آخبار عاجل

عباس الطرابيلي .. نافذة الصباح .. بقلم د: محمد مصطفى الخياط

25 - 03 - 2021 6:59 506

ما إن تشرق الأرض بنور ربها، حتى تغادر الطيور أوكارها، تسبح بحمد ربها، ثقة ويقينًا أنها سوف تغدو خماصًا وتعود بِطانًا. اليقين في عطاء الله، يمنحها طمأنينة وهدوء. يتمدد شعاع الشمس قدر استطاعته، يتثائب الكون، يتمطع، ينفض الكسل ويتوكل على رب العالمين، وتدور عجلة الحياة. يحمل كل صباح في كفه بذور أمل جديدة نتعشم أن تكبر أشجارًا.

اعتدت أن أطُل في الصباح من أربعة نوافذ، تطل على الجهات الأربعة، أغلقت الريح إحداها، وسَكَرَت الكورونا الثانية، وبقيت نافذتان، مع بعض فضاءات أسبوعية. تحتل كل نافذة زاوية في جريدة، تعدد وتنوع النوافذ يتيح للناظر صورة بانوراميه. التوقف عند زاوية واحدة يُفقدنا الحيادية، ويضعنا أمام أحكام مُسبقة. على العكس، يمنحنا النظر من زوايا ومسافات متباينة مساحات حركة أكثر رحابة تتسع معها رقعة التعايش وقبول الآخر.

كانت نافذة الأستاذ عباس الطرابيلي، الكاتب بجريدة المصرى اليوم القاهرية، إحداها، إلى أن اغلقتها الكورونا. فقدنا الأستاذ، وبقيت كلماته. دائمًا تحمل أعمدته الجديد، أو على الأقل تجديد موثق رصين يصوب مفاهيمنا، ويلَفتْ انتباهنا إلى ما قد نغفل عنه بحكم التعود. تنوعت كتاباته، من السياسة إلى فنون الطبخ وأسرار التغذية، واتسمت بالعمق وجزالة السرد. تأسرك نبرة صوته، وترتيب كلماته، إذا تحدث، تشعر أنه يرصها رصًا، كلٍ بحساب وقدر.

لغة سهلة على أذُن رجل الشارع، ذات جرس لطيف لدى متذوقيها. علمته أصوله الدمياطية الاتقان والدقة؛ صنايعي محني على مشربية يحكي عنها الزمان، أويمجي يحفر منمنمات فنه برقة وهيام، حلواني يلمع بين يديه مشبك بلون الدهب، ويرش بقلاوة كهرمان بمفروم فستق عَجب، ويلف بيديه قلوب مكسورة في كنافة مبرومة، إلى جوارها فطير مشلتت مع جبنة وعسل.

شارك في تأسيس جريدة الاتحاد الإماراتية، أواخر الستينيات، وما مرت به من مراحل تطوير، ثم تولى إدارة مكتبها في القاهرة، وكذلك شارك في تأسيس جريدة الوفد المصرية، وأصدر كتاب عن أحياء المحروسة، إلى جانب كتب أخرى. وعلى الرغم من شغفه بالصحافة الورقية، إلا أنه توقع تراجعها أمام الصحافة الإليكترونية، وربما توقف الكثير من إصدارتها في غضون خمس سنوات.

تناول في مقالاته العديد من الموضوعات، كتب في مقاله (... وبقيت المخاطر الخارجية)، (نجحنا، إلى حد كبير، في التصدي للأخطار الداخلية.. ولم يبق منها إلا أقل القليل.. ولكن المخاطر الخارجية تزداد.. بكل أسف.)، حقًا، تزداد التحديات، وتتطلب منا إصرارًا أكبر، وعزيمة أشد.

وينبهنا في مقال (عسكرة الروبوت) قائلاً، (... سيواجه العالم عاجلاً أم آجلاً نوعاً من هذه الحروب ولكنها لن تكون هذه المرة جيوشاً من البشر.. بل جيوشاً آلية.. من الروبوتات).  

وفي مقاله عن بحيرة المنزلة، ذكر أنها كانت تحوى أكثر من 360 نوعًا من الأسماك منها البورى، القاروص، الوقار، اللوت، الطوبار، الجرانة، والحنشان، وغيرها، منبهًا إلى تقلص مساحتها، مما أدي إلى انخفاض ثروة سمكية هائلة، ولعل ما نراه حاليًا من جهود لإعادتها إلى مكانتها الطبيعية ينعكس إيجابيًا على انتاجها.

وكشف لنا في مقالة أخرى أن التمثال القائم حاليًا بميدان لاظوغلى بالقاهرة، ليس لصاحبه، وإنما لسقا كان يسقي العطاشى بحي الحسين، ألبسوه زى محمد بك لاظ أوغلى، وكان نائبًا لمحمد على جد الخديوي، وصوروه ثم صنعوا التمثال.

أيضًا، لم تغب خفة ظله وهو يتحدث عن جائحة كورونا، متوقعًا أن يؤَرَخْ بها كما أُرخ بميلاد المسيح، فنقول "ق.ك" أى قبل كورونا، و (ب.ك.)، أى بعد كورونا. رحم الله استاذنا الكبير.



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved