من يسمع شكاوى ترامب من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، مُتهمًا إياها تعمد الإساءة إليه والبحث عن السلبيات لنشرها وتضخيمها نكاية في شخصه من جهة والحزب الجمهوري من جهة أخري، يظن أنها لمرشح مغمور يبحث عن الشهرة فى أحد جمهوريات الموز وليس رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. لم يعتد الرجل استخدام عبارات سياسية مطاطة، اتبع ذات منهجه في إدارة أعماله؛ هجومي مغامر. في مناظرتيه مع منافسه جو بايدن لم يتردد عن ذكر سلبيات الإدارة تجاه ملفات الرعاية الصحية والتفرقة العنصرية والاقتصاد. لغة ومنهج لم يعتدهما الناخب الأمريكي من قبل، ويبدو أنهما يلقيان أصداء طيبة ومساندة أيضًا.
في المقابل، نشر جو بايدن، عدة إعلانات ترويجيه، يُظهر أحدها شوارع خاوية مع تعقيب عن ارتفاع ضحايا جائحة كورونا متهمًا ترامب بالتقصير في اتخاذ اجراءات وقائية سريعة. تخطي عدد المصابين التسعة ملايين شخص، توفي منهم زهاء الربع مليون. إعلان آخر يخاطب الأمريكيين من أصول إفريقية، ضَمَنَهُ مشاهد لعشرات الانتهاكات التى قامت بها الشرطة على مدى عقود تجاه مواطنين ذوي بشرة سمراء، كان أشهرها مقتل الشاب جورج فلويد في ولاية مينيسوتا، مايو الماضي. في ذات الولاية، رفض حاكمها الديمقراطي السماح لقرابة خمسة وعشرين ألف مؤيد لترامب من حضور مؤتمره الانتخابي بالولاية تطبيقًا للإجراءات الاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا، مما جعله عُرضه لهجوم الرئيس، الذى اضطر للاكتفاء بمقابلة ممثلي مؤيديه في مطار الولاية.
سباق انتخابي طويل وشاق استخدمت فيه كل أدوات القوة، قوانينه أفضح خصمك واضرب تحت الحزام تحصد أصواتًا أكثر. لم يدخر أى منهما وسعًا، طافا أنحاء الولايات، قابلا واندمجا مع الأطياف كافة، حتى عندما أصيب ترامب بفيروس كورونا غادر المستشفى بعد عدة ايام وألقي بنفسه في خضم لقاءات جماهيرية مع مؤيديه. اليوم الذى يمر دون تفاعل قد يعرضه لخسارة بعض الأصوات.
وأخيرًا، آن للسباق الانتخابي الوصول إلى المحطة قبل الأخيرة، اصطف الناخبون في طوابير طويلة، لم تشهد أى منها تجاوزات. انضم عشرات الملايين إلى قرابة مائة مليون آخرين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات المبكرة، التى بدأت قبل شهر من الموعد الرسمي للانتخابات، الأمر الذى حذا بالمعنيين توقع تجاوز إجمالي عدد الناخبين المائة وخمسين مليون، مما يجعله رقمًا قياسيًا يشير إلى المنافسة الشديدة بين الجانبين، والتزام مؤيديهما بالوقوف ورائهما، والتزم المتنافسان ببث رسائل الأمل لأنصارهما خلال مرحلة فرز الأصوات، وإن لم يمنع هذا السيد ترامب من التلويح باللجوء للمحكمة العليا لحسم أمر الأصوات المتأخرة التى ترد بالبريد.
وحتى كتابة هذه السطور، بدت كفة جو بايدن أرجح، 264 مقابل 214 لترامب، وتبقي له، بايدن، فقط 6 نقاط للفوز بالمجمع الانتخابي وإعلانه رئيسًا. أرغمت كورونا الجميع على إيقاعها، فلأول مرة تتجاوز عدد بطاقات التصويت بالبريد الخمس وستين مليون بطاقة، آثر أصحابها المشاركة عن بعد بدلاً من مواجهة مخاطر التجمعات، مما أخر إعلان نتائج بعض الولايات. أيضًا، كانت كورونا أداة بايدن ضد الرئيس ترامب، فلربما تجاوز عدد ضحاياها إجمالي ضحايا أمريكا في الحربين العالميتين.
وعلى الرغم من اقتراب عملية فرز الأصوات من نهايتها، يصبح التكهن بأيهما أقرب أمرًا صعبًا، يكفي بايدن الفوز بأصوات أحد الولايات الثلاث المتبقية لكن احتدام المنافسة والتقارب الشديد في النسب يعقد الأمر. أيضًا تهديد الرئيس ترامب اللجوء للمحكمة قد يجبر الجميع على الانتظار ولو لعدة أيام أُخر، لتظل نتيجة الانتخابات الأمريكية تتأرجح حتى لحظة النهاية.