لا يدرك الكثير من الآباء والمدرسين أن للطفل ذاتاً يحترمها وأنهم لن يصلوا إلي عقله وقلبه ليقتنع ويحقق لهم ما يريدون إلا إذا احترموا هذه الذات .
وتجربة التلميذ عادل البالغ من العمر٨ سنوات مع مدرسته كما روتها أمه من خلال رسالتها التي ارسلتها لي وقمت باعادة صياغتها تؤكد هذه الحقيقة بصورة واضحة .
تقول الأم: عاد عادل ابني الكبير من المدرسة شارد الفكر متوتر النفس علي غيره عادته تارة يتذمر من أمر ما وتارة يجلس كئيباً يمتص ابهامه كعادته عندما يكون هنا شيء ما يضايقه لكنه ما كان يبوح لي بشيء مما كان يدور في نفسه.دعوته ليتناول طعام الغذاء لكنه لم يتحرك من مكانه حاولت أن اجذبه إلي مائدة الطعام قائلة له: بأني قد اعددت له اكلته المفضلة إلا أنه بدل أن يتحرك رمقني بنظرة طويلة وكأنه يتمني أن يجد لدي جواباً لأمر يحيره ادركت علي الفور أنه متضايق جداً من حادث مر عليه في المدرسة وشعرت أنه راغب في البوح بما في نفسه المتألمة اكثر من حاجته إلي الطعام سألته: هل ضايقك أحد في المدرسة؟
قال فوراً وكانه ينتظر مني أن أساله هذا السؤال: نعم مدرستي التي جرحتني امام الطلبة.
وعندما سألته عما فعلت واخبرني اندهشت للاسلوب المهين الذي اتبعته هذه المدرسة في انتقاده لكي ينتبه إلي شرحها والمؤسف أن تكون هذه المدرسة في مدرسة خاصة ننفق من خلالها علي ابنائنا لكي يتعلموا مع مدرسات نفترض أن يكونوا مؤهلات في التربية والتعليم .
قال لي: كنت استمع إلي شرح المدرسة اليوم وكان الجو بارداً جداً فشعرت بحاجتي لارتداء فقازي اثناء شرحها للدرس حتي اشعر بالدفء اخرجت قفازي من الشنطة وما أن بدأت في ارتدائه حتي فوجئت بها تنهرني بشدة وتتهمني أنني اتلاعب بقفازي ولا أنتبه إلي شرحها رغم أني دائماً مجتهد في دروسي وأنت تعلمين ذلك ونادتني لكي احضر إلي كانها والقفاز في يدي وامام الطلبة يا أمي انتزعته مني ورمته في سلة المهملات ثم امرتني أن اعود إلي مقعدي وواصلت شرح الدرس وبعد أن انتهت الحصة طلبت مني أن انتشله من سلة المهملات.
وعندما سألته : وهل اخذته؟
اجابني غاضباً: بالطبع لم أخذه وعندما جاءت المدرسة في الحصة الثالثة ورأته في السلة أمرتني مرة اخري بنبرة حادة قائلة: عادل لماذا تعاند تعال خذ القفاز من السلة قالت لها وأنا أغلي من الغيظ بسبب معاملتها المهينة لي امام طلبة الصف : لا اريده لقد رميته في السلة فلماذا اخذه دعيه في مكانه إلا أنها غضبت مني أكثر وقالت لي: هل تعاندني لأنني رميت قفازك في السلة أنت تستحق ما فعلته بك لانك تسرح عن الدرس بالتلاعب بقفازك أنت مهمل وعنيد؟ وعندما دافعت عن نفسي قائلاً : كنت أشعر بالبرد ولذلك لبست قفازي .
ردت علي قائلة بحدة لا أستحقها يا أمي لأني دائما مجتهد في دروسي .
قالت لي : أنت لم تكن تشعر بالبرد بل كنت تريد اللعب اثناء شرحي للدرس لذلك أنت تستحق ما فعلته بك .
وتواصل الأم رسالتها: واستمر الجدال بين ابني ومدرسته وظل مصراً علي عدم التقاط القفاز.
وعندما سألته عن سبب عدم التقاطه لقفازه اجابني: وكيف تريدين مني أن أقبل بأخذ القفاز لقد جرحتني هيه المدرسة امام جميع الطلبة في الفصل وأنا لا استحق أن تخجلني هكذا امامهم يجب علي المدرسة أن لا تعامل تلاميذها بهذا الشكل المنفر ماذا في ارتدائي لقفازي إذا كان ما فعلته لا يعجبها تستطيع أن توجهني بكلام هادئ قائلة لي بأني الوقت غير مناسب لما أفعل أنت لاتدرين يا أمي كم شعرت بالألم والضيق لما فعلته معي هذه المدرسة امام الطلبة هل تريد أن تريني أنها اقوي مني لأنها هي المدرسة وأنا التلميذ أنا أكرها واكره دروسها .
وفي اليوم التالي ذهبت للقاء مدرسته فإذا بي افاجأ بمعلمة جاهلة بأبسط مبادئ علم نفس الطفل وكان أولي بها أن تدرك أن عليها عدم تضخيم تصرف بسيط لم يقصده الطفل واهانته امام الطلبة قبل أن تحشو عقله بالمسائل الحسابية والتمارين الكتابية .
وأنا اضم صوتي إلي رأي الأم لأن المدرسة تستطيع أن توجه عادلاً إلي الانتباه إلي الدرس بأن تقول له مثلاً: يبدو أنك تشعر ببرد كثير إلي درجة تدفعك إلي اخرج فقازك الآن لتلبسه هيا اسرع في ارتدائه وانتبه إلي الدرس .
لو أن المدرسة انتقدت عادل بهذه الصورة اللطيفة لو فرت عليها وعلي الطلبة هذا الوقت الضائع في الجدال بين طفل يحترم ذاته ولايقبل أن تهينها المدرسة امام الطلبة وكذلك ستجعل تلميذها يحبها ويتمتع بتلقي العلم علي يديها بدل أن يكرهها وينفر من دروسها .