ضمن برنامج الزائر الدولي الذي كانت تنظمه الولايات المتحدة الأمريكية في شتى التخصصات كان نصيبنا في العام 1974م أن يكون التدريب في مجال الإذاعة والتليفزيون وتحديداً في مدينة سيراكيوس حيث جامعة الإعلام هناك ومن ثم الانطلاقة إلى أشهر القنوات التليفزيونية والإذاعات كـCNN وABC، و NBC و CBS وإذاعات محلية صغيرة، كنا من دول عربية وأفريقية وآسيوية وأوروبا الشرقية، وكان علينا الإقامة فترة التدريب مع أسر أمريكية يتم التنسيق معهم كمتطوعين يعيش بينهم هؤلاء المتدربون لكي يتعرفوا على عاداتهم وتقاليدهم، كما تتاح الفرصة للمتدربين أن يتعرفوا على طبيعة وتقاليد الأسر الأمريكية، وكان من ضمن برنامج الزيارة زيارات لولايات أخرى كنيويورك، وواشنطن وتكساس وفي أثناء هذه الجولة تكون الإقامة في الفنادق، لنعود بعدها إلى الأسرة التي استضافتنا في سراكيوس.
كان من نصيبي أن أسكن مع عائلة مكونة من أب وأم وابنتين وولد، واحدة منهما كانت تدرس في ولاية أخرى، كما أن الولد يدرس أيضاً في ولاية أخرى والتواصل بينهم بواسطة الهاتف وفي الأعياد الرسمية، والحق أن هذه العائلة وعائلها يدعى جون رش مور وزوجته تدعى ماري رش مور، الأب يعمل في شركة تأمين والزوجة ربة بيت وكانت سابقاً تعمل في سوبر ماركت كبير وآثرت البقاء في البيت للاهتمام بالأطفال عندما كانوا صغاراً..
كنت في البداية أتحسس خطواتي ولأول مرة تتاح الفرصة لي للعيش مع أسرة أمريكية متطوعة، وعندما سلمت لهم الهدايا التي أحضرتها من البحرين وهي عبارة عن ثوب رجالي وغترة وعقال وللسيدة ربة البيت ثوب نشل بحريني مطرز وتفاجأت أنهما ارتديا اللباس البحريني وخرجا إلى الجيران وهما يتباهيان بهذه الهدية والجيران فرحين معهم فكأنما الزائر قد جاء من كوكب آخر، وكانت رغبتهم في أن يروا هذا الزائر، ويومها تمنيت أن لو أحضرت لهم جميعاً هذا اللباس الذي وجدتهم مشدودين إليه، ولعلهم كانوا يريدون أن يعبروا لي عن سرورهم وإعجابهم.. كانت أيام جاوزت الشهرين ونحن نحضر ونغيب عن هذه الأسرة وتفاجأت بأنهم قالوا لي أنتم محظوظون تزورون ولايات في أمريكا نحن بعد لم نزرها، وكان علي أن أحضر معي من كل ولاية هدية تذكارية بالإضافة إلى الصور التذكارية والبوسكاردات.
وفي ختام البرنامج أقام المسؤول عن تنفيذ برنامج الزائر الدولي حفلاً وداعياً في أحد الأندية المطلة على جبل الجليد بحضورنا نحن المتدربين والأسر التي استضافتنا في سراكيوس، وكان من حسن الحظ أن رب الأسرة التي عشت معهم، وهو «جون رش مور» كلف بأن يلقي كلمة نيابة عن الأسر التي استضافتنا، وقد كان الرجل وفياً وأطنب في المديح، وقال إن هذا البرنامج يتيح الفرصة لنا كأسر أمريكية للتعرف على أناس من كل أنحاء العالم، فنحن لسنا الوحيدين في هذا العالم كما يصور لنا وأن هناك بشرا مثلنا وربما أحسن منا وقد سعدنا بوجودهم وليس كما كان يصور بأنهم أشرار ومختلفون عنا فهذا البحريني وهو يشير إليّ ترك بلاده وهو خاطب، وكنت فعلاً يومها لم يمض على خطوبتي لأم إبراهيم سوى أسبوع، وأضاف جون رش مور لقد وجدت فيه وفي زملائه الذين عاشوا بيننا وداً ورغبة في العلم ونقلوا إلينا ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، فنحن فخورون بأن يكونوا بيننا.. وتم تبادل الكلمات من آخرين وزكوني الزملاء في إلقاء كلمة عنهم وشكر للقائمين على البرنامج وعلى الأسر التي استضافتنا...
نحن بحاجة إلى أن نتعرف على الآخرين وبالتأكيد على الآخرين التعرف علينا، نحن في زمن أحوج ما نكون فيه للتعرف على الآخرين ليس فقط في طريقة معيشتهم وإنما في معرفة المؤثرات التي تجعلهم يبنون عنا أحكاماً مسبقة، والأمور ليست سهلة، تحتاج الى جهود كبيرة وبرامج مدروسة بعناية، وبرنامج الزائر الدولي ربما تحتاج اليه بلداننا ولدينا الكثير مما نقوله ونؤمن به..
أعتقد أننا بحاجة الى التأكيد على أهمية الثقافة والقيم التي يتحلى بها مجتمعنا، ووسائل التقنية المتاحة إلينا اليوم أكثر بكثير مما كان متاحاً فإذا كانت الوسائل الإعلامية التي يطلق عليها تقليدية قد أدت دورها إلا أن المتاح حالياً أكبر وأكثر بكثير من قبل، نعم عندنا الأشياء الكثيرة التي نفخر ونعتز بها وعلينا أن نثق بأنفسنا وقدراتنا للوصول إلى الآخرين، طبعاً هناك من يعملون على الإساءة لنا ولقيمنا ومعتقداتنا ولكننا واثقون من أنفسنا وما نؤمن به وأن الدعوات المغرضة مفضوحة النوايا وعلينا التصدي لها بكل ما نملك من إرادة حرة وجهد مشترك، ولا نقلل من أي جهد يُبذل من أجل نصرة شعوبنا وبلداننا.