آخبار عاجل

عن مسافة الأمان في حياتنا .. بقلم عصمت الموسوي

07 - 11 - 2020 1:40 216

يتردد مصطلح مسافة الأمان كثيرا في حياتنا هذه الأيام وذلك على خلفية جائحة كورونا، وضرورة التقيد بالتباعد الجسدي اتقاء لوباء سريع الانتشار، رحم الله امي التي لم تصدق مرض كورونا ولم تقبل به ولم تعترف بمسافة الأمان الضرورية التي اعتمدناها في التعاطي معها منذ بداية الجائحة، بل كانت ترى الأمان الجسدي والإنساني العاطفي في قربنا منها وفي تحلقنا حولها وفي قبلاتنا واحتضاننا وملامستنا لها، كانت تجد في هذا التلاحم والتلاصق بلسم ودواء يعين على مواجهة الم الشيخوخة ومرارة العزلة وقسوة الضجر

مسافة الأمان الضرورية للسلامة وحماية الناس كانت غائبة في مرفأ بيروت عندما جرى تخزين مواد شديدة الخطورة وقابلة للاشتعال وتم تأجيل البت في امرها قانونيا وسياسيا وقضائيا حتى انفجرت واودت الى كارثة كبرى، بعد الانفجار طرح التساؤل في كل مكان : كم هو مقدار الأمان الذي يتوفر في منشأتنا الحيوية والخدمية التي تستخدم الأدوات والأجهزة والمواد الخطرة ؟ وهل نحن محصنون من انفجارات مماثلة ؟

لكن قبل ان نستطرد دعونا نتساءل : السنا نتعاطى يوميا مع مسافات الأمان المادية والمعنوية والصحية والسياسية والاجتماعية في حياتنا وعلاقاتنا ومعاملاتنا؟ الا تتضمن العقود التي نوقع عليها في شئون معاشنا العديد من مسافات الأمان التي يجدر بنا معرفتها جيدا، اذ عبرها يتحدد دورنا ومسؤوليتنا وحقوقنا، في قبال مسؤولية الاخرين، كي نعرف لاحقا من نساءل ومن نلوم ومن نقاضي اذا انفجر الجهاز او تصدعت المؤسسة التجارية او انفرط عقد الشراكة السياسية ؟

ولعلنا لا نجافي الحقيقة اذا قلنا ان مسافة الأمان السياسية الغائبة في العالم العربي هي التي قادت الى الاضطرابات والانفجارات السياسية عام  2011، منح الحكام لأنفسهم كل الأمان وكل وسائل الحماية وباعدوا بينهم وبين شعوبهم التي لم يترك لها أي وسيلة للتنفيس وللحركة والتعبير او الاحتجاج ضمن مسافة الأمان المعتادة والطبيعية بين الراعي والرعية في كل المجتمعات الديموقراطية الحرة المتحضرة ، تصنف الدول العربية ومنذ سنوات في اسفل قوائم حقوق الانسان والحريات الصحفية والسياسية وحرية الانترنت وحرية التغريد .

على ان هناك مسافات امان أخرى ، مرئية وواضحة أحيانا او متوارية أحيانا أخرى ،او ربما معروفة بداهة او عرفا بيد انها تبرز عند المحك ،واولها العلاقة مع النفس ومع الضمير ، ثم مع الاخر ، القريب والبعيد ،الشريك والزوج ،رب العمل ،الخادم ،الاجير ،الطبيب ،  ان رسم طريق الأمان لا يتأتى دون الوعي والإدراك بكل التزامات المرء وحقوقه في مقابل حقوق الاخر .

وحين نأتمن قائدا او رئيسا او شريكا على مصالحنا واموالنا ومستقبلنا فأننا نكتب العقود الموثقة ونحدد مالنا وما علينا ضمن مسافات الأمان التي تحمي حق كل طرف .

وفي العلاقات الزوجية والاجتماعية والتجارية على اختلافها تنشأ المشكلات حين يفتح احدهم ثغرة في مساحة الثقة والأمان متوسلا الخديعة والتلاعب، ونحن نقول في امثالنا "اعطيناه الخد فتطاول الشفاه" ،" اذا رأيت صديقك حلوا فلا تأكله كله " وكلها أمثال تشي بانتهاك مساحات الأمان المسموح بها .

ويتعامل الكاتب والصحفي بوصفه ضمير الامة كل يوم مع مسافة الأمان هذه للإبقاء على راسه حرا وقلمه مستقلا .

 وليس هناك أوضح من تلك المسافة المرورية الامنة التي نعرفها جميعا ونحن  نقود سياراتنا، وحيث تشير علامات الطريق الى الحدود والضوابط ، وتقع اغلب الحوادث القاتلة والمميتة حين نتخطى مسافاتنا او سرعتنا تهورا او استهتارا او سهوا او انشغالا بهواتفنا المحمولة .

الشفافية والوضوح والصدق والمصارحة والرضا عناصر مهمة في كل العقود والمواثيق الضامنة للأمان المادي والمعنوي لكل الأطراف المتشاركة فيه وذلك منعا للتجاوز وتجنبا للكوارث الراهنة اوالقادمة .

على ان مسافة الأمان ليست ثابتة بل متحركة ومتغيرة ومتحولة وفقا لتصاريف الزمن ومعطياته وقوانينه، فلكل عصر ثوابته وحدوده التي يعد الالتزام بها علامة على وعي المجتمع ورقيه وتحضره .

لكن هذه المسافات تظل موجودة وفاعلة ومؤثرة دوما خصوصا اذا حظيت بالاتفاق والأجماع والقبول من كل الأطراف، واسوأ الأمم والشعوب تلك التي تلكأت او اجلت وضع المسافات الامنة في كل مفاصل دساتيرها وعقودها وقوانينها وعلاقاتها بغيرها.



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved