وصف رئيس شركة توتال الفرنسية، باتريك بويانييه، في مقابلة له خلال شهر فبراير الماضي، أن "قطاع الطاقة المتجددة العالمي يعيش فقاعة اقتصادية كبيرة"، تعقيبًا على إقبال المستثمرين للاستحواذ على مشروعاتها. صدور تلك المقولة من رئيس أحد أكبر عشر شركات عالمية في مجالي البترول والغاز تستحق التوقف عندها، نبحث دوافعها، وحقيقتها، فإن صحت فالسوق يسير إلى ركود علينا أن نتحسب له، وإن كانت غير ذلك، فما الذى تحتاجه الأسواق لتحافظ على معدلات نموها.
يصف خبراء الاقتصاد تجاوز القيمة الجوهرية للأصل قيمته السوقية بالفقاعة، ويقصد بذلك تسعير الأصل على أساس وهمي غير مقبول. مثال ذلك، ركود السوق الأمريكي خلال الفترة من 2007 – 2009 جراء فقاعة عقارية بلغت ذروتها عام 2006، تلاها انهيار الأسعار، وعدم قدرة الكثير من مالكي العقارات سداد التزاماتهم البنكية، لتتداعى المنظومة كقطع دومينو؛ انهيار قيمة المنازل، الرهن العقاري، ومنافذ بيع مستلزمات المنازل بالتجزئة، وصنادق التأمين والاستثمار. مما اضطر الحكومة الأمريكية لضخ قرابة تريليون دولار في شكل قروض، في مَسلَك مشابه لما قامت به الحكومة اليابانية في الفترة من 1985-1989، لوقف تدهور عملتها الوطنية، الين، بعد فقد 50% من قيمتها، عاود بعدها الاقتصاد صعوده الإيجابي.
على مستوى الطاقة المتجددة، شهدت الأسواق العالمية أداءً قويًا توج ثلاث سنوات من النمو الإيجابي، وذلك طبقًا لتقرير مكتب استاندرد آند بور S&P Global. في المتوسط يتجاوز عدد عمليات الدمج والاستحواذ في مجال الطاقة والمرافق، 800 صفقة سنويًا، حافظت فيها الطاقة المتجددة على أداء مرتفع قياسًا بباقي القطاعات.
بعد تباطؤ الإجراءات خلال ربيع 2020، جراء جائحة كورونا، استمرت مبيعات أسهم مشروعات الطاقة المتجددة بذات الوتيرة، مما حقق تدفقًا ثابتًا لرأس المال المعاد تدويره. كعادتها راحت شركات النفط والغاز الكبرى تلتهم منافسيها الأصغر، استحوذت توتال وإيني على مشروعين كبيرين لطاقة الرياح البحرية، Dogger Bank بمرحلتيه الأولى والثانية بقدرة إجمالية 2400 ميجاوات، شرق مقاطعة يوركشاير الإنجليزية، والآخر Seagreen قدرة 1140 ميجاوات، بالقرب من شاطئ آنجوس باسكتلندا، على الترتيب.
لمثل هذه الصفقات عدة معان، أولاها أن جاذبية الطاقة المتجددة ومرونتها جعلتها موضع طلب مقارنة بسوق بترول تتقلب أحواله على جمر الأسعار. ثانيها نوعية المستثمرين، شركات عالمية في قطاع النفط والغاز، تبحث عن فرص استثمار منخفضة المخاطر، تخطت عائدات توتال 120 مليار دولار، وإيني 59 مليار دولار خلال عام 2020. ثالثها الدور الكبير المنتظر للطاقات المتجددة في دفع التقنيات الجديدة مثل شحن السيارات الكهربائية والهيدروجين إلى الواجهة.
أيضًا، استحوذت شركة Iberdrola الإسبانية على عدة مشروعات لطاقة الرياح والطاقة الشمسية بنظام منتج الطاقة المستقل Independent Power Producers, IPPs، خلاف مشروعات أخرى يجري تطويرها، في المقابل باعت أسهمها في شركة سيمنز-جاميسا لتصنيع توربينات الرياح. كما استحوذت شركة RWE الألمانية على مشروعات طاقة رياح يجري تطويرها بقدرة إجمالية 2700 ميجاوات من شركةNordex .
كما أجرت العديد من الشركات العالمية عمليات بيع وشراء بعض الأصول، منهاEngie الفرنسية، وكذلكEnel الإيطالية، Centrica البريطانية،Orsted الدنمركية، خلاف شركات أخرى ضخت أموالاً في صناديق استثمارية وأسهم خضراء منخفضة المخاطر.
في نفس السياق، تكتنف الأسواق نظرة تفاؤل تنعكس في استمرار نشاط الأسواق العالمية عامة، والأوروبية خاصة، وإن واجه مطورو المشروعات بعض الضغوط بسبب توابع الجائحة، مثل انخفاض أسعار الطاقة، وإن ترافقت مع جلب أصول إضافية إلى السوق.
نكمل المقال القادم إن شاء الله