في خفة يضع سامر الشمالي قارئه في الزاوية، يتركه حائرًا، دَهِشًا، تتجاذبه أفكار قصصه. تذكرني كتاباته بإبداع حوارات الراحل؛ محمد الماغوط، في مسرحيته كاسك يا وطن، مخلوطًا بعبقرية الفنان دُريد لحام. ولا عجب، فثلاثتهم سوريون.
في قصته (عندما تتوقف القلوب) يحكي سامر عن رجل شكى للطبيب توقف قلبه عن النبض، ظنه مريضًا نفسيًا، لكنه حال وَقَعَ الكشف عليه طلب منه بجدية أن يدرك المحكمة قبل انتهاء الدوام ويستخرج شهادة وفاته. بعفوية، سلم الرجل القاضي الأوراق المطلوبة ومنها بطاقة تحقيق الشخصية وتسلم شهادة وفاته ومضي في سلام. في الشارع، استوقفه الشرطي ولما وجده بلا هوية ألقى القبض عليه ومضي به إلى المقابر. وهناك انضم لطابور طويل من المتوفين ينتظرون دورهم في الدفن!!.
خلاف دهشة الموضوع تأتي بساطة سرده تاركًا للقارئ تخيل ملامح بطل القصة وقد تحول إلى جسد بلا روح، ظِل إنسان يقيم في مدينة الموتى؛ اقرأ معي هذا الحوار، (سأله القاضي: من الميت؟/ أنا، قال وهو يتوقع دهشة القاضي، ولكن القاضي قال ببرود: اعطني هويتك الشخصية/ لماذا؟/ الأموات لا يحتاجونها؟، فيجيبه بعفوية، صحيح)!!.
أما في قصة (الحجرات الرقمية) فيصور عجز التكنولوجيا الحديثة عن تلبية الاحتياجات النفسية للإنسان، يرحل رجل من كوكب الأرض إلى الكوكب الرقمي، يقيم في حجرة مزودة بأجهزة كمبيوتر تلبي له احتياجاته، بضغطة زر يحدد درجة الحرارة والمناخ والبيئة التي يريدها. في أول الأمر بدا مبهورًا بما حوله، صنع حدائق مليئة بالزهور والرياحين وزكمة عبيرها، وغابات تتجول فيها حيوانات مفترسة اختبأ منها وصارعها، وبحار ومحيطات تتعارك أمواجها، عوالم افتراضية يصنعها الضوء ويصدقها الخيال. ولأن آفة الإنسان الملل، سرعان ما غادرت صاحبنا الدهشة وطلب العودة لكوكب الأرض مرة أخرى.
لا ينفك سامر، عبر قصصه، يحثنا على التفكير بشكل مختلف، في قصته التمثال النصفي، يحكي عن تمثال يحتل مكانه في الحديقة منذ زمن طويل، يتطلع إلى وجوه الزوار، يتذكر بعضها وينسي البعض الآخر، إلا وجه تلك الفتاة التى كثيرًا ما لعبت في طفولتها حوله، تختبأ خلفه من صديقاتها فيسترها ولا يوشي بها، كبرت الفتاة مع الأيام وصارت تأتي مع حبيبها يغمرهما فرح وتفاؤل، وبينما كانت تقضي هى أسعد أوقاتها كان التمثال يقضي أسوأ ساعاته، أتعبه الحب حتى وجده حارس الحديقة، ذات يوم، محطمًا بعد ما كسرته قسوة الحب.
قصص مشوقة تستمع بقراءتها أكثر مما تقرأ عنها، أصدرها في مجموعة قصصية تحت عنوان (الساعة الآن)، بعد ما فازت في أحد مسابقات القصة القصيرة بالمركز الأول.
يقيم سامر الشمالي حيث ولد، بمدينة حمص بسوريا، اتخذها مقرًا لإقامته وإصدار كتبه ومقالاته المتنوعة في مجالات؛ النقد الأدبي، الرواية، القصة القصيرة، المسرح، أدب الأطفال. نشر مؤلفاته في مجلات وصحف عربية، ونال العديد من الجوائز من مصر وسوريا والإمارات.
وتعتبر مسرحياته القصيرة الصادرة تحت عنوان (يوميات مواطن سابق) أحد أبرز أعماله، واصل فيها بحثه الدؤوب عن المدينة الفاضلة بعد ما أحالت الحرب حياة بطل المسرحيات إلى حطام يتشابه وبيته الذى صار خرابًا من آثار القصف والحرب. وربما كان ولعه بالإنسان النبيل النقي، أيضًا، وراء كتاباته المتنوعة للأطفال إيمانًا منه بأنهم الجيل القادر على تحويل كوابيس الحاضر إلى رؤى وواقع يعيد إليهم سوريا القديمة، بلد موحد بلا حواجز ولا مناطق عازلة، ولا قناصة يتربصون بكل ما يتحرك على الأرض ويطير في الفضاء، حتى لو كانت أحلامًا بريئة.