آخبار عاجل

فيروز... عصفورة الشمس.. بقلم: محمد مصطفى الخياط

04 - 12 - 2020 11:38 567


 
هناك شخصيات يصعب أن تتحدث عنها، لأنك لا تستطيع أن تحيط بها. تضعها خارج عقارب الزمن المتغير أبدًا، وخارج حدود الجغرافيا، وخارج إطار التاريخ. شخصيات صالحة لكل زمان ومكان. أعطت أكثر مما أخذت، وقفت على مسافة واحدة من كافة الفرقاء، أغمضت عيونها وبسطت أكفها بالخير دون تمييز عرقي أو ديني أو سياسي، تحدثوا فكانت كلماتهم قناديل التائهين، وبلسم البائسين. بظلهم تأنس الأرض ويتجدد الأمل في نفوس الحياري والمكلومين. فيروز أحد هذه الشخصيات.
يصعب أن نصنف فيروز (نهاد حداد) كلبنانية وننسي غنائها لدمشق حين قالت (بلادي وحُبّك يا موجعي)، ولأم الدنيا (مصر عادت شمسُك الذهبُ)، وللخليج (هل تستعاد أيامنا بالخليج وليالينا)، ولعاصمة الرشيد (بغداد والشعراء والصورُ/ ذهب الزمان وضوعه العطرُ)، وللقدس العتيقة (مريت بالشوارع/ شوارع القدس العتيقة)، أما لبيتها؛ لبنان، فحدث ولا حرج؛ (بحبك يا لبنان، لبيروت، بيروت يا بيروت، إسوارة العروس، زهرة المدائن، وغيرها من أغان. 
أيضًا، يصعب أن نحصر فيروز في زاوية دينية واحدة ونتناسى (حنينًا إلى أحمد المُصطفى)، أو نتغافل عن (يا ليلةَ الإسراء يا درب من مرّوا إلى السماء)، أو (غنيتُ مكةَ أهلها الصيدا)، أو (يا قدسُ يا مدينة الصلاة)، صفة جمعت معابدها، وكنائسها، ومساجدها، جعلت منها محراب صلاة.
عندما تشظت لبنان طوائف وشيع، ظلت فيروز نقية، بلا لون يصبغها ولا حزب يحصرها في خانة بعينها، ظلت رمزًا عصيًا على التصنيف. عندما صُدم العالم في انفجار مرفأ بيروت، أغسطس الماضي، وهرع العالم يُآزر لبنان ويواسيه، كانت فيروز قِبلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من المطار إلى بيتها مباشرة، لم يقصد قصر بعبدا حيث مقر الرئيس، ولا ساحة النجمة حيث مجلس النواب بتركيبته العصية على التآلف، ولا ساحة رياض الصلح حيث مقر رئيس الوزراء، الشاغر حتي حينه، قفز ماكرون فوق كل هذا ووقف عاليًا إلى جوار فيروز، الرمز والمعني.
منذ عدة أيام، أتمت فيروز عامها الخامس والثمانين، (21 نوفمبر 1935)، مسيرة طويلة، منذ كانت طفلة ترتدي المريول وتغني في حفلة مدرسية فيكتشفها موسيقي يعرف كيف يستخرج اللآلئ، ثم التحاقها بمعهد الموسيقي. وقبولها في الإذاعة اللبنانية. ثم تعرفها على عاصي الرحباني وزواجها منه لتبدأ بعدها رحلة خارج مدار المألوف الموسيقي، لا هي عربية خالصة ولا غربية مفرطة، نسيج فريد؛ (اعطني الناي وغني، نحنا والقمر جيران، نسم علينا الهوى، ورد الشبابيك، وقف يا أسمر، يا أنا، زهرة الجنوب، يا قمر أنا وياك، يا مرسال المراسيل، يسعد صباحك يا حلو، عصفور الشمس)، وعشرات الأغاني الأخرى.
حلت ذكرى ميلاد فيروز وما زالت قصائدها تبحث عن وطن تسكن إليه، وتفتش نغماتها عن مدينة بلا شعارات، وشوارع بلا رايات، ما زال صوتها يستيقظ مع الفجر ويتساءل (سألتك حبيبي لوين رايحين/ خلينا خلينا وتسبقنا سنين/ إذا كنا ع طول.. التقينا ع طول/ ليش منتلفّت خايفين).

وحين لا يدرى أحد من أين يأتي الخوف، ولا متى يموت تشدو لنا (طل من الليل قال لي ضوي لي لاقاني الليل وطفا قناديلي)، وحين يموت الحلم ترحمنا (الله معك يا هوانا يا مفارقنا/ حكم الهوى يا هوانا واتفارقنا)، وحينما لا نملك سوى طيف ذكرى نطارده صباح مساء نهمس (أرجعي يا ألف ليلة.. غيمةَ العطرِ)، ونغمض عيوننًا عشمًا أن نفتحها على بُشرى؛ (جايبلي سلام عصفور الجناين) حتى إذا ما اتعبنا الحنين تساءلنا (كيفك أنت؟)، فلما عز الجواب همسنا (بعدك على بالي). من قلبي سلام (لفيروز).
 
 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved