يتداخل الدين في نسيج روايات الاستاذ نجيب محفوظ بشكل لافت، سواء كمحور رئيسي كما في "أصداء السيرة الذاتية" أو ثانوي، كما في "اللص والكلاب"، أو هامشي كذلك الذى قرأناه في "ثرثرة فوق النيل". ومرد ذلك، طبيعة الإنسان النازعة إلى وجود قوة مهيمنة على الكون، وهو ما عبر عنه ابن طفيل في قصة (حي بن يقظان)، والشخصية المصرية بصفة خاصة، ولا أدل على ذلك مما تحمله جدران المعابد والآثار الفرعونية. 
خلاف ذلك، أثرت البيئة التى نشأ فيها محفوظ بشكل رئيسي في خلفيته الدينية. ولد لأب لم يقرأ في حياته سوى القرآن، وأم تربت في بيت أحد علماء الأزهر. تعمد تجنب الحديث مباشرة عن سيرته، وألمح لها في العديد من أعماله، أبرزها كمال في الثلاثية، وبعض منها في "أصداء السيرة الذاتية"، عبر حوارات بعضها مع "ابن عبد ربه التائه"، صوفي تحمل كلماته معان قريبة للسائل العابر وأخرى بعيدة للمريدين، (سألت الشيخ عبد ربه التائه: كيف لتلك الحوادث أن تقع في عالم هو من صنع رحمن رحيم؟، فأجاب بهدوء: لولا أنه رحمن رحيم ما وقعت!). حقًا!.
المستوي الثاني للشخصية الدينية يمثلها الشيخ على جنيدي في رواية "اللص والكلاب"، فبيته ملاذ سعيد مهران، بطل الرواية، يوم خرج من السجن، ويوم أراد الاختفاء من الشرطة، بعد محاولته قتل رؤوف علوان، مُرشده للجريمة، من زرع فيه بغض المجتمع والأغنياء وحتمية أن يأخذ حقه بيده فالضعفاء فقط هم من يلجؤون للقانون. أخطأت الرصاصة هدفها وقتل أحد الخدم، وأخطأت الرصاصة الثانية أيضًا هدفها وقتلت الساكن الجديد بدلا من عليش سدرة، صبيه الذى وشي به للبوليس، وحرض زوجته على طلب الطلاق، ثم تزوج بها. 
ثم ها هو محفوظ يمارس هوايته في إظهار طبيعة النفس البشرية، فعندما ضيق البوليس الخناق على سعيد صار يراوح بين بيت الشيخ جنيدي ونور، فتاة الليل. وجد عندهما الحماية والستر، ولغة مشتركة، يقول له الشيخ (توضأ واقرأ " قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ")، وتقول له نور (أريد نومة مطمئنة وصحوة هنية وجلسة وديعة، هل يتعذر ذلك على رافع السماوات السبع؟!).
بحرفية استخدم محفوظ هذه المزاوجة ببراعة في رواياته، قبض البوليس على حفيدي السيد أحمد عبد الجواد، الشخصية الرئيسية للثلاثية؛ عبد المنعم عضو جماعة الإخوان، وأخيه أحمد الشيوعي، ربتهما أمهما، عائشة، على الإيمان، ثم تفرقت بهما السبل، فعاشا على خلاف تحت سقف واحد إلى أن جمعتهما الزنزانة.
أيضًا، في روايته "ثرثرة فوق النيل"، تتلبس شخصية عم عبده، خفير العوامة، المتناقضات، يحكي عنه أنيس زكي، الشخصية الرئيسية، فيقول (يتفقد الفناطيس، ويجذب العوامة بحبالها تبعًا للأحوال فتطيعه، ويسقي الزرع، ويؤم المصلين، ويحسن طهي الطعام، واحضار الكيف). ثنائيات متناقضة.
ومن قال إن الحياة خُلو من المتناقضات، يقول محفوظ في روايته السمان والخريف على لسان عيسي الدباغ، "نحن في حاجة إلى أن نعود للحياة مرارًا حتى نتقنها". أمنية لا تتحقق. 
فريدة هي أعمال نجيب محفوظ، تقف وحدها في زاوية يصعب أن ينازعه فيها غيره، صنعها بإتقان ملامح شخصياته واسمائها ومرادفاتها، إلى جانب تقارب مستوياتها الإبداعية، وأيضًا حرفية استخدامه لثنائية المتناقضات. أتركك سيدى القارئ مع هذه القطعة من "أصداء السيرة الذاتية"، (في غمار جدل سياسي سأل أحد النواب وزيرًا: هل تستطيع أن تدلني على شخص طاهر لم يلوث؟، فأجاب متحديًا: إليك –على سبيل المثال لا الحصر- الأطفال والمعتوهين والمجانين. فالدنيا ما زالت بخير).