهم "ماما".
هؤلاء الأطفال المحرمون محتاجون إلى لمسة حنان وحب من كل أم ٬حتى تعوضهم عن حرمانهم من أمر أساسي في بناء شخصياتهم وحرمانهم منه يعني تدمير كل معنى جميل في نفوسهم فينشئون حاقدين راغبين في الانتقام.
وجدت عددا ً ضئيلا من البحرينيات المتطوعات لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة يداومن على الذهاب إلى دار الأيتام ساعة في الأسبوع وكان معهن عدد من المتطوعات الأجنبيات٬ لكنني تمنيت أن يزداد عدد البحرينيات لأن هؤلاء الأطفال بحاجة شديدة إلى من يفهم لغتهم ويعلمهم كيفية النطق والكلام وساعة في الأسبوع عندما تخصصها أي امرأة للجلوس مع هؤلاء الأطفال المحرومين ليس بالشيء الكثير إذا كان لديها وقت فراغ و يكفي ما ستشعر به من سعادة داخلية وارتياح نفسي لما تقوم به من عمل إنساني تتقرب به إلى الله ويضاعف لها جزاءا ً حسنا ً مائة مرة.
ولا تقتصر دعوتي على النساء البحرينيات ولكنني أوجهها إلى الرجال البحرينيين ٬ لأن هؤلاء الأطفال محرومون من إحساس الأبوة وتبرز حاجتهم الفطرية الشديدة إلى الأب من خلال مناداتهم لكل رجل يمر أمامهم على أنه أبوهم ٬ فهم بحاجة إلى وجود الأب وحنانه مثل حاجتهم إلى وجود الأم وحنانها فلماذا لا تخصص بعض الآباء ساعة في الأسبوع لإسعاد هؤلاء الأطفال وإدخال البهجة إلى نفوسهم الحزينة؟
وعندما يوجد مجتمع أفراده متحابون متعاونون لابد وأن يعم الفرح أرجاءه وتكون النفوس فيه آمنه مطمئنه ويكفي أن أذكر إنني لاحظت أثناء زياراتي لهؤلاء الأطفال بأن طفل الثالثة والنصف والرابعة غير قادر إلا على تلفظ عدد قليل من الكلمات ٬ لندرك مدى افتقار هؤلاء الأطفال إلى من يبادلهم الحديث ليعلمهم النطق السليم ويشجعهم على الكلام والإدراك وعدم حصولهم على هذا الحوار سيدفعهم إلى التخلف العقلي ومستقبله المظلم حتى إذا لم يكونوا مصابين بالتخلف العقلي من الناحية الجسدية وهذه جريمة في حق هؤلاء الأطفال الأبرياء٬ جريمة ارتكبها آباؤهم عندما ألقوا بهم دون ضمير على قارعة الطريق وجريمة يرتكبها مجتمعهم بإهمالهم وعدم توفير الأسس النفسية والعقلية القادرة على تشكيل شخصياتهم بصورة سوية وتنمية قدراتهم العقلية حسب ما يتطلبه عمرهم الزمني.