اتخذ المهرجان الوطني للتسامح والتعايش، الذي انعقدت دورته الرابعة هذا الأسبوع، وكان لي شرف المشاركة في فعالياته، من عبارة «على نهج زايد»، شعاراً لدورته هذا العام، عرفاناً بالدور الرائد الذي لعبه المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، في نشر وترسيخ ثقافة التسامح والتعايش في ربوع دولة الإمارات، حتى أصبحت في طليعة دول العالم أجمع، كواحة للتعايش والوفاق، وموطناً للأمن والأمان والتقدم والنماء، كما أشار إلى ذلك معالي الشيخ نهيان بن مبارك وزير التسامح والتعايش، في كلمته خلال افتتاح فعاليات هذه الدورة.
لقد جاء شعار هذه الدورة، والكلمات التي ألقيت فيها من قبل نخبة مميزة من الرموز الوطنية، تجسيداً لحقيقة أن ما نعيشه اليوم على أرض هذا الوطن العزيز، من تسامح وتعايش وأخوة إنسانية، هو نتاج وامتداد لنهج زايد الخير في التسامح. فهذا الزعيم التاريخي الاستثنائي، رحمه الله، لم يؤسس فقط دولة اتحادية قوية ومتماسكة، استطاعت أن تقف في مواجهة كل التحديات والصعب، ولكن ما هو أهم وأعظم من ذلك، في تقديري، أنه وضع الأساس القيمي الذي استندت إليه هذه الدولة في مسيرتها المباركة، وتجربتها التنموية والإنسانية الرائدة إقليمياً وعالمياً.
إن بناء الأوطان شيء عظيم، لكن الأعظم منه، هو زرع منظومة القيم النبيلة، التي تستند إليها هذه الأوطان والشعوب، وترسيخها في نفوس الناس، ومن هنا، لم يقتصر فكر الشيخ زايد وجهوده على تطوير قدرات الإنسان وتنمية مهاراته فقط، ولكن ركز أيضاً على تنمية هذا الإنسان قِيَمياً ومعنوياً، من خلال زرع القيم الإنسانية السامية والخيِّرة فيه، ودعوة أبنائه المواطنين على التحلِّي بهذه القيم في سلوكهم ومعاملاتهم مع بعضهم بعضاً، ومع الآخرين. ومن بين هذه القيم، وأهمها، قيمة التسامح، التي جسدها الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وعمل على ترسيخها قولاً وفعلاً، حتى أصبح يشكل رمزاً للتسامح والسلام والحوار، داخل الإمارات وخارجها.
ولعل أهم ما يميز نهج الشيخ زايد في التسامح، هو شموليته وارتباطه بنظرته، رحمه الله، للإنسان عموماً، وأهمية احترام البشر باختلافاتهم وتبايناتهم جميعاً، باعتبارهم بشراً لهم ذات الحقوق والصفات الإنسانية. وربما كانت معالي الدكتورة أمل القبيسي رئيسة المجلس الوطني الاتحادي السابقة، أدق من وصف هذا النهج، عندما ذكرت في كلمتها في هذه الفعالية، أن «نهج الشيخ زايد في التسامح، هو نهج مبني على قيمة احترام الآخرين، احترام الاختلاف، احترام التكامل الذي يسهم به الاختلاف، واحترام المرأة ودورها».
لقد شكلت قيمة التسامح، إحدى الركائز المحورية في فكر الشيخ زايد وفلسفته العامة في الحياة والحكم، قبل أن يدرك العالم بعقود عدة، أهمية هذه القيمة، كوسيلة لمواجهة نزعات التطرف والكراهية والإرهاب الأسود، التي تكتوي بها البشرية اليوم. والمؤشرات على ذلك أكثر من أن تحصى، فمقولته المأثورة التي قال فيها: «لولا التسامح، ما أصبح صديق مع صديق، ولا شقيق مع شقيق، التسامح ميزة»، تجسد الفهم العميق لأهمية التسامح، في بناء العلاقات الإنسانية السوية، والحفاظ على تماسك المجتمعات. ولعل تأكيد الشيخ زايد طيب الله ثراه، المستمر، أن الدين الإسلامي الحنيف دين رحمه وتسامح، لا مكان فيه للغلو والتطرف والكراهية، يُظهر فهمه الفطري السليم لمقاصد هذا الدين السمح، والأهداف المشبوهة للجماعات التي تتاجر باسمه.
كما أن له الكثير من المواقف المشهودة، التي تؤكد إيمانه بالتسامح الديني بين البشر، بمختلف عقائدهم.تأكيده، رحمه الله، على أهمية أن تسود قيم التعاون والسلام بين البشر، سواء داخل البلد الواحد، أو بين دول العالم، ورفضه لمنطق الحروب والنزاعات، خاصة إذا كانت عدوانية وظالمة، وتقديمه الدعم لجميع دول وشعوب العالم، دون تمييز على أي أساس من الدين أو المذهب أو اللون أو اللغة، وفتحه أبواب الإمارات أمام القادمين من جنسيات دول العالم المختلفة، دون تمييز، كلها مؤشرات أخرى على نهج الشيخ زايد، طيب الله ثراه، في التسامح والتعايش، وهو النهج الذي عززته قيادتنا الرشيدة الحالية، وجعل من الإمارات منارة للتسامح والمحبة والعيش المشترك في العالم كله.