تمر علينا ذكرى مولد رسول الإسلام في شهر ربيع الأول كل عام لنجدد تواصلنا مع رسول السلام والمحبة والإخاء البشري، إلا أن هذه السنة شابها ما تمر به البشرية جمعاء من آثار سلبية للجائحة والتي كبدت بني البشر ملايين الضحايا، وضيّقت معيشة مئات الملايين في العالم أجمع.
ومع ذلك، كنا فرحين بهذه المناسبة العزيزة، والتي نستلهم منها، ومن سيرة النبي الكريم محمد، ــ صلى الله عليه وسلّم ــ ، دروس وعبر ومواعظ وقيم تشحذ الهمم للارتقاء بأخلاقنا وتعاملنا فيما بين الأمة الواحدة وخلائق الله من الناس، بل حتى في تعاملنا مع الحيوان والجماد.
وليس العبارة الأخيرة من قبل المبالغة أبداً. فقد تعلمنا من الرسول، ــ صلى الله عليه وسلّم ــ ، كيفية التعامل مع الحيوان بالرفق. وقد ذكرت أستاذة القانون بجامعة هارفارد الشهيرة، كريستين ستيلت، أن «مفهوم الرفق بالحيوان هو مفهوم إسلامي صرف». وتضيف «إن قواعد القانون الإسلامي بشأن الرفق بالحيوان، والتي أسست في القرن السابع، تعمل لحماية الحيوانات أكثر من قوانين أي بلاد اليوم».
كما وأن التعامل مع البيئة لها حدود وقواعد إسلامية، فلا يجوز الإسراف في استخدام ما وهب الله للإنسان في الطبيعة، ولا يجوز قطع الأشجار إلا في حدود الحاجة. وهكذا صان الإسلام البشر والحيوان والجماد من آفات البشر.
ولكن الأحداث التي وقعت في فرنسا مؤخراً من التعرض لشخص النبي الكريم، وما تبعه من أحداث عنف من قبل متطرفين، لا تمت للإسلام بشيء، ولا بأخلاق الرسول الكريم. فكم قاسى النبي محمد، ــ صلى الله عليه وسلّم ــ في دعوته، وكم تعرض هو واتباعه لكثير من الأذى من مناوئي الرسالة الإسلامية السمحاء.
وقد جاءنا في الأثر أن الرسول، ــ صلى الله عليه وسلّم ــ ، كان يعاني من جار يهودي يضع له القمامة والشوك في طريقه. وذات يوم، لم يجد الرسول الكريم مما أعتاد عليه من أوساخ كان يقذف بها هذا اليهودي في طريق الرسول عليه السلام، حينها أدرك نبي الإنسانية أن جاره مريض، فعاده. وكم كانت لهذه الزيارة من أثر على نفس هذا اليهودي، ودخل في الإسلام راغباً لا مجبراً.
وما أحوجنا اليوم ونحن نستذكر ميلاد رسولنا العظيم، ــ صلى الله عليه وسلّم ــ ، أن نقتدي بسيرته العطرة وشمائله في التسامح والعفو عمّن ظلمنا أو أساء إلينا. كم كان سيكون من أثر طيب لو دعا المسلمون الأستاذ الذي عرض الرسوم المسيئة إلى حوار هادئ، ليفهم أن ما قام به ليس حرية رأي، ولكن إساءة لما يزيد على مليار مسلم في أصقاع المعمورة، وتجاوز على حقوق مواطنيه المسلمين الفرنسيين.
لقد فاتت علينا الفرصة لشرح ديننا الحنيف عبر الحوار، والاستماع إلى من يخالفنا الرأي كما فعل رسولنا الكريم ــ صلى الله عليه وسلّم ــ ، مع من أذاه ومع من ظلمه، ففي فتح مكة لم نسمع أن الرسول، ــ صلى الله عليه وسلّم ــ ، نصب المشانق وجهّز ساحات الإعدام لمن غبنه وهجّره من أرضه ووطنه، بل قال عليه السلام، جملته الخالدة «اذهبوا فأنتم الطلقاء».
ومن يكون له مشروع دعوة أو إصلاح، لا يهدمه بمعاول الانتقام والقتل والتشريد، ولا يعمل كما فعل الغلاة من التفجير والتخريب، بل كما فعل رسولنا الكريم ــ صلى الله عليه وسلّم ــ ، من الصبر والتسامي على روح الغضب والثأر.
وهناك مبدأ في الاشتباك مع الآخرين، فمن واجهك بالكلمة تواجهه بالكلمة، ومن واجهك بالقلم فالرد يكون بالمثل. والأفضل ما قاله أمير المؤمنين، سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: «أميتوا الباطل بالسكوت عنه». وإسوة الرسول هي الأفضل، حيث يقول «إِنَّ الرِّفقَ لا يَكُونُ في شيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ». وصدق شاعر الرسول، حسان بن ثابت، حين قال: وما فقد الماضون مثل محمد***** ولا مثله حتى القيامة يفقد.