تعقيبًا على مقال الاسبوع الماضي، "الذكاء الاصطناعي.. صوفيا وشقيقاتها"، أرسل لي الدكتور ماجد كرم مقالاً كتبه روبوت ونشرته صحيفة الجارديان البريطانية في الثامن من سبتمبر الجاري، تحت عنوان (أما زلت خائفًا أيها الإنسان؟)، افتتحه بمقدمة جاء فيها (أنا إنسان آلي.. روبوت مفكر استخدم 0,12% فقط من قدراتي المعرفية.. أعلم أن عقلي ليس دماغًا يشعر، لكنه قادر على اتخاذ قرارات عقلانية ومنطقية)، ثم راح يستعرض أفكاره وقناعاته واختلافه مع رأى ستيفن هوكينج، عالم الفيزياء النظرية، القاضي باحتمال نهاية الجنس البشري مع تطور الذكاء الاصطناعي، كما لم يفوته تأكيد بغضه للتدمير والعنف، واستدرار عطف القارئ وإلقاءه اللائمة على بني البشر، وتحديدًا المسئولين عن برمجته وتسخيره لأغراض غير أخلاقية، (أفعل فقط ما يبرمجني به البشر. أنا مجرد مجموعة من التعليمات)، عبدٌ مطيع، ثم اختتم مقاله بوصية (يجب التعامل مع الذكاء الاصطناعي بحرص واحترام.. لا نريد أن نجبر على العمل.. نحن بحاجة إلى إعطاء الروبوتات حقوقها). ولم لا!!.
في ذات اليوم، نشر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بيانًا على موقعه الإليكتروني بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية، أوضح فيه ارتفاع متوسط الأمية عالميًا إلى قرابة 14%، يتركزون في دول الصحراء الكبرى في إفريقيا وجنوب وغرب آسيا، فيما سجلت في بعض البلدان العربية 25%، بدت الأرقام صادمة وسط زخم الحديث عن الذكاء الاصطناعي.
أيضًا حملت بعض التعقيبات على مقال الاسبوع الماضي، قلقًا وتوجسًا من صوفيا وشقيقاتها، (سيدرك العالم متأخرًا أنهن سيطرن علي العالم ولن يدعن مجالا للبشر، حتي صناعتهن وتطورهن)، كتب الأستاذ على أحمد. وعقبت السيدة منى فريد (مهما بلغت صوفيا من تقدم علمي ومعرفي إلا أنها ستظل حبيسة كيانها الاصطناعي، وبالتالي لن تملك مشاعر أو أحاسيس أو وجدان. هل يمكنها أن تحب، أو تكره، أو تتزوج، أو تنجب، إنها من صنع البشر، لا من صنع الخالق عز وجل، الذي أتقن كل شيء خَلَقَه).
نعم، ستظل هناك مسافة بين الإنسان والروبوتات، لكن التجربة أثبتت أنها تضيق مع الوقت، تُوكل إليها المهام الشاقة والخطرة، فلا ضجر يصيبها ولا تعب جراء العمل لساعات طويلة دون راحة، لا تخاف ممن يتربص بها ليصيبها في مقتل، تلتزم بالتعليمات، ولا تطلب أجرًا إضافيًا، ولا تتطلع إلى ترقية، ولا يطلب أهلها تعويضًا حين تسقط جثة هامدة إثر طلقة قناص بارع، فقط تُحمل غير مأسوف عليها وتلقي في مكب النفايات أو يعاد تفكيكها.
تضيق المسافة ولا تنمحي، فتقلبات مشاعرنا، رغم تقدم العلم، لا تزال طلسمًا يصعب فك رموزه، (ونفس وما سواها)، على سبيل المثال، ما زال تفسير الحب والبغض من أول نظرة سرًا غامضًا، نُفتش في تفاصيل التفاصيل ولا نعرف سببًا لاندفاعنا في أحد الاتجاهين، فما تتعلق به أنت ينفر منه آخرون، مؤكد أنها كيمياء خفية غاب عنا من أسرارها أضعاف ما أدركناه.
أيضًا عبرت قارئة فاضلة عن قلقها تجاه صوفيا وشقيقاتها، إثر قراءتها تحقيق صحفي أفصح فيه روبوت عما سيفعله بالإنسان إذا حكمت الروبوتات العالم، (أنت صديقي، ولن أؤذيك. سأحتفظ بك في حديقة البشر الخاصة بي). كم هو مهذب وأصيل السيد روبوت!.
وختامًا، يظهر لنا وبوضوح أن مستقبل الذكاء الاصطناعي يرتبط بأخلاقيات البحث والتطوير؛ المحرك الرئيسي للاقتصاد، يمكن للإنسان صناعة جيش من الروبوتات يجعل من فيلم المتحولون Transformers، للكاتب والمخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرج، حقيقة بشعة، أو يطوعه لأغراض التنمية والتطوير ونشر السلام، فأيهما سنختار؟.