عندما ننظر إلي أبنائنا وهم نائمون نراهم وجوهاً ملائكية هادئة فنشعر بحب جارف نحوهم وعطف شديد عليهم لكنهم ما أن يستيقظوا ويبدؤوا في ارتكاب سلسلة تصرفاتهم اليومية من شجار مع بعضهم البعض أو عندما يأتون للحصول علي ما يريدون نجد أنفسنا نصرخ ونثور عليهم أو ننتقدهم أو نتهمهم بأنهم يتعمدون ارتكاب هذه الأفعال لكي يثيروا اعصابنا فنعاقبهم ونشعر بالذنب لأننا قسونا عليهم إلا أننا نعود ونذكر أنفسنا بأننا لا نعاقبهم إلا لأننا نحبهم ولأننا نريدهم أن يبتعدوا عن سلوكهم السلبي الذي قد يسيء إلي شخصياتهم مستقبلاً
لكننا في النهاية سنجد أننا نستطيع أن نتجنب العديد من المواجهات اليومية العنيفة مع أطفالنا لو أننا تعلمنا كيف تسيطر علي مشاعرنا ونتعامل مع المواقف التي تواجهنا يومياً معهم بهدوء وحكمة تستلزم منا تفكيراً مسبقاً لما نريد قوله لهم ونحن نتقدهم لتقويم سلوكهم لأننا نستطيع بذلك أن نحقق الهدف الذي نسعي إليه وهو تطوير شخصياتهم بأنفسهم وهم مقتنعون أن تحقيق ذلك الامر لصالحهم والواقع أن معظم الآباء مع الأسف لا يفعلون ذلك مع أبنائهم والموقف الذي سأستعرضه الآن يمثل تلك المواجهة اليومية السلبية التي يكررها الآباء مع الأبناء .
قالت الأم لابنها: محمد انتبه ستسقط العصير
رد محمد : لا لن اسقطه
إلا أن الأم علقت قائلة: لقد اسقطته من قبل وستسقطه الآن أعلم أن ذلك سيحدث لأنك تضع كأسك دائماً علي حافة الطاولة بدأ التوتر واضحاً علي نبرة محمد وهو يجيب والدته: أوف يا أمي ألا تكفي وتتركيني وحدي
وبعد عدة دقائق سقط العصير.
أنبت الأم ابنها قائلة: ألم اقل لك : إنك ستسقطه هل تتعمد أن تثير اعصابي؟ حذرتك الف مرة أن تبعد الكأس عن حافة الطاولة لكنك لا تسمع كلامي انهض الآن ونظف المكان .
إذا أردنا أن نحلل هذا الموقف بين الام وابنها محمد سنجد أن هذه الأم لم تتعلم كيف تسيطر علي تصرفاتها معه رغم أنها لم تقصد بالطبع اثارة اعصابه إلا أن اسلوبها في الحديث معه كان يثير اعصابه بالفعل فهي عندما تقول لابنها: محمد انتبه ستسكب العصير.
كأنها تدفعه للدفاع عن نفسه بقوله: لا لن أفعل ذلك .
وعندما تقول له : أعلم أن ذلك سيحدث لأنك تضع كأسك دائماً علي حافة الطاولة . فأنها بهذا الجملة الاستفزازية تهاجم اعتزاز ابنها بنفسه وكأنه لايملك القدرة علي التصرف الصحيح .
إذن حديث الأم مع ابنها لم يدفعه إلي إصلاح سلوكه بأن يبعد العصير عن حافة الطاولة وانما استفزه وأثار غضبه فتذمر محتجاً علي والدته بقوله : أوف يا أمي ألاتكفي وتتركيني وحدي
لكن إذا تعلمت هذه الأم وغيرها كيف تتصرف بطريقة سليمة ومتزنة مع اطفالها فإنها ستلاحظ بالتدريج التغيير الإيجابي علي سلوكهم خصوصا عندما تبعد الانتقاد السلبي الاستفزازي عن اسلوبها في الحديث معهم وبالطبع يتطلب ذلك من الوالدين أن يتعلم كل واحد منهم كيف يسيطر علي أعصابه ويفكر بما سيقوله لابنه قبل أن تصدر من شفتيه الجمل الانتقادية التأنيبية له .
تقول احدي الأمهات اللواتي استفدن من جلسات ارشاد الآباء في أوروبا : لقد تغيرت علاقتي بأبنائي أصبحت هادئة ومريحة لأنني تعلمت كيف أتحكم في تصرفاتي معهم بالصبر والتمرين اراقب ردود افعالي التلقائية وأحاول التحكم فيها بأن افكر قبل أن أحدثهم بما اريد منهم أن يفعلوه وبالتدريج وجدت نفسي اسمعهم بطريقة مختلفة انعكست علي حياتنا العائلية فأصبح الهدوء يسود تصرفاتي معهم وحتي لو لم انجع في بعض الأحيان إلا بنسبة ١٠٪ عندم استخدم تلك الأساليب الجديدة فإنها أفضل من لا شيء لقد أصبح ابني اليوم في العشرين من عمره والثاني في الثانية والعشرين وبسبب تلك الطرق التي تعلمتها في تلك الجلسات فإن علاقتي بهم قامت ولازالت علي الحب والاحترام والثقة .