آخبار عاجل

ما صاحت إذنك؟! .. بقلم السفير خليل الذوادي

16 - 04 - 2021 12:32 169

كان اعتقادا موروثا في مجتمعنا عندما يتم ذكر أحد الأهل أو الأصدقاء أو المعارف ولا يكون موجودا فيقولون: «أكيد الآن ستصيح أذنه» كناية وتعبيرا بأن إحساس المرء يكون حتى لو لم يكن موجودا ويستمع إلى أقوالهم. 

وعندما يلتقون به، ويعرفون أن لديه روحا رياضية يقولون له «يا فلان ما صاحت إذنك يوم كذا وكذا؟!»، فإن كان هو من أولئك الذين يثقون في أنفسهم فيقول لهم: «نعم صاحت إذني، فهل تذكرون لي عن ماذا كنتم تتحدثون عني؟». 

فإن كانت بينه وبينهم معرفة جيدة والكلفة بينهم وبينه مرفوعة، فيتحدثون له عما كانوا يقولون، وبالتأكيد الشيء الطيب الذي يرفع معنوياته ويزيده ثقة في نفسه. 

نعم إنها ظاهرة أو قل سلوك نلجأ إليه عندما يكون المتحدث عنه ذا سمعة طيبة وخصال حميدة، وله إنجازات مجتمعية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية وغير ذلك من مواقف إنسانية اشتهر بها. 

فأخلاق مجتمعنا وقيمنا تعيب علينا أن نتحدث عن شخص بالسوء في غيابه، فالقرآن الكريم ينهانا عن الغيبة والنميمة قال تعالى في سورة الحجرات الآية 12 «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ۖ ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا ۚ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه ۚ واتقوا الله ۚ إن الله تواب رحيم» صدق الله العظيم. 

إن المرء ذا السمعة الطيبة تتحدث عنه الناس في غيابه بما هو عليه من صفات حميدة ومواقف إنسانية مشهود له بها، بل إنه أحيانا يتحرج المتحدث عن وصف كل ما فيه من خصال بحضوره، مخافة أن يقال له إنه يجامل، كما أن المرء المقصود بالمدح قد يشعر بالخجل، ولكن طبيعة العلاقات الإنسانية تحتم الإيضاح فيلجأ المتحدث بالقول «إن هذا الكلام نقوله عنك في حضورك وغيابك»، فهنا يتم رفع الحرج عن المتحدث والمتحدث عنه. 

العلاقات الإنسانية بين البشر في أبهى صورها قائمة على التناصح، وإبداء الآراء التي تثري الصداقة وتعزز المعرفة وتزيد من لحمة التقارب بما يخدم المجتمع والوطن. 

كل إنسان به نواقص نتيجة ظروف معينة، ورؤية في الحياة قد تكون ناقصة، فالخطأ البشري يمكن التغاضي عنه وتجاوزه وإصلاح الخلل ممكن إذا صدقت النوايا وكانت المصارحة والمكاشفة والشفافية بين الأهل والأصدقاء والمعارف، فالكمال لله وحده. وقد قال الشاعر أبو البقاء الرندي الأندلسي: 

لكل شيء إذا ما تم نقصان 

فلا يغر بطيب العيش إنسان 

إن الإصلاح يتطلب منا المصارحة في القول وسلوك أنسب الطرق لتدعيم العلاقات بين الناس، والتحلي بالصبر ومجاهدة النفس وتوطينها لقبول الآخر. 

كان أهل البحر كما كانوا يحدثوننا عندما تكون مهمتهم البحث عن محار اللؤلؤ وهم في سفينة واحدة قد تستغرق رحلتهم لطلب الرزق ثلاثة شهور أو أكثر أو أقل يعيشون أيامهم ولياليهم بتعاون منقطع النظير، وكل واحد على ظهر السفينة يعرف جيدا دوره ومسؤوليته مع إبداء الاستعداد للتناوب في المسؤوليات عندما يطرأ على زميلهم طارئ صحي أو يتعرض لمخاطر في البحر غير محسوبة، فالكل على استعداد لأي طارئ يحدث لهم، لأن التجربة علمتهم أن يحسبوا لكل شيء حسابه. 

إن ذكر مناقب وخصال الرجال والنساء تزيد في المجتمع تجارب إنسانية يستفاد منها وتغني عندهم التجربة في الحياة. 

 كلما تمعنت في تجارب الماضين عندما كنا نستمع إليهم، خصوصا إذا كانوا من جيل واحد تمنيت أن يكون في وقتهم أحد يدون ذلك للأجيال، فقد كنا شغوفين للاستماع إلى تجاربهم في الحياة وكيفية معالجتهم للأمور التي طرأت عليهم في مجتمعهم، وكيف تعاملوا معها وتجاوزا كل السلبيات والعقبات بروح الفريق الواحد أو بالاعتماد على من يملك الخبرة والتجربة فيلجأون إلى حكمته في معالجة الأمور. صحيح إنهم سطروا ذلك، ربما في الأمثال والحكم والشعر الذي هو بحق ديوان العرب، غير أن تجارب الحياة التي مروا بها من الثراء والغنى ما لم تحط به الذاكرة بتفاصيلها. ومع تعقد الحياة في وقتنا وتسارع الخطى، لم يعد الوقت يسمح بالتوقف طويلا لدراسة تجارب الماضيين، قطعا هناك من أسعفته الظروف فكتب عن شخصيات مهمة في مجتمعنا كانت لهم أدوار لا تنسى غير أننا بحاجة إلى تكثيف ذلك والسعي لتذليل الصعاب من أجل المحافظة على ما تبقى من ذاكرة الوطن، فكل من رحلوا مثواهم الجنة ورضوان النعيم، تركوا إرثا نفخر ونعتز به، ومن حقنا أن نحافظ عليه ونثريه من خلال الرواة والمتخصصين في سير الماضيين. علينا أن ندرك إن الاستماع الجيد هو نصف الحقيقة، وعلينا أن نكون أحيانا أكثر استماعا من أن نتحدث. وكما قال الشاعر العباسي بشار بن برد أبو معاذ (96هـ - 168هـ) 

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة 

والأذن تعشق قبل العين أحيانا 

وعلى الخير والمحبة نلتقي 

 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved