تابعت باهتمام كلمة فخامة الرئيس شوكت ميرضيائيف، رئيس جمهورية أوزبكستان الصديقة أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي خصصت المنظمة الدولية جانباً منها هذا العام لمناقشة مستقبل التعاون الدولي في مرحلة ما بعد "كوفيد-19"، إذ تطرق فخامته في كلمته إلى النموذج الناجح الذي تقدمه دولة الإمارات العربية المتحدة في مد جسور التعاون البنّاء مع بلاده، والذي أخذ في السنوات القليلة الماضية منعطفاً تصاعدياً في ظل توسيع قنوات هذا التعاون ضمن رؤية مشتركة بضرورة الاستعداد الكامل للمستقبل، وإعداد المقومات التي تكفل التصدي لما قد يحمله من تحديات، وإيجاد البدائل اللازمة لتعظيم الفرص ودفع معدلات التنمية بقوة في مختلف مساراتها، وبالاستفادة من قدرات القطاع الحكومي ورفع كفاءته، وإشراك نظيره الخاص ومضافرة جهود الجانبين ضمن منظومة عمل تتوافق فيها الأهداف وتتناغم معها الجهود بما يعزز فرص الاستثمار ويساعد في خلق بيئات جاذبة للأعمال وممكنة للنمو ومؤهلة للتقدم.
وفي ضوء تخصيص الجمعية العامة للأمم المتحدة نقاشات دورتها العادية، والتي تتزامن مع الاحتفال بالذكرى 75 على تأسيس المنظمة الدولية، لموضوع الساعة وهو جائحة كوفيد-19 والاستعداد لما بعدها، وما تبعها من تحرك دولي مشترك انطلق من عمق الشعور بوحدة الهدف والمصير لشعوب الأرض كافة، بغض النظر عن أي اعتبارات سياسية أو عقائدية أو عرقية أو غيرها، تطرق فخامة الرئيس الأوزبكي إلى التعاون النموذجي الذي جمع بين بلاده ودولة الإمارات العربية المتحدة في التصدي لهذا التحدي العالمي الكبير، مشيراً إلى أن ذلك التعاون يأتي امتداداً لروابط الصداقة القوية بين الدولتين الصديقتين، وارتكازاً على مجموعة من الثوابت المهمة في مقدمتها الحرص المشترك على تحقيق المصلحة العامة التي لا تنحصر في إطارها الثنائي بل تمتد إلى عمقها الإقليمي ومحيطها العالمي الأشمل.
ويبقى التعاون والشراكة من أجل مستقبل أفضل من بين أهم السمات التي ميّزت علاقات دولة الإمارات مع كافة الدول الشقيقة والصديقة ضمن إطار يقوم على حرص كامل أن يكون هذا التعاون سبباً في تحقيق النفع المشترك، وتوسيع دائرة تأثيره الإيجابي ليطال شعوب المنطقة والعالم، وهو المبدأ الذي أرساه المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، منذ بواكير قيام دولة الاتحاد، ليكون أساساً لعلاقات دولتنا الخارجية الآخذة في التطور والازدهار بفضل القيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والتوجيهات السديدة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والمتابعة المستمرة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.
لذا، لم يكن من المُستغرَب أن تبادر دولة الإمارات، ومنذ وقت مبكر من بدايات الأزمة العالمية الراهنة، للدعوة لتفعيل العمل المشترك بين الحكومات ولمضافرة الجهود في مواجهة أحد أصعب التحديات التي عرفها الإنسان في تاريخه المعاصر، وإمعان الفكر في الحلول اللازمة لتخطي هذا العارض، والتدبُّر فيما يعقبه من متطلبات للتغلب على ما خلفته الأزمة العالمية من تداعيات على كافة الأصعدة لاسيما الاجتماعية والاقتصادية، فيما كان هذا التعاون مثار نقاش جمع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في مارس من العام الماضي بفخامة الرئيس شوكت ميرضيائيف خلال زيارته إلى الدولة، حيث تم التطرق إلى بحث سبل بناء منظومة عالمية لإدارة هذه الأزمة فيما يواصل الجانبان العمل معاً من أجل اكتشاف آليات مشتركة تعين على الحد من انتشارها والتغلب على تبعاتها.
وانطلاقاً من قناعة كاملة بضرورة الاصطفاف في التصدي للوباء الذي اجتاح العالم منذ مطلع العام الجاري، اختارت دولة الإمارات أن يكون لها إسهامها الإيجابي الملموس في دعم الجهود الدولية الرامية إلى الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد، حيث أكدت مساندتها الكاملة لمنظمة الصحة العالمية وما تبذله من جهود في مواجهة الجائحة، بينما بادرت الدولة لتقديم المساعدات لمجتمعات عديدة حول العالم لمعاونتها على الصمود في وجه هذا الظرف الاستثنائي والتخفيف من آثار ما يحمله من مخاطر صحية واقتصادية، حيث بلغ حجم المساعدات الغذائية والطبية التي قدمتها دولة الإمارات في هذا السياق وحتى نهاية شهر أغسطس الفائت أكثر من 1328 طناً، وجهتها إلى 111 دولة، فيما وصل عدد المستفيدين من تلك المساعدات إلى أكثر من 1.3 مليون شخص، أغلبهم من العاملين في مجال الرعاية الطبية، تأكيداً على مبدأ التعاون العابر للحدود والعمل المشترك من أجل تقديم يد العون في أوقات الشدائد والملمات. وفي الإطار ذاته، وجهت دولة الإمارات ثلاث شحنات تحمل 44 طناً من المساعدات الطبية وتجهيزات الفحص والحماية الشخصية لمساعدة أخصائي الرعاية الطبية، لاسيما أولئك العاملين في خطوط المواجهة الأولى، على تأدية أدوارهم والقيام بمهمتهم بأمان، كما تم تنظيم رحلتين جويتين لنقل السياح الأوزبك إلى دولتهم عقب إغلاق أغلب مطارات العالم لأجوائها ضمن الإجراءات الاحترازية المُتخذة في بدايات الجائحة.
ولم يقتصر الدور الإيجابي لدولة الإمارات في دعم التصدي لجائحة كوفيد-19 على توجيه المساعدات المباشرة، بل كان لبنيتها اللوجستية القوية كبير الأثر في تمكين المنظمات والجهات الدولية مثل "برنامج الأغذية العالمي" و"منظمة الصحة العالمية" وغيرها من الكيانات الدولية النشطة في مجال الإغاثة، من نقل شحنات المساعدات إلى العديد من بلدان العالم انطلاقاً من مستودعاتها التي اختارت اتخاذ "المدينة العالمية للخدمات الإنسانية" في إمارة دبي مقراً لعملياتها في المنطقة وما ورائها، بما للمدينة من تاريخ مشرف في تمكين شركائها من الاضطلاع بواجبهم وتأدية أدوارهم على النحو الأمثل في مثل هذه الأوقات العصيبة، إذ تجدر الإشارة إلى أن نحو 80% من تجهيزات الحماية الشخصية التي وزعتها منظمة الصحة العالمية خلال هذه الأزمة انطلقت شحناتها من المدينة التي أصبحت اليوم تمثل إحدى نقاط الارتكاز الأساسية لعمليات الإغاثة حول العالم.
الدروس المستفادة من التجربة الإماراتية الموفّقة في الحد من انتشار الفيروس وتطويقه في أضيق الأطر الممكنة، والتي كانت محل إشادة عالمية، لم تبخل بها دولة الإمارات بل سعت إلى مشاركتها مع كل من يرغب في ذلك، إذ تمكنت من إجراء ما يزيد على 8.7 مليون فحص مخبري لفيروس كورونا المستجد. ونتيجةً لتحركها السريع واستراتيجية العمل المتكاملة التي ابتعتها، لم تزد نسبة الوفيات فيها جراء الإصابة بالفيروس على 0.5% من إجمالي الحالات المكتشفة، فيما وصلت نسبة التعافي من المرض إلى 90 بالمئة. إلى ذلك، نجحت دولة الإمارات في تحقيق مستوى متقدم من الإنجاز العلمي في مواجهتها مع الفيروس، بما في ذلك تأسيس أكبر مختبر في العالم لفحوصات PCR الخاصة بفيروس كورونا المُستجد خارج الصين خلال 14 يوماً فقط، كما كانت الإمارات سبّاقة في استحداث علاج للمصابين بالفيروس باستخدام الخلايا الجذعية، وكذلك استخدام بلازما المتعافين من المرض في علاج الحالات الحرجة للمصابين بالفيروس. وكان للبحث العلمي نصيبه من الاهتمام، حيث تم مؤخراً افتتاح "مركز محمد بن راشد للأبحاث الطبية"؛ وهو أول مركز أبحاث طبية حيوية مستقل في دولة الإمارات، بهدف دعم جهود البحث العلمي سواء داخل الدولة أو خارجها، وتعزيز الابتكار في مجال الرعاية الصحية، وتسخير التكنولوجيا المتطورة في رصد واحتواء الأوبئة، ودعم الجهود العالمية لإيجاد العلاجات الجديدة واللقاحات الفعّالة.
ولا شك في أن التعاون القائم بين دولة الإمارات وجمهورية أوزبكستان الصديقة يفتح المجال رحباً لمزيد من تكامل الجهود لإيجاد الحلول الناجعة التي من الممكن أن تكون ركيزة لخطوة تمكن العالم من حسم المواجهة مع الجائحة؛ فقد أثبتت الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين في مجال التحديث الحكومي نجاحاً كبيراً مع التركيز على سبل تعزيز الجاهزية الحكومية لاستباق التحديات المستقبلية، وهو ما يدعوا للتفاؤل ويحفز على مزيد من العمل المشترك لدعم قدرة مجتمعاتنا على تخطي هذه المرحلة.
فالخروج من الموقف الراهن يستدعي مد المزيد من جسور التعاون والشراكة على مستوى العالم، وقد شاهدنا أثر هذا التعاون في نجاح الإمارات ضمن التجارب الأولى للمرحلة الثالثة للقاح / كوفيد-19 / غير النشط والتي استقطبت أكثر من 31,000 متطوع ينتمون لأكثر من 120 جنسية لتكون بذلك الأكبر على مستوى العالم، فيما أجازت وزارة الصحة وتنمية المجتمع الأسبوع الماضي الاستخدام الطارئ للقاح كوفيد-19 لإتاحته لأبطال خط الدفاع الأول لضمان سلامتهم وحمايتهم من أي أخطار قد يتعرضون لها بسبب طبيعة عملهم.
وفي ضوء روابط الصداقة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية أوزبكستان والتي شهدت في الآونة الأخيرة تطوراً لافتاً، لاسيما على صعيد تحديث العمل الحكومي والذي تم في إطاره توقيع 9 اتفاقيات تعاون، وكذلك على صعيد التعاون الاقتصادي والذي تكلل بتوقيع اتفاقيات لتنفيذ 18 مشروعاً بقيمة 10.1 مليار دولار، تبقى الفرصة سانحة كذلك لتوسيع آفاق التعاون في مجالات البحث العلمي وتكامل الجهود البحثية في مجال مواجهة الأوبئة والأمراض، واكتشاف حلول تمكن العالم من القضاء على فيروس كورونا المستجد والحد من تداعياته، فضلا عن اكتشاف مزيد من مسارات التعاون العلمي بما يعود بالنفع على جميع شعوب العالم ويمكنها من بلوغ المستقبل الذي تصبوا إليه في مرحلة ما بعد كوفيد-19.
وستبقى دولة الإمارات العربية المتحدة حريصة على مد جسور التعاون مع كل من يسعى لإيجاد مستقبل أفضل يحمل للأجيال الجديدة كل الخير، ويكفل للجميع شعوب الأرض ما تتطلع إليه من تقدم وازدهار، التزاماً بالمبادئ السامية التي قامت عليها دولة الاتحاد والتي شكلت الأساس الراسخ لبناء نهضتنا الحديثة ونقطة الانطلاق نحو غدٍ واعد يتقاسم فيه الجميع أسباب السعادة ومقومات الرخاء.