لم تلبث أصداء المناظرة الأولى بين مرشحي الرئاسة الأمريكية؛ الرئيس دونالد ترامب ومنافسه جو بايدن، تتردد في فضاءات الإنترنت والمواقع الإخبارية، وتخضع لتحليلات وتشريحات، حتى أُعلن إصابة الرئيس وزوجته بفيروس كورونا، ليغشي المشهد السياسي غيوم ألقت بظلالها على أسواق المال، لكنها سرعان ما انقشعت مع مغادرته المستشفى واستئنافه أعماله ولقاءاته الانتخابية.
كانت المناظرة قد جرت فعالياتها مساء التاسع والعشرين من سبتمبر الماضي. بذل فيها الصحفي المخضرم كريس والاس، جهدًا مضاعفًا للحفاظ على توازن الحوار والتزام الحيادية وتقاسم الوقت، قدر الإمكان، بين المتنافسين. طبقًا لاستطلاعات الرأي دخل بايدن المناظرة متقدمًا بتسع نقاط ومتسلحًا بهدوء ساعده على عرض أفكاره، بينما اعتمد ترامب على طبيعته الهجومية وما حققه من نجاحات اقتصادية. لم يُقصر أي منهما فى اتهام منافسه بأنه الأسوأ ولم يفوت أحدهما أمرًا يسيء للآخر إلا وذكره. تدخل كريس بحزم مُذكرًا الرئيس بأنه هو من يدير الحوار ويوجه الاسئلة، أو طالبًا منه الصمت ليتمكن غريمه من الرد، أو يطالبهما معًا بإظهار قدر أكبر من الجدية. ثقافة اتسم بها المناخ الأمريكي.
ست موضوعات دارت حولها المناظرة؛ الاقتصاد، مكافحة فيروس كورونا، الرعاية الصحية، السياسة الخارجية، المحكمة العليا، وعدم المساواة العرقية. استراتيجيًا أخذت المحاور بعدين رئيسيين، الأول شخصي، بمعني تفاعل كل منهما، والثاني حزبي؛ رد فعل الحزبين الجمهوري والديمقراطي.
في تحليلها لنتائج المناظرة، منح مشاهدو شبكة CNN الإخبارية بايدن أعلى الدرجات، 66%، عن ملف الرعاية الصحية، بينما سجل ترامب أعلى درجاته، 48%، في الاقتصاد. في المتوسط، حصل الرئيس على 28% ومنافسه على 60%. رمزيًا، عبرت درجات كل منهما عن مجال تميزه؛ الاقتصاد والصحة، لكنها لن تعبر عن نتائج الانتخابات المنتظرة.
كان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما (2009-2017) قد أطلق فى عام 2010 قانون الرعاية الصحية المعروف باسم (أوباما كير) بهدف توفير رعاية صحية منخفضة التكاليف مع إلزام شركات التأمين برعاية ذوي الأمراض الخطرة. قبل توليه الرئاسة، تعهد ترامب بإلغاء القانون، وبذل هو وأعضاء حزبه جهودًا مضنية من أجل ذلك، الأمر الذى يهدد برفع غطاء التأمين الصحي عن عشرين مليون شخص فى وقت تتصدر فيه أمريكا قائمة الإصابات والوفيات جراء فيروس كورونا؛ حوالي ثمانية ملايين مصاب، تمثل أكثر من 20% من إجمالي الإصابات العالمية، توفى منهم حوالى ربع مليون شخص، فيما لا تزيد نسبة سكانها عن 4% عالميا.
مُدافعًا، شكك ترامب في احصاءات كثير من الدول عن ضحايا كورونا وعدد إيجابيات اجراءاته الصحية والاقتصادية. لرئيس قضي حياته كرجل أعمال يحتل الاقتصاد مقدمة أولوياته، اتخذ اجراءات خشنة مع الصين وهاجم سياسات أوربا الاقتصادية ورفض الإغلاق الكامل أمام كورونا، وإن ناؤه حكام الولايات الديموقراطيون. عندما أصيب بالفيروس، حرص على تمرير رسائل إيجابية لأسواق الأسهم والبورصات؛ تقرير يومي عن حالته الصحية، متابعته لأعماله اليومية، إعلانه جاهزيته للمناظرة التالية مع بايدن، وبالطبع لم يفوته الإشادة بالدواء الأمريكي الذي ساعده على الشفاء العاجل وعقد لقاءات جماهيرية مع مؤيديه. قدم أغلى دعاية في عالم يتلهف بحثًا عن قشة أمل بعد ما قصمت جائحة كورونا اقتصاده. ربما كانت تجربته الإنسانية مع المرض وراء رغبته اتاحته مجانًا للأمريكيين، وربما بغرض حصد مزيد من الأصوات، المؤكد ان الاقتصاد لم يغب عن عينيه. يحكى في الأثر أن أصدقاء كوهين نجحوا فى إقناعه بنشر نعي ابنه فى الجريدة، فلما وجد التكلفة مرتفعة ضمنه دعاية لنفسه؛ (كوهين. ينعي ولده ويصلح ساعات). الاقتصاد أولاً.