يحدث أحياناً أن يحب الأطفال آباءهم ويكرهونهم في نفس الوقت إلا أن الآباء قد لا يتقبلون مثل هذه المشاعر المتناقضة من أبنائهم - ولا يستطيعون أعتبارها من حقائق الحياة، بل أنهم لا يتقبلون ذلك بالنسبة لأنفسهم عندما يحبون أبنائهم ويكرهونهم في بعض اللحظات فيؤنبهم ضميرهم إلا أنهم مخطئون فيما يعتقدون .. لأننا يجب أن نقبل بوجود هذا التناقض أو الصراع في مشاعرنا ومشاعر أبنائنا، وهذا يتطلب منا أن نؤكد لهم أن ما يشعرون به من تناقض أمرطبيعي حتي لا يصابوا بالقلق وتأنيب الضمير بل إن علي الأب أن يعترف بمشاعر ابنه بأن يعبر عنها أمامه، أي يكون له كالمرآة التي تعكس تفكيره، فيقول له مثلاً : يبدو أنك تحمل لأخيك الكبير شعورين، أنت معجب به ،لكنك تكرهه في نفس الوقت.
أو يقول له عندما يراه محتاراً بين شعورين متناقضين :
- يبدو أنك محتار فيما تختار بالنسبة لما تريد القيام به، فأنت تريد أن تذهب مع اصدقائك للتخييم، لكنك أيضا تريد البقاء في البيت .
هذه التعليقات الهادئة الصادرة من الآباء لأبنائهم تساعدهم علي أن يدركوا أن مشاعرهم مفهومة وعادية، بينما تخطئ الأم عندما تعلق علي مشاعر ابنها المتناقضة قائلة:
- ماذا حدث لك، الآن انت تحب صديقك ، وفي الدقيقة الثانية أنت تكرهه ، قرر ماذا تشعر نحوه بالضبط؟
فالأم هنا بتعليقها هذا لا تعترف بوجود التناقض في مشاعر ابنها ، بينما لو كان لديها فهم واع للنفس الإنسانية، لوضعت في اعتبارها عدة احتمالات في نفس الإنسان، فإذا شعر بالحب لشخص فإنة قد يشعر بالكراهية له .
وإذا شعر أنه معجب به فإنه قد يشعر نحوه ايضا بالحسد في نفس الوقت، وقد يشعر المرء بالحب نحو أبنائه لكنه يشعر أيضاً بالثورة عليهم، وعندما ينجح الإنسان ، يشعر في داخله بشعورين متناقضين ، هما السعادة والخوف .
إلا أننا كآباء قد نجد صعوبة في تقبل المشاعر المتناقضة في نفوسنا أو نفوس أبنائنا مثلما ذكرت ذلك من قبل .. لأننا تعلمنا منذ أن كنا صغاراً أن نخجل من مشاعرنا السيئة أو السلبية ولا نعترف بها ... إلا أن النظريات الحديثة في التربية اثبتت أن الانسان يستطيع أن يتحكم في سلوكه العملي .. فيختار ما يراه صواباً ويترك ما يراه خطأ... لكنه لا يستطيع التحكم في مشاعره العاطفية وخياله الإنساني فيشعر بها رغماً عنه .. والمشاعر هي جزء من جينات الإنسان الوراثية .. فنحن نعرف أن الإنسان يشعر والسمك يسبح ، والطيور تطير .
إذن قد نشعر أحياناً بأننا سعداء، وأحيانا لا نكون إلا أننا قد نحس في بعض الأوقات ببعض المشاعر المتناقضة في نفوسنا، فنشعر مثلا بالخوف والغضب في نفس الوقت، أو الحزن والفرح معاً ، أو الطمع والذنب نحو شيء ما، أو يشعر الشخص عندما يرتكب فعلاً ما باللذة لكنه يحس أيضاً بالاحتقار لنفسه لأنه مارسه، وبينما نحن غير أحرار في اختيار المشاعر التي تتحرك في داخلنا، لكننا أحرار في اختيار كيف ومتي نعبر عنها ، وواجبنا كآباء كما ذكرت في بداية المقال أن نعكس أحساسيس أبنائنا المتناقضة أمامهم حتي يشعروا أنه أمر طبيعي، وعندما يعرف الطفل مشاعره ويدركها، لن يشعر بالحيرة في داخله، علينا أن نصبح مثل المرآة له، نكرر لفظياً ما يشعر به من مشاعر متناقضة فيراها أمامه ويتعلم بذلك أنه غير مذنب عندما يشعر بهذه الأحساسيس، ألا تعلمنا المرآة عن شكلنا بأن تعكس اجسامنا امامنا، هكذا يفعل الآباء مع أبنائهم عندما يكررون أمامهم مشاعرهم ، ليعلموا أنها لو تناقضت فإنها مقبولة لدي آبائهم وأنها جزء من حقائق الحياة .