ما أجمل قول السابقين: «أحبك يا خالي فيك ريحة أمي»، فالأم عزيزة وكذلك الأب وكل الأقارب فمنزلتهم رفيعة في قلوبنا وجوارحنا، نتألّم لألمهم، ونفرح لفرحهم والأقدمون وضعوا أوصافًا للأهل مبالغة محمودة لمكانتهم ومنزلتهم في نفوسنا...
ولعلّ الخال قد حظي بمكانة خاصة كونه أخَ الأم سواء كان شقيقًا أو غير شقيق، وقد يمتد التقدير والاحترام إلى الخال الذي يكون للأم أو الأب، وقد أوصانا القرآن العظيم بالأهل والأقارب ومن يمت لهم بصلة.
الخال حباه الله بالعطف، ولعلّه يرتاح لهذه المكانة فيعطف على أبناء أخته وينزلهم المكانة التي تليق بهم، كما أن أولاد الأخت يفرحون بمقدم خالهم ويثقون بأنه سيجلب لهم عند زيارته الهدايا...
كنا في مجتمعنا ولا نزال عندما نعز إنسانًا حتى ولو لم يربطنا به نسب نقول: «يا خالي» أو «عمي»؛ تقديرًا لمكانته، والمحبة التي نكنها له.
تعودنا في مناسبات الجمع أو الأعياد أن نزور بيت العم أو الخال لكي نتقاسم معهم اللقمة ونلعب مع أطفالهم، فكنا نلقى منهم كل العطف والرعاية والاهتمام.
نحتاج في أيامنا لأن نكون الأقرب للأهل، وفي عمر من الزمن نسأل الوالد أو الوالدة من هو أقرب الناس إليهم، فيصرحون بما لا لبس فيه بيت عمكم أو بيت خالكم.
حبانا الله بنعمة تقدير ومحبة الأهل من الدرجة الأولى، وكانت المسؤوليات الملقاة على عاتقنا حتى ونحن حديثو عهد بالحياة الاهتمام والتقدير لهم، واللجوء إليهم عندما تشتد بنا المحن، وتصبح أمور الحياة صعبة.
أيام السفر التقليدية بالسفن كانت زياراتنا للأهل في خليجنا العربي لبيوت الأعمام أو الأخوال، وكانت فرحتنا وفرحتهم كبيرة ولا تقدر بأي ثمن لم نكن نعرف الفنادق، لأن بيوتهم كانت سكنًا لنا، وتقاسمنا الزاد فيه لذة، وشعور إنساني بالمشاركة الوجدانية، نعم قد نحمل معنا أيامها الهدايا البسيطة لكننا لن نعود بخفي حنين، فقد جهزوا لنا الهدايا ولأقربائنا عند عودتنا إلى الوطن.
قليل منا من كان يعرف السفر إلى بلاد الغربة، حيث لا أهل ولا أقارب، وكانت غاية مُنانا أنه بعد انتهاء الدراسة وبدء العطلة الصيفية أن نتوجه إلى فرضة المنامة أو فرضة المحرق للسفر إلى الأهل في الخليج العربي.
يشعر الخال بمسؤولية كبيرة في الاهتمام بأبناء وبنات أخته، كما يشعر الأبناء والبنات بمكانة الخال في نفوسهم فيتقربون إليه، ويبادلونه حبًّا بحب، طبعًا هذه المحبة لا تنسيهم واجب الطاعة والأخذ بنصائح وتوجيهات الخال بالإضافة إلى نصائح الوالد والوالدة، فقد كان الأهل يشعرون بالمسؤولية الجماعية للأهل في تربية الأجيال، والخالة المرأة طبعًا مكانتها من مكانة الأم؛ فهي الأم الثانية التي يملأ قلبها الحب والعطف بكل ما تحمله الكلمة من معنى لابن أو ابنة أختها، فهي العطوفة، الحنونة الساهرة على مصلحة أبناء وبنات أختها وترى فيهم أبناءها وبناتها وتشتاق إلى رؤيتهم والجلوس معهم وإسداء النصائح لهم، فالأسرة لا يرتاح لها بال إلا بالالتقاء اليومي أو الأسبوعي وفي المناسبات المختلفة.
لو تمعنا في حقيقة العلاقات الأسرية الممتدة لوجدنا أننا ولله الحمد في نعمة ما بعدها نعمة، والواجبات الملقاة على عاتقنا تزيدنا لحمة وألفة ومودة.
تعلمنا من خالنا وخالتنا الوفاء والمحبة، والتواصل الاجتماعي، والإيثار وتمتد هذه العلاقات لبقية الأقارب، نحتاج في زماننا إلى وقفات مع النفس، والتجرد ما أمكن من متع الحياة الزائلة، والتأكيد على الثوابت في العلاقات بين الأهل والأقارب والأصدقاء، فلا تستقيم الحياة بالشحناء والبغضاء والتكالب على الدنيا، وهو لعمري جهاد للنفس ليس سهلاً، ولكننا سنشعر بلذة الحياة والتقدير والمكانة التي يستحقها كل واحد منا، فالحياة أخذ وعطاء والمرء عندما يعيش لنفسه سيلقى حتمًا العنت وصعوبة الحياة عليه وعلى أسرته الصغيرة..
تغيرت الحياة نعم وصرنا حتى ونحن في بلد واحد قليلي التواصل بيننا، نعم استخدمنا وسائل التواصل والهواتف ولكن كل ذلك لا يغني أبدًا عن اللقاء الأسري الحميمي وجهًا لوجه. أتمنى أن نأخذ بنصحية الأهل بأن نلتقي كل أسبوع، ليس في مكان واحد وإنما ننتقل من بيت إلى بيت ومن مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية، قد يبدو هذا صعبًا ولكننا إن جربنا ذلك فلن نندم؛ لأننا من جيل عاش هذه التجربة بكل أبعادها وقيمها ومعانيها، فعادت علينا بالخير وأدامت تواصلنا الإنساني المحمود.