في مسارات نهضوية مختلفة، دائماً ما نجد القيادة الحكيمة في دولة الإمارات تسعى نحو ربط مشاريعها التنموية الكبرى بالأمة العربية انطلاقاً من حسها القومي.
لعل من أهم تلك المشاريع حتى اللحظة، الحدث العالمي المتعلق بوصول العرب إلى كوكب المريخ يوم الثلاثاء الماضي، الموافق التاسع من فبراير، والذي سيكون يوماً تاريخياً في سجل العرب. وربما هذا الفهم السياسي للقيادة الإماراتية تدركه المجتمعات الغربية أكثر منه في منطقتنا العربية، التي يُنظر إليها باعتبار أنها كتلة جغرافية وعرقية واحدة، وليس كل دولة على حدة.
وتأكيداً لما تم ذكره أعلاه، هناك مجموعة من المؤشرات منها: إماراتية، وعربية، ودولية، تبين بأن مشروع «مسبار الأمل» برغم أن كل تفاصيله إماراتية، من حيث العاملين فيه والتمويل والفكرة، إلا أنه بالنسبة لدولتنا وقيادتنا هو إنجاز عربي.
فعندما وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، خطابه للرأي العام بهذه المناسبة، بدأ خطابه بالأمتين العربية والإسلامية، موضحاً بأننا على بعد ساعات قليلة من أن يُسجل التاريخ بوصول العرب إلى المريخ، وهي أبعد نقطة يصل إليها العرب.
أما المؤشر العربي، فقد جاء في الاحتفالات واحتفاءات عدد من الدول العربية بهذه المناسبة التاريخية من خلال إضاءة أبرز معالم تلك الدول باللون الأحمر، الذي يرمز إلى كوكب المريخ، هذا غير تلك التغريدات ورسائل التهنئة، التي عبر أصحابها عن سعادتهم وفرحهم بالإنجاز الإماراتي، مدركة أن تداعيات هذا الحدث الكبير وأثاره الإيجابية ستعود بالنفع على الصورة النمطية التي شكلها الإعلام الغربي عن الإنسان العربي واهتماماته الفكرية.
ولعل الأجمل في هذا الاحتفاء، تلك التغريدة الرائعة للعالم الفضائي العربي الدكتور فاروق الباز والتي نقل فيها ما استعرضته أعرق صحيفتين أمريكيتين يوم الخميس الماضي وهما «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» عندما تناولتا حدث الوصول إلى الفضاء باعتباره إنجازاً عربياً وليس إماراتياً فقط.
إذاً الكل يتفق على صوابية رؤية القيادة الإماراتية وإدراكها وتأكيدها على البعد القومي للمشروعات التي تنطلق من هذه البقعة، وتمثل الأمة التي تعيش هنا. فالحدث بدأ بتغير من نوعية الأحداث والأخبار المرصودة عن العرب، وارتقت معها طبيعة الحديث والتغطيات المتناولة عن منطقتهم المعروفة بـ«منطقة الأزمات والحروب»، وهذا بالتالي سيعمل على تغيير الصورة العالقة في الذهنية الغربية عن الإنسان العربي، ومع مرور الوقت سنجد آلياً تغير الخطاب الإعلامي وحتى السياسي الغربي بشكل عام عن الشعوب العربية.
ما نحتاجه كشعوب عربية في ظل الإنجازات التي تتحقق في مجتمعاتنا، وتنافس فيها الدول الكبرى أو ما يطلق عليها المتقدمة، مع أن المعيار لم يعد بتلك الوضوح هو، إجراء نوع من تنمية وتنقية ذهنية بعض العرب من المتعاملين مع وسائل التواصل الاجتماعي من الشوائب العالقة حول تقزيم كل «عمل كبير» والجهود القومية التي تتحقق على المستوى العربي، وذلك من منطلقين اثنين.
الأول: أن تلك الإنجازات حقيقية وملموسة خاصة عندما تأتي من الإمارات، لأن حجم الثقة الدولية فيما تفعله الدولة كبير، ولا يوجد تشكيك فيها. المنطلق الثاني: أن الشيء الذي يميز المجتمعات الغربية عن مجتمعاتنا العربية، أنهم يحاولون أن يصنعوا قصصاً جميلة حول أي أمل، ولو كان بسيطاً، ويقدمون يد المساعدة لمن يقدم فكرة، في حين أن مجتمعاتنا العربية تتفنن في طريقة التقليل من أي إنجاز عربي.
قد يكون عالمنا العربي وجد نفسه أمام إرث يقوم على تحطيم الهمم، وإفشال أي جهد تنموي، مهما كان حجمه، ولكن هذا غير مبرر، فالأمم لا تبنى بذلك النهج، ولذا نجد أن القيادة الرشيدة في دولة الإمارات اختارت طريقاً مختلفاً سمته الأساسية الإنجازات لخدمة الإنسان العربي.