التجارة والحريق
رحلة زواجي من ابن عمي يوسف ترافقت مع شق يوسف لطريقة في التجارة فحتي ذلك الوقت كان يعمل مع والده العم خليل في تجارة اللؤلؤ وتصادف في آخر رحلة له إلي الهند أن وفق في صفقة هناك وباع ما معه من لؤلؤ بمبلغ ٤٠ الف روبية وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت الامر الذي جعل والده يفرح كثيراً ويهنئ أبنه يوسف علي هذا النجاح بل أنه زاد علي ذلك بأن اعطاه منها الفي روبية هدية له علي مجهوده وقام يوسف بتأسيس تجارته الخاصة بهذا المبلغ مع ٧٥٠ روبية كان يوسف قد جمعها من قبل.
وهكذا بدأ يوسف تجارته الخاصة فأفتتح له دكاناً واشتري الاصباغ ثم الادوات الكهربائية التي اعتقد أنه أول من استوردها إلي البحرين ثم اضاف إليها الالكترونيات وتطورت تجارته اثناء الحرب العالمية الثانية إذ كان يستورد بضاعته من الهند ويبيعها علي الجيش البريطاني في البحرين بعد أن عقد معهم أكثر من اتفاق لتزويدهم بالكثير من المعدات والمستلزمات الكثيرة الاخري .
وإلي جانب الهند طور يوسف تجارته بالاستيراد من بريطانيا التي سافر اليها وعقد اتفاقات تجارية مع عدد من الشركات هناك لاستيراد انواع مختلفة من المعدات والآلات من بينها مكائن بحرية استوردها خصيصاً للسعودية ودبي كما ذهب إلي نيويورك بالولايات المتحدة لمتابعة انجاز وارسال أول بضاعة يستوردها من هناك استمرت نجاحات يوسف التجارية تتوالي في الفترة بين عامي ١٩٥٠ و١٩٦٠ وفي ذلك العام وبينما كان في السعودية يبذل المحاولات من أجل اقناع وزارة التجارة هناك بالموافقة علي أن يكون وكيل شركة بلاك ستون إلي جانب شريك سعودي هو عبد العزيز القصيبي والوزارة ترفض وخلال أحد هذه الاجتماعات إذ بمدير مكتبه أحمد أمين يتصل به من البحرين ليبلغه أن حريقاً هائلاً إلتهمت نيرانه عدداً من المخازن بينها مخزن الذي يضم كافة انواع السلع والمعدات التي يفترض أن يوزعها أو يبيعها علي زبائن داخل البحرين وخارجها .
قطع يوسف رحلته إلي السعودية وهي الرحلة المحفوفة بالمصاعب والضغوطات المرتبطة بفقدانه وكالة بلاك ستورن وغيرها من الولايات أذا ما صممت الحكومة السعودية علي اقتصار منع الوكالات التجارية للسعوديين فقط وعاد إلي البحرين ليواجه الكارثة التي لحقت بمخزنه ومحتوياته التي هي بمثابة المحرك لتجارته كلها .
وما أن دخل إلي البيت حتي وجدني في حالة يرثي لها وأعصابي منهارة ينتابني القلق والخوف علي ماحدث وعلي ما أعتقد أنه سيحدث لتجارة يوسف ومستقبلة التجاري فأنا لا أفهم في التجارة ولكن لدي احساس قوي بأن الحريق قد قضي علي ما يملك يوسف وما عليه من التزامات تجاه الغير .
وضعي النهار كان مفاجأة ليوسف الذي ما أن رأني علي هذا الحال حتي اخذ يضغط علي نفسه في محاولة منه للتماسك وتحاشي الإنهيار وما لاحظته عليه في ذلك اليوم والأيام القليلة التالية أنه كان ينجح في التماسك وتصنع رسم الابتسامة وأعلان تقبله لأمر الله لكنه كان يضعف في أوقات اخري ويتعرض لحالات من الاغماء خاصة عندما ينتابه الخوف من وصول الحريق إلي الاخرين وخاصة العائلات الفقيرة التي كانت تسكن في بيوت قريبة من المخزن وعندما يري وقع المأساة علي الموظفين في المكتب وما قرأه في عيونهم من أنه أي يوسف قد أصبح عاجزاً عن دفع رواتبهم وأنهم باتوا علي وشلك التشرد.
كان يوسف يشعر بما يدور من حوله وبما يفكر فيه موظفوه وكانت أحاسية في ذلك الوقت هي خليط بين المعاناة وبين الأمل في الخروج من هذه الأزمة وفي الابقاء علي جميع الموظفين وتطور اعماله وتجارته وما حدث بالفعل دون أن يفكر فيه يوسف هو أن تأثره الشديد بما حصل جعله في بعض المرات يتهاوي ويغمي عليه وعندما يحدث ذلك في البيت كانت أقف إلي جانبه واقدم له كل ما أملك واستطيع من أجل أن يتمالك ويصمد ويواجه الواقع وهو ما كان يحصل وأري فيه يوسف وقد غادر في الصباح الباكر إلي مكتبه لاستئناف عمله وشد عزيمة
موظيفه
حادث الحريق هذا كبد يوسف خسائر مادية جسيمة لكنه أكسبه بالمقابل حب وتعاطف الكثيرين من ابناء البحرين الطيبين وعلي رأسهم صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين الذين أرسل ولي عهده الشيخ عيسي بن سلمان آل خليفة وشقيقيه الشيخ خليفة والشيخ محمد بن سلمان آل خليفة إلي يوسف يحملون له رسالة بمواساة وتضامن عظمته معه في هذا الحادث الجلل واستعداد عظمته للوقوف معه وتقديم كل ما يمكن لتعويض ما تم خسرانه وكانت هذه الرسالة والوفد الكريم الذي نقلها بمثابة البلسم الشافي لمعاناة ومأساة يوسف حيث تقبلها بوافر الشكر والتقدير الذي طلب ابلاغه لصاحب العظمة وأوضح للوفد أن يعمل علي استرجاع ثروته وفي وقت لاحق قام بنفسه بزيارة عظمته وكرر له الشكر علي تلك اللفتة الطيبة منه والتي ساعدته علي مضاعفة الجهد في العمل من أجل تجاوز هذه الأزمة .
يوسف لقي ايضا الحب والدعم من زملائه التجار ومن المستثمرين العاديين الذين حرصوا علي الشراء منه وزيادة المعاملات معه تعبيراً عن المساندة والتضامن الذي عادة ما يسود بين ابناء البحرين في زمن المحن وما هي إلا أسابيع حتي وجد يوسف نفسه وقد استعاد تجارته وحيويته كما وجد الاموال وهي تتدفق بين يديه وبأكثر من التي خسرها .
وفي احد الأيام وجدته يدخل المنزل منشرحاً ضاحكاً وفي البداية ظننت الامر يتعلق بحصوله علي صفقات تجارية جديدة أو بموافقة شركة التأمين التي وهو وكيلها في تقديم تعويض مجز له عن الخسائر الناجمة عن الحريق لكنه قال لي إن الامر يتعلق بموافقة السعودية علي اعتباره تاجراً سعودياً شريكاً في الحصول علي الوكالات هناك .
مآد وحفلات
كان زوجي يوسف يتمتع بشخصيتين متميزتين في الوقت نفسه شخصيته التجارية التي عرف بها منذ الصغر وكبرت معه بازدياد تجاربه وتجارته وتعدد مجالاتها وشخصيته الاجتماعية التي نمت وتوسعت جنباً إلي جنب مع الشخصية التجارية ويوماً بعد يوم أصبح يوسف خليل المؤيد معروفاً في مجال التجارة وكذلك علي نطاق المجتمع وتمثل ذلك في حب الناس له جميع الناس الفقير والغني الذي له مصلحه معه والذي يقدم له المساعدة .
وسرعان ما تدخلت الشخصيتان واصبحتا تخدمان بعضهما البعض ووجد يوسف التاجر مصلحته في خدمة المجمتع في توسيع علاقاته الاجتماعية لكي يكسب المزيد من العملاء والمشترين والمتعاقدين مع تجارياً ولكي يوسع ويعزز علاقاته التجارية .
وكانت دعوات الغداء والعشاء أو بالاحري الاجتماع علي موائد الغذاء هي الوسيلة التي وجدها يوسف ملائمة لمصلحة شخصيته التجارية الاجتماعية فهو من ناحية يحب التلذذ بالكثير من المأكولات وحينما يجلس علي مائدة الطاعم فهو يحبذ بل يأمر في كثير من الاوقات أن يجد امامه اصنافاً من الاطعمة ويتضايق عندما لا يجد إلي صنفاً واحداً.
ومن ناحية اخري تولد عنده حب آخر وهو مشاركة الاخرين له في عشق الطعام والتلذذ به ومن هنا ومنذ بداية حياتنا الزوجية وكنت لازلت عروساً وجدته يدعو الاصدقاء والمعارف لتناول الغداء أو العشاء في البداية بالبيت العود ثم زادت هذه الدعوات عندما انتقلنا وتنقلنا في بيوتنا الخاصة ومن البدايات أذكر أي عندم كنت عروساً قام يوسف بدعوة عدد من الامريكان المسئولين في شركة بابكو علي وجبة عشاء بالبيت العود وعندما وصلوا إلي البيت طلب مني أن أكون معه في استقبال والسلام عليهم واثناء ذلك كان ولدي من وراء النافذة يراقب منظر الاستقبال والسلام بالمصافحة ويستشيط غضباً فقد كان محافظاً ولا يقبل أن تقوم ابنته بالسلام علي رجال أجانب وقتها كتم غيضه حتي ذهب الضيوف ثم جاءني وهو يقول ماذا فعلت كيف تذهبين وتسلمين علي الرجال هذا غير مقبول لدينا.
في تلك اللحظة لم اقل لوالدي كلمة واحدة أولاً لأنها تجربتي الأولي في الحياة وثانياً لأنني زوجة عليها أن تطيع زوجها الذي لايمكن أن يفعل أي شيء يؤدي إلي الحاق الضرر بها وبسمعتها وثالثاً فإن ما قام به يوسف هو جزء من شخصيته الاجتماعية .
مأدب يوسف كانت كثيرة ومتنوعة كان يقيم أكثر من حفلة في الاسبوع وكان يدعو كل من يعقد معه صفقة تجارية صغيرة أو كبيرة أو يشتري منه بضاعة مجزية بدعوة لتناول الغداء أو العشاء في بيتنا وكل واحد من تجار منطقة الخليج الكبير والصغير الذي يصل البحرين ويزوره في محله يدعوه علي الغداء أو العشاء.
هناك مأذب يقيمها لكبار الشخصيات من البحرينين والعرب والاجانب ومعهم كبار التجار ايضاً وهي مأدب يحضرها ما بين ٢٠ أو ٤٠ من المدعوين وتكون دائماً منوعة علي شكل بوفيه.
أحياناً ونحن نتناول فطورنا في الصباح يقول لي بمنتهي البساطة لدينا زائر من عمان أو السعودية أو الكويت سيتغدي معنا اليوم وعليك أن تقومي بالواجب وسأحضره معي ظهراً.
لا يخبرني قبل يومين أو حتي يوم واحد ولا يسألني إذا ما كنت مستعدة أو احتاج وقتاً للتحضير كل هذا ينساه أو يتجاهله امام رغبته في اكرام ضيفة فالكرم لدي يوسف لا يجارية شيء آخر فطبعة الكريم يطغي علي أي اعتبار ويغطي علي كل الاعذار وروحه المعطاه هي سعادته التي لا تضاهيها بهجة ومعرفتي بزوجي وبما يهتم به ويسعده يجعلني امتثل لطلباته مهما كان الوقت ضيقاً والتحضيرات المطلوبة كثيرة والجهود مضنية .
فترة ازدياد دعوات العشاء كانت متعبة بالنسبة لي لكنني كنت مجبرة عليها بالنظر إلي عدم وجود الفنادق والمطاعم التي يمكن أن يستعين بها يوسف لاقامة دعوات فيها وبالتالي فلا مجال لاقامة الحفلات ( العزايم) إلا في البيت وهذا الاجبار الذي فرضه الواقع فد زاد من مسئولياتي ومن متاعبي فأنا أم علي أن أهتم برعاية وتربية أولادي وبناتي وأنا ربة بيت أقوم بكل شيء يحتاجه البيت من التأثيث إلي خياطة الملابس إلي الترتيب والنظافة وبعد ذلك الطبخ واعداد الأكل والموائد لزوجي وضيوفه.
وبالنسبة للطبخ ومستلزماته فقد كان هناك شخص صاحب بقاله أتصل به واطلب منه ما أريد من احتياجات المطبخ وهو يقوم بتوصيلها إلي البيت وفي مرات كثيرة أذهب بنفسي إلي السوق واشتري الدجاج واللحم وأعود إلي البيت حاملة ما استعطت من أكياس وفي بعض المرات وعندما أصل إلي البناية ونحن نسكن في الطابق الثامن اجد أن المصعد معطلاً فأصعد السلالم بما أحمد وأصل إلي البيت وانا مرهقة وأدخل المطبخ مباشرة.
كانت عملية الطبخ متعبة خاصة إذا كان علي في كل مرة أن أجهز عدة اصناف من المأكولات وهو ما يطلبه يوسف ولا يقبل أن تحتوي مأدبه الغداء علي صنف أو صنفين فقط حتي لو كان الوقت ضيقاً وكان تعب الطبخ ينعكس علي مباشرة بعد الخروج من المطبخ فيصيبني صداع نصفي يتسبب بألم في الرأس يستمر عدة ساعات .
إلا أن هذا التعب والصداع الذي يكاد شق رأسي لا يمنعني من القيام بواجبي الاجتماعي فما أن أخرج من المطبخ ويتم تجهيز المأكولات علي المائدة حتي أتوجه إلي الحمام واغتسل واغير ملابسي واعد نفسي للحضور إلي حجرة الجلوس والسلام علي الضيف أو الضيوف بمعية زوجي الذي يقدمني لهم ويعتز بذلك ويحرص علي المحافظة علي هذا التقليد .
ما أود أن آذكره في هذا المجال واعني به مجال الطبخ والتلذذ به هو أولاً أنني بطبعي وتربيتي أحب الطبخ وأحب تعلم أعداد الكثير من أصنافه فقبل الزواج احضر لنا أبي نساء يهوديات وهنديات تعلمت منهن طبخ بعض الأكلات المالحة والحلوة وبعد الزواج تعلمت طبخ الفوزي من طباخ مختص ومشهور بإتقان هذا الصنف من الطعام وقمت بطبخه في البيت هذا الطباخ أسمه سعيد وهو معروف لدي العائلات البحرينية الذي يستعينون به لاعداد القوزي لمأدب البيوت وعند الرحلات الجماعية للبساتين والعيون .
وكما اسلفت فأن مسئوليات البيت كاملة كنت أقوم بها وحدي ولفترة من الزمن حتي جاء لي مساعد فني بحريني اسمه عبد الله عمل لدينا في البيت يؤدي ما أكلفه به من عمل ويساعندي في تنظيف وترتيب البيت وفي تجهيز المطبخ وما نريد طبخه لنا وللضيوف ومن ثم اعداد المائدة وتقديم الطعام والاهتمام بابنائي ، مرافقتهم والجلوس معهم بكلمة واحدة فقد أصبح عبد الله واحداً من أفراد عائلتنا يعيش معا وله غرفة خاصة ينام فيها وكان ايضاً يعمل نهاراً عند يوسف في مكتبه في سوق البحرين.
عبد الله هذا كبر في بيتنا واكتسب خبرة في العمل المنزلي وفي معرفة احتياجاتا والتعامل معه جاءنا وهو فتي وبقي معنا أكثر من عشرين سنة أوليته خلالها الكثير من الاهتمام واعطيته كل ما يحتاج له لكي يفتح بيتاً وقدمت له ما يحتاج لكي يشق طريقه ويبني مستقبله .
بقيت اقوم باعمال الطبخ بمساعدة عبد الله عدة سنوات حتي عاد فاروق إلي البحرين بعد اتمام دراسته الجامعية في بريطانيا حيث تزامنت هذه العودة بتوظيف طبخ للبيت يحمل عني هذا العبء الكبير والمضني لكن الطباخ ما أن بدأ عمله لبضعة آيام حتي قابله يوسف بالتذمر ومما كان يقول في شأنه.
كيف تأتوا بطباخ يعد لنا صنفاً واحداً من الاكل في كل وجبه أنتم تعرفون أنني اريد أن اري عدة اصناف من الاكل علي المائدة
حضرت حفلاتهم
في فترة الاربعينيات وحتي الخمسينيات من القرن الماضي كان هناك تحفظ علي مشاركة المرأة البحرينية في الدعوات والحفلات التي تقيمها الشركات ورجال المال والاعمال والنخبة السياسية ففي مثل هذه الحفلات يمكنك أن تري النساء الاجنبيات يحضرن كمدعوات بشكل مستقل أو بصحبة أزواجهن لكن النساء البحرينيات لا يحضرن آباً من هذه المآدب والحفلات حتي لو كن بصحبة أزواجهن وبالطبع ليس هناك من سبب لعدم الحضور إلا التمسك بالتقاليد المتحفظة والتي تري عدم اختلاط الرجال بالمرأة .
وفي الوقت الذي كان معظم رجال العائلة متمسكين بهذه التقاليد ويستنكرون ذهاب المرأة لحضور مأدب وحفلات مختلطة وخاصة إذا كان الداعون أو المدعوون من الغربيين الاجانب في هذا الوقت كان زوجي يوسف المؤيد يؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة وحق المرأة في الاجتماع ومخاطبة الرجل في مكان عام وعلي الاخص إذا حدث هذا الاجتماع وهذا الاختلاط في حضور ويمعية زوجها أو أحد افراد عائلتها الار الاخر الذي لمسته من زوجي هو اعتزازه وافتخاره بي واحترامه وثقته بي كزوجة تقف إلي جانبه في صف واحد ليس في البيت فقط ولكن امام الناس وكل الناس وهو الامر الذي جعله يحرص دائماً علي أن اشاركه في الترحيب بضيوفه في البيت عندما يدعوهم ويحتفي بهم وأن يزداد هذا الحرص والاهتمام بدعوته لي لمرافقته في حضور المآدب والحفلات التي يقيمها ولأنني أعلم أن النساء البحرينيات زوجات أو بنات المشاركون البحرينيون في هذه الحفلات لن يأتين مع أزواجهن بسبب التقاليد وبالتالي لو ذهبت فسأبقي وحيدة وحرجة فقد قررت أن اقبل بمرافقة زوجي حضور هذه الحفلات التي يدعو لها أجانب والتي اضمن فيها حضور نساء حتي لو كن اجنبيات ولا أصبح فيها حالة فريدة وبالمقابل امتنع عن حضور المآدب والحفلات التي ينظمها ويدعو لها تجار ورجال اعمال بحرينيون لاتشاركهم زوجاتهم فيها ولا يسمحون لهم حتي بالسلام علي الضيوف.
وخلال تلك الفترة حضرت عدداً من المأدب والحفلات التي تشارك فيها فرق موسيقية ايضاً منها تلك التي أقيمت في نادب بابكو والحفلات التي اقامها المستشار والمعتمد البريطاني ورئيس الخليج وكذلك الشركات الاجنبية لكنني لا يمكنني أن أنسي أول حفلة احضرها في حياتي في منزل المعتمد البريطاني .
ذهبت إلي تلك الحفلة برفقة زوجي بالطبع وكنت مرتدية فستان سهر بلا أكمام واضعة علي كتفي غطاءً من الفرو وما أن دخلنا البيت حتي جاء الخادم علي ما اظن واخذ غطاء الفرو من فوق كتفي وعلقه علي شماعة خاصة لهذا الغرض نظرت اليه باستغراب وفي داخلي غضب علي ما فعل لكنني في الوقت نفسه لم اكن اعلم من قبل شيئاً عن مثل هذا التقليد ولم يكن امامي إلا أن أذهب واجلس علي علي مقعدي بجوار زوجي وأنا في منتهي الخجل وعيني إلي أسفل فلم اتعود أن أجلس في مكان عام ومع رجال اغلبهم من الشخصيات البحرينية المرموقة وكبار التجار اذكر منهم محمد فخر وخليل كانو وحسين يتيم وغيرهم.
الحياء والخجل سيطرا علي طوال مدة الحفلة فلم استطع أن آمد يدي إلي الأكل الكثير والشهي الذي أمامي شعرت أنني اريد ولكنني لا استطيع أن أكل ولا حتي اشارك في الحديث الذي يدور بين الحاضرين كان الجميع يتبادلون الاحاديث والضحكات والفرحة تغمرهم إلا أنا فقد كنت في وضع مختلف كانت المعاناة تتنابني وأنه بدلاً من أن أتحدث مع الآخرين كنت احدث نفسي وأتمني اللحظة التي تنتهي فيها تلك الحفلة كي أعود لارتداء فرائي ومغادرة المكان .
كانت هذه هي التجربة الأولي لي لكنني بعدها تعرفت علي اجواء المأدب والحفلات وأخذت استمتع بها ولم يكن ينقصني إلا معرفة اللغة الانجليزية حتي أتمكن من التحدث مع الاجانب الذين كثيراً ما يوجهون لي الحديث أو السؤال وأنا لا أفهم ما يقولون ولا كيف ارد عليهم .
بقي أن اشير إلي أن مرافقة زوجي في حضور المآدب والحفلات كانت تسبب بعض الضيق لدي ابنائي عندما كانوا صغاراً فتعلقهم بي ورغبتهم أن أكون معهم دائماً داخل البيت وخارجة تجعلهم في كثير من الاحيان يعترضون علي خروجي من المنزل بالبكاء وبالمناداة علي أمام الباب من الداخل وفي بعض المرات كنت استعين بمساعدي عبد الله لاخذهم بعيداً عن الباب واشغالهم حتي أتمكن من الخروج فحب الابناء لأمهم يجب أن يكون لهم وحدهم وكذلك اوقاتها وعطاؤها .
الانسان يولد ويتربي ويعيش في بيت ووسط عائلة صغيرة وعائلة أكبر منها ثم مجتمع ودولة وينتقل فيزور دولاً ويتعرف علي شعوب ومجتمعات لها صفاتها وتجاربها ومن كل هذا التواصل والاحتكاك والصقل تتكون شخصية الانسان عبر السنين ويأتي اليوم الذي يقف.