سبق وبيّنا في مقالات سابقة أنواع الطلاق وسردنا بصورة عامة مختلف الأسباب التي تمنح أياً من الزوجين الحق في طلب التفريق، وسنشرع ابتداء من هذه المقالة في شرح تفصيلي لتلك الأسباب التي نص عليها القانون كونها مسوغات مقبولة في حال ثبوتها لطلب الطلاق وفق شروط سنتعرض لها في ما يلي.
لا شك في أن من أهم مقاصد الزواج هو تهذيب الغريزة الجنسية وإشباعها بما أباحه الشرع وتمتع كل من الزوجين بالآخر لتحقيق معنى السكن في مودة ورحمة سعياً لتكوين أسرة، فقد عرف المشرع الزواج بأنه عقد يفيد حل استمتاع أحد الزوجين بالآخر شرعاً، غايته الإحصان وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوج على أسس تكفل لهما تحمل أعبائها بمودة ورحمة، وقد أباح المشرع تقديم أحد الزوجين لطلب يقضي بفسخ العقد لوجود علة لدى الآخر، سواء كانت تلك العلة موجودة قبل العقد أو بعده، ويستوي في ذلك أن تكون العلة منفّرة أو مضرة، وقد ضرب لها المشرع أمثلة كالجنون والبرص والجذام، أو علة من العلل التي تمنع حصول المتعة بين الزوجين.
ورغم أن قانون الأحوال الشخصية قد نص على أن حق الزوج أو الزوجة في الفسخ يسقط إذا علم بالعلة قبل العقد ورضي بها صراحة أو دلالة أي ضمنياً، إلا أنه استثنى حق الزوجة في طلب الفسخ للعلة المانعة من المتعة في الرجل، فأجاز للزوجة طلب الفسخ مطلقاً ولو كانت عالمة وراضية بها، بل وحتى إن كانت علة الزوج طارئة بعد الدخول.
وقد اشترط القانون ـ عدالةـ ضرورة تثبت المحكمة من كون العلل غير قابلة للبرء أو الشفاء حتى يتم القضاء بفسخ عقد الزواج، والفيصل في الانتهاء لقابلية العلة للشفاء هو الرأي الطبي المختص، فتستعين المحكمة بالخبرة الطبية لإعداد تقرير طبي مفصل للحالة وصفاً وتشخيصاً ومبيناً لمدى قابليتها للعلاج أو الاستحالة المطلقة لذلك من الناحية الطبية بعد إجراء المعاينة، وذلك من أجل إعانة المحكمة للوصول لقرار عادل وصائب. ومتى استوثقت المحكمة من أن العلة غير قابلة للزوال فإنه لزام على المحكمة فسخ العقد بدون إمهال وإن كانت العلة قابلة للعلاج فإن المحكمة تؤجل نظر القضية لمدة لا تجاوز العام فإن لم يتم العلاج وأصر طالب الفسخ على طلبه تفسخ المحكمة عقد الزواج.
وقد ارتأى المشرع أن يكون التفريق للعلل فسخاً للعقد لا طلاقاً، فلا ينقص بالتفريق بسببه عدد الطلقات ولا يترتب عليه من الآثار المالية إلا تلك التي يرتبها فسخ العقد من إعادة الأطراف للحالة التي كانوا عليها قبل الزواج.
بقي أن نشير إلى أنه ومراعاة لحساسية موضوع الطلاق للعلل فإن قانون الأحوال الشخصية رأى أن تنظر المحكمة دعوى فسخ الزواج للعلل الجنسية وتستمع لتفاصيلها في جلسة سرية خروجاً من المبدأ العام المتمثل في علنية الجلسات، وحسناً فعل المشرع إذ إن بحث وتمحيص الدعوى للوصول لحكم نهائي فيها يقتضي الخوض في تفاصيل غاية في الحساسية فيتوجب إعمال الستر وعدم إتاحة الفرصة للكافة لحضور الجلسات والاطلاع على تفاصيلها، ونواصل بإذن الله.