آخبار عاجل

السلطان حسن.. قصة مسجد بقلم .. د: محمد مصطفى الخياط

12 - 02 - 2021 12:58 662

يشبه المرور عبر بوابات المباني التاريخية، تلك اللحظة الفارقة التى طالما أبدع المخرجون في تصويرها في أفلام الخيال العلمي تعبيرًا عن السفر عبر الزمن، خطوة واحدة تفرق بين عالمين، حاضر متشابك ملتبس غامض، وماض مكدس الأحداث مُبين. حين يفرض الحاضر قسوته نهرب منه في الاتجاهين، الماضي والمستقبل، إما استرجاعًا أو تخيلا. 
لا يعرف التاريخ الحياد. ينظر بعين واحدة للأحداث. يكتب المؤرخ بحسب ميوله. انقسم التاريخ حول المماليك، أنصفتهم صفحات وقفوا فيها يدافعون عن المحروسة والعروبة، وأدانتهم صفحات أخرى سجلت بطش بعضهم. 
في روايتها (أولاد الناس .. ثلاثية المماليك)، تروى ريم بسيوني، وفى مدى زمنى قرابة المائة عام سبقت الاحتلال العثماني لمصر، جانبًا من حياة المحروسة ظهر فيه التحام المماليك مع المصريين في الدفاع عنها ضد جيش سليم الأول عام 1517م، جوانب ساعد في إظهارها حبكة روائية لشخصيات حقيقية، وتناول اجتماعي عبر نوافذ التاريخ. 
اجتماعيًا، قُسمت المحروسة ثلاث طبقات رئيسية إبان العصر المملوكي (1250 – 1517 ميلادية)، الاولى المصريون وهم العوام ومنهم المُعَمَمِين والتجار وأصحاب الحرف، الثانية المماليك ويمثلون الطبقة الحاكمة ومنهم الأمراء وأصحاب الوظائف العليا، وبينهما الثالثة أولاد الناس، وهم ابناء المماليك المولدين في مصر.
بقدر تكالبهم على السلطة أولى المماليك بناء المساجد والأسبلة عناية خاصة. ما إن يتولى السلطان مهامه حتى يشرع في التخطيط لبناء مسجد. تكفى زيارة واحدة لشارع المعز لدين الله لتجد بين كل أثر وأثر، أثر يحتفظ بزخم التاريخ وعبَقه في ثنايا مقرنصاته، وتعاشيق مشربياته، وحنايا قبابه وطاساته، في الصعود اللامتناهي لأعمدتها صوب السماء، في العوارض والقوائم والأرضيات، إعلاءً لدور البيئة، والاستفادة من المصادر الطبيعية للضوء مع براح مساحات يتيح أقصي مدي رؤية ليندمج الفرد مع الفضاء. 
بقدر افتتان (شادِ العمائر) محمد بن بُليك المحسني بالعمارة بقدر انشغاله بالخلود، وضع كل علمه وفنه في تصميم مسجد السلطان حسن، أراده نموذجًا للعمارة المملوكية، وأثرًا يقاوم مرور الزمن. ألحق به مدرسة لتدريس علوم المذاهب الأربعة فتجاوز دوره الجامع للمصلين والعابدين ليصبح منارة لطلاب العلم من كل فج عميق.
قبل نحو خمسين عامًا من بناء المسجد، كانت زينب المقشعي، ابنة تاجر المنسوجات في الخان، أول مصرية تتزوج من أمير مملوكي، محمد المحسني، تزوجته وليس على وجه الأرض من هو أبغض إليها منه، سَجَنَ أخاها، وحرمها الزواج من ابن عمها، وقهر أباها، وفوق ذلك هو مملوك وإن كان أميرًا. 
لم تدر أن القدر يخبأ لها ما لا تتوقعه، لم تتخيل أنها ستهيم به حبًا ويهيم هو بها عشقًا، حتى أنه، وعلى خلاف عادة أهل زمانه، لم يتزوج بأخرى. وجد فيها السند، وفي كلماتها زهد ونقاء الصوفيين، وحكمة الفلاسفة، وعمق العلماء. وتصفه هي لابنة خالتها فتقول (محمد يا فاطمة كالجنى أخذني في جبه وأنا طفلة، وأخرجني من جبه أميرة الكون).
عاشت تخاف عليه، تنظر في عينيه وتقول (للأيام مواسم، وللسنين فصول متعارف عليها، ولكنني أخاف من المواسم التي تأتي بغتة....). دائمًا ما قهر الخوف زينب، وخطف منها لحظات الفرح والسرور، على العكس كان الأمير المملوكي، رغم أنه قضي حياته وسط المخاطر والحروب. هل هي الجينات؟. ربما.
من هذا الزواج، سمت زينب وليدها باسم أبيه، الذى عبثًا حاول تعليمه الفروسية، لكن ولعه بالرسم وتخطيط العمائر كان أكبر، بعد مقتل أبيه تولى السلطان الناصر محمد بن قلاوون رعايته مع أولاده، ومنهم ابنه الحسن، شَبَا معًا، يحلم محمد بالعمارة، والحسن بالخلود، فكان مسجد السلطان حسن.



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved