آخبار عاجل

الشعراء الصعاليك .. بقلم د: محمد مصطفى الخياط

18 - 12 - 2020 12:55 473

وضع نيوتن قانونه الثالث للحركة، (لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه)، منذ أكثر من ثلاثمائة عام، وما زال صالحًا للتطبيق. استخدمه علماء الميكانيكا لتصميم المَركبات والسياسيون لتوقع وتفسير ردود فعل المنافسين. عند وقوع حدث ما يترقب الجميع مستوى رد الفعل. ما يبدو مثيرًا للإعجاب لدى البعض يراه آخرون جهلاً بتقدير الفعل.
حتى الآن، أجد صعوبة في تقبل رواية أن مقتل عمرو بن هند، ملك بنى المنذر، على يد ضيفه عمرو بن كلثوم، سيد تغلب، سببه صرخة غضب والدة الأخير بعد ما ألحت عليها هند، لتناولها بعضًا من أدوات المائدة، فما سمع ابن كلثوم أمه تندب (وا ذلاه.. يا لتغلب)، حتى استل سيفًا مُعلقًا بقصر مُضَيِفه وقتله، ثم أمر رجاله فسلبوا القصر.
فُرضت علينا القصة وبعضًا من معلقته (أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَا)، سجل فيها انتصاراته المزعومة، وتغني فيها بعزة نفسه، ولا أدرى أين العزة والكرامة والإباء والشمم عند رجل سمع أمه تستغيث فقَتَلَ، قبل تحر الأمر، رجلاً أكرم وفادته وأنزله مَنزِلاً كريمًا، ويا ليته اكتفي، بل نهب وسرق وسبى، وكأنه ما ذهب لزيارة بل لغدر، فحشد من الرجال ما يُعِينُهُ على قصده. هذا إن صحت القصة من أصلها، أو أن أمه تعرضت لإهانة، وليست فرية ادعاها ليبرر ما أضمره في نفسه ومضى في تنفيذه.
وتُشير القصة، أيضًا، عدم استنكار العرب نسب أولادهم إلى امهاتهم، لا من باب الجهل بآبائهم وإنما لمكانتهن ونسبهن الرفيع، فوالد عمرو بن هند وجده، المنذر بن امريء القيس، كانا ملكين، ومع هذا نُسب لأمه هند بنت الحارث الكِندي، كما نُسب أباه المنذر لأمه، ماء السماء زوجة امريء القيس صاحب معلقة (قِـفَـا نَـبْـكِ مِـنْ ذِكْـرَى حَـبِـيبٍ ومَنْزِلِ). 
أيضًا، عُرف السُليك بأمه، السَلَكَة، لجهلهم بأبيه، وإن ذكر البعض أنه ابن عُمير التميمى، ضُرِبَ به المثل في السرعة، فقالوا (أسرع من السُليك)، وكان شاعرًا ينتمي إلى الصعاليك من الشعراء. وقد وُصفوا بذلك لإنكارهم سلطة القبيلة، وتفضيلهم العيش في الصحارى عن الحَضَر، وقيل إنهم صادقوا الوحش وأَنِسُوا به. يقول شاعرهم الأُحَيمر السعدي (عَوى الذِئبُ فَاِستَأنَستُ بِالذِئبِ إِذا عَوى :: وَصَوَّتَ إِنسانٌ فَكِدتُ أَطيرُ). 
ومنهم أيضًا ثابت بن جابر، الـمُكَنَى تأبط شراً، يُحكى أن أمه تزوجت بعد وفاة أبيه فصار بينه وبين زوجها عداوة، يختلفان فيثور ويخرج من البيت يهيم في الصحراء أيامًا وأسابيع، ثم يعود لأمه فلا يلبث معها حتى يغضب ويفارقها. فلما سُئلت عنه ذات مرة، وكان غائبًا، قالت (تأبط شراً وخرج)، كناية عن شدة ما به من غضب، فعُرف بتأبط شراً. 
أما عروة بن الورد فهو إمامهم، كان يجمعهم ويطعمهم وينفق عليهم، ضُرب به المثل في الجود والزهد، لم يؤثر نفسه بشيء، يُغير على الأغنياء ويوزع الغنائم على الفقراء، فتلومه زوجته، سلمى، وكان قد سباها في إحدى غزواته ثم أحبها فتزوجها، فأنشد قصيدة مطلعها (أقِلِّي عَلَيَّ اللِّوْمَ يا ابْنَةَ مُنْذِر :: ونامِي فإنْ لم تَشْتَهي النَّومَ فاسْهَرِي). 
قضَت سلمى عشر سنوات مع عروة ثم عادت إلى قومها على كُره منه فأنشد فيها شعرًا شكا فيه حبه لها، فيما ظلت تذكره بالخير، حتى بعد زواجها من ابن عمها، فليس كل فِراق لكُره، ولسان حالهما يردد خلف امريء القيس (قِفا فاسألا الأطـلالَ عـن أُمّ مـالـكٍ)، تلك التى قال فيها (أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي :: وأنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ). 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved